الشارع المغاربي – الجمهورية:‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬البِرّ‭ ‬والعقوق/ بقلم: حمادي بن جاء بالله

الجمهورية:‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬البِرّ‭ ‬والعقوق/ بقلم: حمادي بن جاء بالله

قسم الأخبار

25 يوليو، 2023

الشارع المغاربي: جزى‭ ‬الله‭ ‬الشدائد‭ ‬كل‭ ‬خير‭ ‬،‭ ‬فما‭ ‬من‭ ‬مرارة‭ ‬يتجرعها‭  ‬الإنسان‭ ‬–فردا‭ ‬أو‭ ‬جماعة‭- ‬إلا‭ ‬وكسب‭  ‬منها‭ ‬قوة‭ ‬تؤهله‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬الصبر‭ ‬على‭ ‬المكابدة‭ ‬للنصر‭ ‬على‭ ‬العوائق‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬مجرى‭ ‬بسط‭ ‬سلطان‭ ‬الإرادة‭ ‬الإنسانية‭ -‬يسيرا‭ ‬يسيرا‭ – ‬على‭ ‬ملكوت‭ ‬الحتمية‭ ‬،في‭ ‬بعديها‭ ‬الطبيعي‭ ‬والتاريخي‭.‬وما‭ ‬من‭ ‬مشير‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬ذهبنا‭ ‬إليه‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬أشارت‭ ‬إليه‭ ‬التجربة‭ ‬الوطنية‭ ‬منذ‭ ‬2011‭ ‬حتى‭ ‬25جولية2021‭  ‬،‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2023‭ . ‬لحظتان‭ ‬تتنزلان‭  ‬بداهة‭ ‬في‭ ‬مجرى‭ ‬التجربة‭ ‬السياسية‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬عهد‭  ‬الجمهورية‭  ‬التي‭ ‬نحيي‭ ‬اليوم‭ ‬الذكرى‭ ‬السادسة‭ ‬بعد‭ ‬الستين‭  ‬لتأسيسها‭ ‬على‭ ‬يدي‭  ‬المجاهد‭ ‬الأكبر‭ ‬الزعيم‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬والذين‭ ‬معه‭.  ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬الأموات‭ ‬منهم،‭ ‬وحفظ‭ ‬الأحياء‭  ‬في‭ ‬عز‭ ‬وخير‭ ‬عميم‭ .‬ولا‭ ‬يفوت‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬الأغر‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬الحديث‭ ‬،أن‭ ‬يترحم‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬رحل‭ ‬عنا‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الكرام‭ ‬،‭ ‬فقيد‭ ‬الوطن‭ ‬وأحد‭ ‬بناة‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬،‭ ‬المناضل‭ ‬الرشيد‭ ‬صفر‭ ‬نجل‭ ‬المناضل‭ ‬الطاهر‭ ‬صفر،رحمهما‭ ‬الله‭ ‬رحمة‭ ‬واسعة‭ .‬

‭*‬I‭*‬

‭ ‬واللحظتان‭  ‬المشار‭ ‬اليهما‭ ‬تلتقيان‭ ‬–موضوعيا‭- ‬في‭ ‬موضع‭ ‬الاختبار‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬رشّح‭ ‬التاريخ‭ ‬تونس‭ ‬له‭ :‬اختبار‭ ‬متانة‭ ‬بناء‭  ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬،وقدرتها‭ ‬على‭  ‬الصمود‭ ‬لحدثان‭ ‬الدهر‭ ‬ومكر‭ ‬البشر‭. ‬فبادرة‭ ‬25جويلية2021‭ ‬كانت‭ ‬بادرة‭ ‬وطنية‭ ‬لاريب‭ ‬فيها‭ ‬’وكان‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬الأسوأ‭ ‬وراءنا‭ ‬،‭ ‬دون‭ ‬غفلة‭ ‬عن‭ ‬الأصعب‭ ‬الذي‭ ‬بقي‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نواجهه‭ . ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تدبر‭ ‬الشأن‭ ‬السياسي‭  ‬الوطني‭ ‬سار‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬المنهج‭ ‬السليم،‭ ‬حتى‭  ‬التقت‭ ‬نتائج‭ ‬لحظة‭ ‬البادرة‭ ‬الوطنية‭ (‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬–جويلية‭ ‬2023‭) ‬بنتائج‭ ‬لحظة‭ ‬المكر‭ ‬بالوطن‭  (‬2011-2021‭)‬،على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تناقض‭ ‬منطلقاتها،نظافة‭ ‬اليد‭ ‬وحسن‭ ‬النوايا‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬الاولي‭ ‬،ادعاء‭ ‬مخافة‭ ‬الله‭  ‬والانتصار‭ ‬للعدل‭  ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬الثانية‭ . ‬والاسوأ‭  ‬هو‭ ‬جملة‭ ‬الويلات‭ ‬التي‭ ‬تجرعتها‭ ‬تونس‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬،ومن‭ ‬ولاه‭ ‬سواء‭ ‬عن‭ ‬سوء‭ ‬تقدير‭ ‬يشي‭ ‬بوهن‭ ‬الفكر‭ ‬السياسي‭ ‬التونسي‭ ‬الراهن‭  ‬،أو‭ ‬عن‭ ‬انتهازية‭ ‬بلهاء‭ ‬ألهاها‭ ‬العاجل‭ ‬عن‭ ‬الآجل‭ .‬

