الشارع المغاربي- كريمة السعداوي: أعلنت كلّ من وزارة التّجارة وتنمية الصادرات ووزارة الصناعة والمناجم والطاقة ووزارة الصحّة في بلاغ مشترك لها يوم الأحد 16 أكتوبر 2022 أنّه تقرّر حرصا على ضمان جودة المنتوجات المورّدة وعلى سلامة المستهلك، اعتماد نظام مراقبة قبلية على عمليات توريد عدد من المنتجات الاستهلاكية مع فرض توريد هذه المنتجات بصفة مباشرة من المصنع المنتج لها ببلد التصدير، وذلك وفق وثيقة ضبطت قائمة في هذه المواد.
ويجب على المورد الاستظهار بفاتورة تحمل تأشيرة الهياكل المختصة لوزارة التجارة والصناعة والطاقة والمناجم والهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية. وللحصول على هذه التأشيرة يجب على المورد الاستظهار بمجموعة اخرى من الوثائق. ومن بين السلع التي من المنتظر أن تخضع لهذا الاجراء مكيفات الهواء والثلاجات وآلات غسل الثياب والأفران والمطابخ والمواقد ومجففات الشعر ومستحضرات الشعر وعطورات ومياه التجميل ومواد التجميل أو الزينة والملابس الداخلية للرجال والنساء والأطفال واصناف أخرى من المواد التي تصنف ككماليات.
ويأتي القرار الوزاري المشترك للحد من توريد الكماليات أيامًا قليلة بعد ان اكد رئيس الجمهورية قيس سعيّد في 26 سبتمبر الفارط على “ضرورة الضغط على توريد المواد الكمالية للحد من اختلال الميزان التجاري مع عدد من البلدان والتي تضر بالمالية العمومية ولا تنتفع بها إلا الجهات المصدرة”، مشددا على اهمية الحد من توريد “طعام الحيوانات الأهلية ومواد التجميل والعطور الأجنبية” كحلّ لـ “الحد من اختلال الميزان التجاري مع عدد من البلدان”، مما أثار استغراب العديد من الأطراف الفاعلة اقتصاديا بخصوص فاعلية هذا التمشي لمعالجة العجز التجاري الذي بلغ في اوت الفارط 16.9 مليار دينار.
اجراءات تخرق قواعد التجارة الحرة
استثنى البلاغ الوزاري المشترك من إجراءات المراقبة القبلية واردات الدولة والمؤسسات والمنشآت العمومية والجماعات المحلية العمومية والواردات المنتفعة بإجراءات جبائية على غرار واردات السفارات والمؤسسات الناشطة تحت أنظمة توقيفية وهو ما يعني، في سياق غير مفهوم، ان الحرص على جودة الواردات لا يشمل مؤسسات الدولة وعدد من الهياكل بما يؤكد ان المقصود بالإجراء هو مجرد تقييد للواردات بصفة تخرق قواعد التجارة الحرة المصادق عليها من قبل الدولة التونسية.
في جانب اخر يؤدي اجبار الموردين على التعامل مباشرة مع المُصنّع الدولي ومنعهم من المرور بالوكلاء المعتمدين الى حرمان التجار الصغار والمتوسطين من التعاملات التجارية باعتبار ان المصنعين الدوليين يشترطون تزويد حرفائهم بكميات كبيرة من السلع لا تقل عن مئات او الاف الوحدات لا تقدر على شرائها هذه الفئة من التجار خاصة في ما يهم التجهيزات والتجهيزات الكهرومنزلية.
كما ان هذا الاجراء يسهل نشاط المهربين والمحتكرين فضلا عن تقليص الكميات الموردة نظرا الى محدودية السوق على استيعابها بتعلة انها كمالية وهي التي يستعملها التونسيون منذ عقود طوال كمنتجات معيشية اعتيادية.
وكرّست الادارة التونسية مرة اخرى من خلال فرض المراقبة القبلية على الواردات بيروقراطيتها الثقيلة، اذ عوض الحد من الواردات الصينية والتركية التي لا تحترم أي معيار للجودة وتتسبب في معظم العجز التجاري، تعمل الادارة على ادخال المورّدين في سلسلة طويلة ومرهقة، من الإجراءات التي قد تدفعهم إلى العزوف تماما عن التوريد، ممّا يؤدّي، بالتأكيد، إلى فقدان مواطن شغل ووقف للإنتاج، في وقت تسعى المؤسّسات لتطويره للخروج من تداعيات أزمة كورونا ومواجهة الأزمة العالميّة الحاليّة.
كما قد يبدو في الظاهر ان اتخاذ مثل هذا الإجراء كان حرصا على الصحة العامّة وعلى جودة المواد المستوردة وحفاظا على موارد الدولة من العملة الصعبة، وهو إن كان منطقيا في حالة توريد مواد استهلاكية لها نظيرتها التونسية، فإنّه سيؤثر في المقابل وبالنسبة للمواد غير المصنعة محليا سلبا على النشاط الاقتصادي لا بالنسبة للشركات التجارية فحسب وإنما على المؤسّسات الصناعية والحرفية ويصب بالتالي في خدمة الاقتصاد الموازي والمضاربة والتجارة غير المشروعة والتهريب.