ومن‭ ‬مفارقات‭ ‬أوضاعنا‭ ‬الوطنية‭ ‬الراهنة‭ ‬،‭ ‬ان‭ ‬لحظة‭ ‬البر‭  ‬ونظافة‭ ‬اليد‭ ‬التي‭ ‬طلع‭ ‬بها‭ ‬علينا‭ ‬الرئيس‭ ‬سعيد‭ ‬،‭ ‬أفضت‭ ‬عمليا‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬افضت‭ ‬اليه‭ ‬لحظة‭ ‬المكر‭ ‬وجشع‭ ‬البطون‭ ‬التي‭ ‬طلع‭ ‬بها‭ ‬علينا‭ ‬بدر‭ ”‬الخواجية‭” ‬،‭  ‬،ذلك‭ ‬انه‭ ‬حين‭ ‬يغيب‭ ‬حسن‭ ‬التدبير‭ ‬وفقا‭ ‬لما‭ ‬يقتضيه‭ ‬العقل‭ ‬السياسي‭ ‬،‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬البر‭ ‬ماهو‭ ‬أشد‭ ‬ضررا‭ ‬من‭ ‬العقوق‭.‬فليس‭ ‬لأحد‭ ‬إن‭ ‬يشك‭ ‬في‭ ‬حسن‭ ‬نوايا‭ ‬السيد‭ ‬الرئيس‭ ‬،ولا‭ ‬في‭ ‬نظافة‭ ‬يده‭  ‬،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬حجة‭ ‬لأي‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬ذلك‭  ‬الادعاء‭ ‬لأن‭ ‬النوايا‭ ‬لا‭ ‬يعلمها‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬،‭ ‬ولأن‭ ‬المدعي‭ ‬لم‭ ‬يتحمل‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬اية‭ ‬مسؤولية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتيح‭ ‬له‭ ‬فرصة‭ ‬إظهار‭ ‬نظافة‭ ‬يديه‭. ‬فالأمر‭ ‬يدور‭ ‬إذا‭ ‬على‭ ‬معنى‭ ‬حسن‭ ‬الظن‭ ‬المسبق‭ ‬،وتوسم‭ ‬الخير‭ ‬في‭ ‬من‭ ‬انتخبناه‭ ‬للأمانة‭ ‬العظمى‭ ‬،‭ ‬نرجو‭ ‬ان‭ ‬تفصح‭ ‬الأيام‭ ‬عن‭ ‬حقيقته‭  ‬،كما‭ ‬أفصحت‭ ‬عن‭ ‬عبث‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬بالوطن‭ ‬،تاريخا‭ ‬وقيما‭ ‬ورموزا‭ ‬،وثقافة‭ ‬وانجازت‭ .‬

ومما‭ ‬يشير‭ ‬في‭ ‬جلاء‭ ‬الى‭  ‬مفارقة‭  ‬التلاقي‭  ‬حتى‭ ‬التماهي،‭  ‬بين‭ ‬نتائج‭ ‬البر‭ ‬والعقوق‭ ‬،‭ ‬أن‭ ‬بادرة‭ ‬25دجويلية‭ ‬التاريخية‭ ‬تحولت‭ ‬–بفعل‭ ‬عمش‭ ‬المقاربة‭  ‬النظرية‭  ‬،حتى‭ ‬حين‭  ‬تداهمها‭  -‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أولى‭- ‬الفيوض‭ ‬العرفانية‭ ‬،و‭ ‬إن‭  ‬بضرب‭ ‬من‭ ‬الإعجاز‭ ‬الرباني‭ ‬،‭ ‬وحتى‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬صاحبها‭”‬مشروع‭ ‬شهيد‭”  ‬،وقلة‭  ‬الخبرة‭ ‬العملية‭ ‬–من‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية‭-  ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬مواهب‭ ‬ربانية‭ ‬–‭ ‬تحولت‭ ‬الى‭ ‬كابوس‭ ‬وطني‭ ‬،الله‭ ‬وحده‭ ‬يعلم‭ ‬أيان‭ ‬مرساه‭ !  ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬يحق‭ ‬له‭ ‬اليوم‭  ‬أن‭ ‬يرجو‭ ‬منها‭ ‬خيرا‭ ‬،رغم‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬ولدت‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬البر‭ ‬بالوطن‭ ‬،ومن‭ ‬روح‭ ‬الاستجابة‭ ‬لنداء‭ ‬شعب‭ ‬انفتحت‭ ‬باصرته‭ ‬على‭ ‬مكر‭ ‬المحتالين‭ ‬،فقرر‭ ‬التخلص‭ ‬منهم‭  ‬،‭ ‬بدأ‭ ‬بالتشهير‭ ‬بمراوغاتهم‭  ‬من‭ ‬قبل‭ ‬برلمانيين‭ ‬أخلصوا‭  ‬لله‭ ‬وللوطن‭ ‬،في‭ ‬مقدمتهم‭ ‬مجموعة‭ ‬الحزب‭ ‬الحر‭ ‬الدستوري‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬أفراح‭ ‬ليلة‭ ‬25جويلية‭ ‬بالتصر‭ ‬على‭ ‬الاستعمار‭ ‬الداخلي‭ .‬

وما‭ ‬يحز‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬حقا‭ ‬،ان‭ ‬السيد‭ ‬الرئيس‭ ‬استكثر‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬الارتقاء‭ ‬الى‭ ‬مصاف‭ ‬الزعيم‭ ‬الوطني‭.”‬ولم‭ ‬ار‭ ‬في‭ ‬الناس‭ ‬عيبا‭ ***‬كنقص‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬التمام‭”. ‬فلا‭ ”‬الاستشارة‭ ‬الالكترونية‭ ”‬الشهيرة،‭  ‬ولا‭ ”‬الاستفتاء‭”‬على‭ ‬الدستور‭  ‬الحزين‭ ‬،ولا‭ ” ‬البرلمان‭” ‬الجاثم‭ ‬على‭ ‬صدورنا‭ ‬بعد‭” ‬انتخابات‭”  ‬هزيلة‭ ” ‬بقانون‭” ‬شتت‭ ‬الصفوف‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬خلع‭ ‬رؤساء‭ ‬البلديات‭ ‬المنتخبين‭ ‬’ولا‭ ‬طريقة‭ ‬معالجة‭  ‬ما‭ ‬يشكوه‭  ‬القضاء‭ ‬من‭ ‬مصاعب‭ ‬حقيقية‭ ‬أو‭ ‬متوهمة،‭  ‬ولا‭ ‬اللهث‭ ‬المتزايد‭  ‬وراء‭ ”‬الأموال‭ ‬المنهوبة‭”‬’ولا‭ ‬مطاردة‭ ”‬السراق‭”  ‬،ولا‭ ‬محاربة‭ ‬استكراش‭ ‬المحتكرين‭ ‬،‭ ‬وشجع‭  ”‬أباطرة‭ ‬التجارة‭ ‬الموازية‭”…‬فما‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬أكله‭ ‬،‭ ‬لافي‭ ‬القريب‭ ‬العاجل،‭  ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الآجال‭ ‬المتوسطة‭   ‬،لا‭ ‬لخطأ‭ ‬في‭ ‬المسائل‭ ‬ذاتها‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬لفساد‭ ‬بعيد‭ ‬في‭  ‬المنهج‭ ‬المتبع‭ ‬في‭ ‬معالجتها‭  ‬‭ .‬فجميع‭ ‬المسائل‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬عاود‭ ‬الرئيس‭ ‬التشهير‭ ‬بها‭ ‬تشهيرا‭ ‬مملا‭ ‬،هي‭ ‬مسائل‭ ‬صحيحة‭ ‬يعلمها‭ ‬الخاص‭ ‬والعام‭ ‬،ويشكوها‭ ‬ويلاتها‭ ‬جميع‭ ‬المواطنين،‭ ‬وان‭ ‬بدرجات‭ ‬مختلفة‭ .‬والمطلوب‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬معالجتها‭  ‬المعالجة‭ ‬الصحيحة‭ ‬العاجلة‭ ‬،لا‭ ‬التساؤل‭ ‬عنها‭ -‬خاصة‭ ‬على‭ ‬جهة‭ ‬السؤال‭ ‬الإنكاري‭  – ‬مثل‭ ‬عامة‭ ‬المواطنين،لاسيما‭ ‬وانه‭ ‬استبد‭ ‬بالحكم‭ ‬استبدادا‭ ‬مطلقا‭ ‬منذ‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬الحكم‭ ‬عنده‭ ”‬بجرة‭ ‬قلم‭” !‬