تساهل مع الواردات التركية والصينية وعقبات أمام التبادل مع الاتحاد الأوروبي
رغم فرض السلط التونسية إجراءات تقييدية على الواردات سنتي 2018 و2019 فان رد المفوضية الأوروبية، على اعتماد تونس اجراء المراقبة القبلية على الواردات كان سريعا وواضحا حيث عبرت المفوضية الاوروبية عن قلق الاتحاد الأوروبي من إجراءات تقييد الاستيراد التي أقرتها وزارة التجارة التونسية ودعتها في مراسلة وجهتها إليها، إلى تعليق العمل بهذه الإجراءات، التي قالت إنها تأتي بالتزامن مع الزيادة الكبيرة في الرسوم القمرقية التي أثرت على بعض الصادرات الأوروبية منذ 1 جانفي 2022، مؤكدة أن ذلك يتعارض مع جهود تونس للإصلاح والانفتاح وجذب المستثمرين الأجانب على وجه الخصوص، وفق تقديرها.
وأكدت المفوضية الأوروبية أن نظام الرقابة الفنية القبلية على الواردات المعمول به هو آلية معقدة وغير شفافة للغاية وأنه لا يبدو أنها تستند إلى تحليل المخاطر وتمثل عائقًا كبيرًا أمام دخول السلع، وفق ما ورد في نص المراسلة معربة عن بالغ قلقها إزاء خطة توسيع قائمة المنتجات الخاضعة للرقابة القبلية وزيادة قيمتها المعمول بها منذ عام 2017 بفرض 10 بالمائة من قيمة السلع المستوردة، معتبرة أن ذلك سيطرح مشاكل للشركات الأوروبية المصدرة، خاصة الصغرى منها، لأن ذلك يتطلب تعبئة نقدية كبيرة، حسب تقييمها.
كما ذكرت المفوضية، في ذات الصدد، أن تونس لم تعلم منظمة التجارة العالمية بشفافية إجراءاتها القمرقية أو نقاط الاتصال للتعاون القمرقي بموجب اتفاقية تيسير التجارة، مشددة على أن ذلك لا يساعد على الإدارة السليمة للتجارة مع الاتحاد الأوروبي والأعضاء الآخرين في منظمة التجارة العالمية. وأكدت أن الالتزام بالاستيراد مباشرة من المصنع دون المرور بالمزودين وتقديم فاتورة المصنع للحصول على إذن الاستيراد يدعوان بشكل أساسي إلى التشكيك في العلاقات التجارية والتعاقدية بين الشركاء الاقتصاديين.
واشارت المفوضية إلى أنه يجري في إطار القواعد المنقحة للاتفاقية الإقليمية لقواعد المنشأ التفضيلية الأورومتوسطية، والتي لم تلتزم بها تونس رغم الاتفاق التقني الذي أبرمته الوزارة في مارس 2021، تطوير أنظمة إصدار شهائد إلكترونية موثوقة فيها وانه تم تطويرها من قبل بعض الشركاء. كما لفتت إلى أن الاتحاد الأوروبي سيقدم في هذا الإطار اقتراحًا ملموسًا في الأيام المقبلة وأنه يأمل أن تدعمه تونس، وفق ما ورد في المراسلة الموجهة لوزارة التجارة التونسية.
ويبدو جليا من خلال نص المراسلة ان تونس خرقت لوائح منظمة التجارة العالمية التي تعهدت بالالتزام بها بخصوص تيسير التجارة والتعاون القمرقي الدولي ولكن الاهم من ذلك ان وزارة التجارة اتخذت قرار تقييد الواردات ناسية او بالأحرى متناسية ان الاتحاد الاوروبي وغيره من التكتلات الاقتصادية يمكن ان تمر الى مرحلة المعاملة بالمثل وتفرض قيودا على صادرات تونس اليها واهمها زيت الزيتون والتمور والنسيج والجلود والاحذية وهي التي تعتبر اليوم شريان حياة للاقتصاد التونسي المنهك وغير القادر على خلق النمو والتشغيل.
يذكر ان تونس منضوية تحت لواء اتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن تيسير التجارة لسنة 2013 وهي اطار قانوني شامل لممارسة التجارة الدولية تحتوي على ثلاثة أقسام يشتمل أولها على الالتزامات العامة، ومن بينها الالتزام بنشر المعلومات المتعلقة بالتجارة والوصول إليها، وإجراءات الاعتراض، وتبسيط إجراءات التجارة وعمليات تخليص السلع، والتعاون بين الوكالات، والتعاون القمرقي عبر الحدود بينما يتضمن القسم الثاني أحكاما بشأن المعاملة الخاصة والتفضيلية الممنوحة للدول الأعضاء النامية والأقل نمواً، وبشأن المساعدات الفنية وبناء القدرات.
ويُعالج القسم الثالث من الاتفاقية الترتيبات المؤسسية والأحكام الختامية مثل العلاقة بالاتفاقيات الأخرى الصادرة عن منظمة التجارة العالمية، وعملية انضمام الأعضاء للاتفاقية.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ 25 اكتوبر 2022