‭**‬II‭**‬

ذلك‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬بواعث‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬مستقبلنا‭ ‬،‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬الاطمئنان‭ ‬إليه‭  .‬فليس‭ ‬ثمة‭ ‬اليوم‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬إمكان‭ ‬آي‭ ‬إصلاح‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬فسد‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬الوطنية‭ ‬،وبلغ‭ ‬منها‭ ‬الاضطراب‭ ‬مبلغا‭ ‬لا‭ ‬سابق‭ ‬له‭ ‬،تراوح‭ ‬بين‭  ‬الخبز‭  ‬اليومي‭  ‬حتى‭ ‬الدواء‭  ‬الضروري‭ ‬،‭  ‬مرورا‭ ‬ببقية‭ ‬لوازم‭  ‬العيش‭ ‬المتراوحة‭ ‬بدورها‭ ‬بين‭ ‬الندرة‭  ‬والفقدان‭ ‬والغلاء‭ ‬المتصاعد‭ ‬،فكان‭ ‬من‭ ”‬الطبيعي‭” ‬والحال‭ ‬تلك‭ ‬،‭ ‬ان‭ ‬تظهر‭ ‬بيننا‭ ‬سلوكات‭  ‬لا‭ ‬نرضاها‭ ‬،‭ ‬وعنف‭ ‬لا‭ ‬نريده‭ ‬،‭ ‬وأنواع‭ ‬من‭ ‬الاضطرابات‭ ‬النفسية‭  ‬المترتبة‭ ‬عن‭ ‬سوء‭ ‬احوال‭ ‬فئات‭ ‬هشة‭ ‬من‭ ‬التونسيين،‭  ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الشباب‭ ‬منهم‭ ‬،فسهل‭ ‬على‭ ‬المترصد‭ ‬استمالتهم‭ ‬إلى‭ ‬دروب‭ ‬ضائعة‭   ‬مثل‭ ‬استهلاك‭ ‬المخدرات‭ ‬او‭ ‬المغامرة‭ ‬بالهجرة‭ ‬الى‭ ‬الخارج‭ … ‬ويعني‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬يعيش‭ ‬–في‭ ‬واقع‭  ‬أمره،‭  ‬وخلافا‭ ‬لمرآة‭ ‬الاستطلاعات‭ ‬–وضع‭ ‬إحباط‭ ‬نفساني‭ ‬–أخلاقي‭ ‬عميق‭  ‬بسبب‭ ‬وعود‭ ‬عريضة‭ ‬سابقة‭ ‬،‭  ‬تبين‭ ‬له‭ ‬اليوم‭ ‬أنها‭ ‬سحاب‭ ‬كاذب‭.‬

‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬أن‭ ‬يواجه‭ ‬إحساسا‭  ‬جمعيا‭ ‬متناميا‭ ‬بعدم‭ ‬الثقة‭  ‬،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬في‭ ‬الإمكان‭ ‬مقاومته‭ ‬بلوك‭  ‬ثقل‭ ‬مخلفات‭  ‬العشرية‭ ‬الماضية،‭  ‬ولا‭ ‬بالتذكير‭ ‬بنظافة‭ ‬يديه‭ ‬ولا‭ ‬بمصاعب‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭  ‬كله‭  .‬فما‭ ‬من‭ ‬أحد‭  ‬عيّاب‭ ‬بنا‭ ‬فضائله‭ ‬على‭ ‬التشهير‭ ‬برذائل‭ ‬الآخرين،‭  ‬إلا‭ ‬بان‭  ‬خواء‭ ‬دعواه‭  ‬بظهور‭ ‬عجزه‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬الحجة‭ ‬ودفع‭ ‬الشبهة‭ .‬فأي‭ ‬معنى‭ ‬بعد‭ ‬سنتين‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬المطلق‭ ‬لشعار‭” ‬الشعب‭ ‬يريد‭”‬؟‭.‬

‭***‬III‭***‬

غير‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬تونسي‭ ‬ذي‭ ‬حس‭ ‬سليم‭  ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يرتاح‭ ‬لتعمق‭ ‬فشل‭ ‬السيد‭  ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬لانه‭ ‬–في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬فشل‭ ‬تنعكس‭ ‬سوءاته‭ ‬على‭ ‬تونس‭ ‬كلها‭ .‬لذلك‭ ‬بات‭  ‬لزاما‭ ‬علينا‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬نستعيد‭ ‬قيمنا‭ ‬التي‭ ‬ربتنا‭ ‬عليها‭ ‬مدرسة‭ ‬الجمهورية‭  ‬،وأولها‭  ‬الاعتزاز‭ ‬بالهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬التونسية‭ ‬والولاء‭ ‬لها‭ ‬ولها‭ ‬وحدها‭ ‬،‭ ‬والوعي‭ ‬الراسخ‭ ‬بالانتماء‭ ‬الحضاري’مغاربيا‭ ‬وعربيا‭ ‬واسلاميا‭ ‬ومتوسطيا‭ ‬وافريفيا‭ ‬وانسانيا‭ ‬لنواجه‭ ‬مستقبلنا‭  ‬داخليا‭ ‬وخارجيا‭ .‬فمن‭ ‬معاني‭  ‬تعدد‭ ‬الانتماء‭ ‬التونسي‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬–مع‭ ‬الحرص‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭  ‬في‭ ‬بعديه‭ ‬الوطني‭ ‬والدولي‭ -‬ألاّ‭ ‬نقع‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬وقعنا‭ ‬فيه‭ ‬أخيرا‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬تفاهم‭  ‬مع‭ ‬إخواننا‭ ‬الأفارقة‭  .‬ومن‭ ‬معاني‭ ‬وحدة‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬بما‭ ‬توجبه‭ ‬من‭  ‬الولاء‭ ‬لتونس‭ ‬ولتونس‭ ‬وحدها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستمد‭ ‬القوة‭ ‬الكافية‭ ‬لتجاوز‭  ‬جميع‭ ‬مصاعبنا‭ ‬القائمة‭ ‬اليوم‭ ‬كالجبال‭ ‬الأوتاد‭  ‬،فإذا‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬ماض‭ ‬هشيم‭ .‬

غير‭ ‬أنه‭  ‬لاحيلة‭ ‬للتونسي‭ ‬حين‭ ‬يكون‭  ‬سبب‭ ‬ذلك‭ ‬الفشل‭ ‬هو‭ ‬الرئيس‭ ‬نفسه،‭  ‬لتفرده‭  ‬بالسلطة‭ ‬،‭  ‬وعزل‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬القوى‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الحية‭ ‬والاحزاب‭ ‬السياسية‭  ‬الوطنية‭ ‬الحاضرة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬،فاذا‭ ‬هو‭ ‬معرض‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭  ‬عرض‭ ‬له‭ ‬،لايستظهر‭ ‬لما‭  ‬يفعل‭ ‬ويسطر‭ ‬لنا‭   ‬الا‭ ‬بما‭  ‬أوتي‭ ‬من‭ ‬الهام‭ ‬يعسر‭ ‬فهمه‭.‬فما‭ ‬ينسب‭ ‬اليه‭ ‬من‭ ”’‬شعبية‭” ‬انما‭  ‬هي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬نقد‭ ‬زائف‭ ‬،وريح‭ ‬عاصف‭ .‬فهو‭ ‬نقد‭ ‬زائف‭ ‬لانه‭ ‬لايعبر‭ ‬عن‭ ‬تعلق‭ ‬بشخص‭ ‬لايعرف‭ ‬الشعب‭ ‬عنه‭ ‬شيئا‭ ‬،ولا‭ ‬وجود‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الوطنية‭ ‬قبل‭  ‬اليوم‭ ‬،بل‭ ‬هو‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬ارتياح‭ ‬لأي‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يعصف‭ ‬بالخوانجية‭ .‬ولأمر‭ ‬كهذا‭ ‬لم‭ ‬يقم‭ ‬الرئيس‭ ‬–حتى‭ ‬اليوم‭ ‬–باي‭ ‬اجراء‭ ‬حقيقي‭ ‬ضدهم‭ ‬سياسيا‭ ‬كأن‭  ‬يمنع‭ ”‬بجرة‭ ‬قلم‭ ” ‬قيام‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬عرقية‭ ‬او‭ ‬دينية‭ ‬او‭ ‬لغوية‭  .‬كما‭ ‬لم‭ ‬يتخذ‭ ‬ضدهم‭ ‬اي‭ ‬اجراء‭ ‬ثقافي‭ ‬كأن‭ ‬يحل‭ ”‬بجرة‭ ‬قلم‭ ” ‘‬الجمعيات‭ ‬الدعوية‭ ‬الظلامية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ”‬القرضاويات‭ ” ‬و‭”‬الرقابيات‭”‬وما‭ ‬شابهها‭ …‬

أما‭ ‬الإجراء‭ ‬القضائي‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬شهدت‭ ‬فيه‭ ‬المؤسسة‭ ‬القضائية‭ ‬ما‭ ‬شهدت‭ ‬مما‭ ‬لاعهد‭ ‬لها‭ ‬به‭ ‬مثل‭ ‬عزل‭ ‬قاض‭ ”‬بجرة‭ ‬قلم‭’ ‬او‭ ‬رفض‭ ‬تطبيق‭ ‬حكم‭ ‬قضائي‭ ‬دون‭ ‬اعتراض‭ ‬قضائي‭ .‬لذلك‭ ‬أصبح‭ ‬اجتهاد‭ ‬القاضي‭ ‬–سواء‭ ‬بالإدانة‭ ‬أو‭ ‬بالبراءة‭- ‬فريسة‭ ‬لشبهات‭ ‬لا‭ ‬تنحسم‭ ‬فضلا‭ ‬عما‭ ‬يشاع‭  ‬عن‭  ‬عدم‭ ‬احترام‭ ‬الصيغ‭ ‬الشكلية‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬تلك‭ ‬الإجراءات‭ .‬وهكذا‭  ‬وجد‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭  ‬في‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬عادة‭  ‬المعاملة‭”‬الامنية‭-‬القضائية‭” ‬خير‭ ‬معين‭ ‬على‭ ‬استرداد‭ ‬موقع‭ ‬التظلم‭ ‬ومكانة‭ ‬الضحية‭ ‬مع‭ ‬إتقان‭ ‬فن‭ ‬التماوت‭  ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬مواصلة‭ ‬انبعاث‭   ‬نيابات‭ ‬حزبية‭ ‬اخوانية‭ ‬تتستر‭ ‬بخلافات‭ ‬متصنعة‭ ‬بين‭ ‬سدنة‭ ‬الحزب‭ ‬الأصلي‭ .‬وهل‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬الى‭ ‬التذكير‭ ‬بان‭ ‬المواطن‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬كان‭ ‬مرشح‭ ‬الاخوان‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2019؟‭ ‬فكيف‭ ‬سيتحول‭ ‬–بالحقيقة‭ ‬لا‭ ‬بالاسم‭ ‬او‭ ‬بالظاهر‭ -‬من‭ ‬مرشح‭ ‬مرغوب‭ ‬فيه،‭  ‬الى‭ ‬رئيس‭ ‬مرغوب‭ ‬عنه‭ ‬؟الم‭ ‬يحقق‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬بدستور‭ ‬وهو‭ ‬خارج‭ ‬الحكم‭ ‬ظاهريا‭ ‬في‭ ‬الاقل‭ ‬بفضل‭ ‬دستور‭ ‬2022‭ ‬ما‭ ‬عجر‭ ‬عن‭ ‬تحقيقه‭ ‬وهوفي‭ ‬الحكم‭  ‬مباشرة‭ ‬؟‭  ‬فهل‭ ‬يمكن‭ ‬اليوم‭ ‬للسيد‭ ‬الرئيس‭ ‬ان‭ ‬يرمي‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يرتد‭ ‬عليه‭  ‬سهمه؟‭ ‬اليست‭ ‬لحظة‭  ‬البر‭ ”‬25جويلية‭ ‬2021‭ ‬–جويلية‭ ‬2023‭” ‬مقارنة‭ ‬بلحظة‭ ‬العقوق‭ (‬2011-2019‭) ‬أشبه‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬بالماء‭ ‬؟أليس‭ ‬من‭ ‬البر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكره‭ ‬من‭ ‬العقوق‭ ‬؟

‭***‬III‭*** ‬

وهكذا‭ ‬نستبين‭ ‬أنه‭ ‬لاخلاص‭ ‬لتونس‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬أوضاعها‭ ‬إلا‭ ‬بقطيعة‭ ‬حاسمة‭  ‬مع‭ ‬لحظتي‭ ‬العقوق‭  ‬البيّن،‭  ‬والبر‭ ‬الساذج‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬الوطن‭ ‬،‭ ‬وامن‭ ‬المواطنين‭ ‬،‭ ‬ومواصلة‭ ‬مسيرة‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬بالغايات‭ ‬التي‭ ‬رسمها‭ ‬لها‭ ‬شباب‭ ‬مدرسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬،‭”‬الشغل‭ ‬والحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬الوطنية‭”‬،‭ ‬في‭ ‬مجرى‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬،دولة‭  ‬الاستقلال‭ ‬،إلى‭  ‬مصاف‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬الديمقراطية‭ .‬

فإذا‭ ‬تواضعنا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الإطار‭ ‬العام‭ ‬،‭ ‬كان‭ ‬لنا‭  ‬أن‭ ‬نصبو‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬أوضاعنا‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل‭   ‬دون‭  ‬اهتزازات‭ ‬،ومن‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يحرم‭ ‬اي‭ ‬تونسي‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬الترشح‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬فلا‭ ‬إقصاء‭ ‬ولا‭ ‬تهميش‭ .‬ويكفي‭ ‬لبلوغ‭ ‬تلك‭ ‬المطالب‭ ‬العالية‭ ‬ان‭ ‬تبعث‭ ‬هيئة‭ ‬وطنية‭ ‬تحت‭ ‬اشراف‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭  ‬تضم‭ ‬خاصة‭ ‬المنظمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬يتقدمها‭ ‬الاتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل‭ ‬واتحاد‭ ‬الصناعة‭ ‬والتجارة‭ ‬واتحاد‭  ‬الفلاحين‭ ‬والاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للمرأة‭ ‬التونسية‭ ‬والهيئات‭ ‬الحقوقية‭ ‬والمهنية‭ .‬وتكلف‭  ‬تلك‭ ‬الهيئة‭  ‬بالمهام‭ ‬التالية‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬تنجزها‭  ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬شهر‭ :‬1‭/‬صياغة‭ ‬قانون‭ ‬انتخابي‭  ‬ينتج‭ ‬العمل‭ ‬بمقتضياته‭  ‬اغلبيه‭ ‬قادرة‭  ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬ببرنامج‭ ‬مفصل‭ ‬ينشر‭ ‬شهرين‭ ‬قبل‭ ‬موعد‭   ‬الانتخابات2‭/‬الدعوة‭ ‬الى‭ ‬انتخابات‭  ‬تشريعية‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬الجارية‭  ‬يترشح‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬تونسي‭  ‬لاتعوقه‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭  ‬موانع‭ ‬قانونية‭  . ‬3‭/ ‬وفي‭ ‬انتظار‭ ‬ذلك‭ ‬تتكفل‭ ‬الهيئة‭ ‬المذكورة‭ ‬باعانة‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭  ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬مصاعب‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬الطارئ‭  ‬منها‭ ‬والهيكلي‭  ‬مثل‭ ‬المساعدة‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬ميزانية‭ ‬2024‭ ‬او‭ ‬مواصلة‭  ‬المفاوضات‭  ‬مع‭ ‬المانحين‭ ‬الدوليين‭ .‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 25 جويلية 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING