الشارع المغاربي – هل‭ ‬حلّ‭ ‬زمن‭ ‬خرق‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬يرأسها‭ ‬أستاذ‭ ‬قانون؟ /بقلم: صالح مصباح

هل‭ ‬حلّ‭ ‬زمن‭ ‬خرق‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬يرأسها‭ ‬أستاذ‭ ‬قانون؟ /بقلم: صالح مصباح

قسم الأخبار

9 يونيو، 2023

الشارع المغاربي: ‭”‬الشخصية‭ ‬المهنية‭” ‬مصطلح‭ ‬يتقاطع‭ ‬فيه‭ ‬مبحثا‭ ‬الفلسفة‭ ‬وعلم‭ ‬النفس‭. ‬وبيانه،‭ ‬باختصار‭ ‬مُخِلّ،‭ ‬أن‭ ‬الفرد‭ ‬الذي‭ ‬يمارس‭ ‬مهنة‭ ‬مّا‭ ‬بصفة‭ ‬متصلة،‭ ‬إنما‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬بصمة‭ ‬على‭ ‬شخصيته‭ ‬وعلى‭ ‬مزاجه‭. ‬وهي‭ ‬بصمة‭ ‬تتخذ‭ ‬بالتراكم‭ ‬محلُا‭ ‬لها‭ ‬فيهما‭ ‬اتخاذا‭ ‬غير‭ ‬واع‭ ‬غالبا‭. ‬وإذا‭ ‬قسنا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬رئيس‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭ ‬جاز‭ ‬أن‭ ‬نرصده‭ ‬رئيسا‭ ‬اليوم‭ ‬وأستاذ‭ ‬قانون‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭. ‬ولا‭ ‬عجب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نتوقع‭ ‬انطباع‭ ‬شخصيته‭ ‬رئيسا‭ ‬بعناصر‭ ‬مهنته‭ ‬الأصلية‭ ‬مدرسا‭ ‬للقانون‭. ‬وهو‭ ‬انطباع‭ ‬جائز‭ ‬متى‭ ‬رشَّده‭ ‬الإعتدال‭ ‬والرقابة‭ ‬الذاتية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُخضِع‭ ‬اللاحقَ‭ ‬للسابق،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬شأن‭ ‬الكافة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬وليس‭ ‬شأن‭ ‬مزاج‭ ‬فردي‭ ‬خاص‭.‬

‭  / 1‬المدرس‭ ‬وليس‭ ‬القانوني‭:‬

لعل‭ ‬ما‭ ‬يبعث‭ ‬غلى‭ ‬التعجب‭ ‬هو‭ ‬أنّ‭ “‬شخصية‭ ‬سعيد‭ ‬السياسية‭” ‬قد‭ ‬انطبعت‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬غُلوّ،‭ ‬بمهنة‭ ‬التدريس،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تنطبع،‭ ‬ولو‭ ‬باعتدال،‭ ‬باختصاص‭ ‬التدريس‭. ‬وإن‭ ‬الأصل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تستوعب‭ ‬مقتضيات‭ ‬المنصب‭ ‬الرئاسي‭ ‬رواسب‭ ‬اشخصية‭ ‬المهنية‭ ‬الأصلية‭ ‬استيعابا‭ ‬غالبا‭ ‬قد‭ ‬يجيز‭ ‬منها‭ ‬الهامش‭ ‬القليل‭ ‬الذي‭ ‬يصعب‭ ‬نسخُه‭.‬

من‭ ‬مظاهر‭ ‬هيمنة‭ ‬المدرس‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬لدى‭ ‬سعيد‭ ‬أنه‭ ‬يصرّ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتكلم‭ ‬ويصرّ‭ ‬على‭ ‬ألاَ‭ ‬ينصت‭. ‬وأنه‭ ‬يخاطب‭ ‬جُلُاسه‭ ‬الرسميون‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬المدرس،‭ ‬ويجري‭ ‬عليهم‭ ‬موقع‭ ‬الدارسين‭ ‬عليه‭. ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬استطرادات‭ ‬المدرّس‭ ‬الجائزة،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تبعات‭ ‬لها،‭ ‬إنما‭ ‬تلازم‭ ‬سعيد‭ ‬رئيسا،‭ ‬فيسقط‭ ‬في‭ ‬عثرات‭ ‬خطابية‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬بها‭ ‬المنصب‭ ‬الرئاسي،‭ ‬فَيَنجَبِرَ‭ ‬على‭ ‬إصلاحها‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬إصلاحها‭ ‬إظهارها،‭ ‬لأنّ‭ ‬للإصلاح‭ ‬بدوره‭ ‬مراسمَ‭ ‬رئاسية‭ ‬يفسدها‭ ‬سعيد‭ ‬بخَطَابة‭ ‬المدرس‭. ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ “‬سلطة‭ ‬المدرس‭ ‬المعرفية‭ ” ‬إذا‭ ‬جاز‭ ‬الإستئناسُ‭ “‬بميشال‭ ‬فوكو‭”‬،‭  ‬قد‭ ‬ذوّبت‭ ‬في‭ ‬محلولها‭ ‬مقتضيات‭ ‬الرئاسة‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الدارسين‭ ‬لا‭ ‬ينازعون‭ ‬مدرّسهم‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السلطة‭ ‬المعرفية‭ ‬وإن‭ ‬جادلوه‭ ‬جدالا‭ ‬يسمح‭ ‬به،‭ ‬ولا‭ ‬ينافسون‭ ‬منزلته‭ ‬بمنازلهم،‭ ‬ولا‭ ‬يشاركوه‭ ‬أهليته‭ ‬لاختبارهم‭ ‬وتقويهم‭ ‬بما‭  ‬يسند‭ ‬إليهم‭ ‬من‭ ‬الأعداد‭.‬

تبدو‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬العمودية‭ ‬المدرسية‭ ‬قد‭ ‬طبعت‭ ‬علاقة‭ ‬سعيد‭ ‬رئيسا‭ ‬بعموم‭ ‬التونسيين‭ ‬وبالمجتمع‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬الخ‭…. ‬فلا‭ ‬علم‭ ‬لهم‭ ‬جميعا‭ ‬بخلاف‭ ‬علمه،‭ ‬ولا‭ ‬قرار‭ ‬بخلاف‭ ‬قراره،‭ ‬ولا‭ ‬قول‭ ‬يشق‭ ‬قوله،‭ ‬ولا‭ ‬سلطة‭ ‬بخلاف‭ ‬سلطته‭ ‬على‭ ‬الكافة،‭ ‬ولا‭ ‬نظام‭ ‬عيش‭ ‬لشعب‭ ‬تونس‭ ‬بخلاف‭ ‬ما‭ ‬يرسم‭ ‬له،‭ ‬وعلى‭ ‬الكل‭ ‬أن‭ ‬يتعلم‭ ‬عليه‭ ‬صامتا،‭ ‬صاغرا،‭ ‬مطيعا‭. ‬ومن‭ ‬يمرق‭ ‬على‭ ‬ذلك‭  ‬قد‭ ‬يغادر‭ ‬قاعة‭ ‬الدرس‭ ‬إلى‭ ‬السجن‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬انه‭  ‬ماسك‭   ‬بجل‭ ‬مفاتيحه‭ ‬ا‭. ‬وقد‭ ‬زاد‭ ‬على‭ ‬احتكار‭ ‬المعرفة‭ ‬باحتكار‭ ‬النقاء‭. ‬فهو‭ ‬النقي،‭ ‬النظيف،‭ ‬العفيف،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يتجانس‭ ‬مع‭ ‬رؤاه‭   ‬فاسد‭ ‬،‭ ‬خائن،‭ ‬مفسود‭.‬

لكنّ‭ ‬القانونيَّ‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬سعيد‭ ‬قد‭ ‬انقطع‭ ‬حبلُ‭ ‬اتّصاله‭ ‬به‭ ‬رئيسا،‭ ‬حتى‭ ‬كأنه‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬فرط‭  ‬الاجتهادات‭ ‬القانونية،‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬الرئاسة‭ ‬مِن‭ ‬رياضة‭ ‬الجمباز‭. ‬وقد‭ ‬تجلّى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬مسار‭ ‬الخامس‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬،‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬لَيِّ‭ ‬رقبة‭ ‬الفصل‭ ‬80‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬السابق‭ ‬وإنطاقه‭ ‬بما‭ ‬لم‭ ‬يقل‭ ‬قط،‭ ‬ومن‭ ‬استثمار‭ ‬ما‭ ‬صنع‭ ‬غيرُه‭ ‬لإزاحة‭ ‬حكمُ‭ ‬إخوان‭ ‬النهضة‭ ‬و‭”‬برلمانُ‭ ‬شيخهم‭”‬،‭ ‬ومرورا‭ ‬بالإنثناء‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬عَهَد‭ ‬إليهم‭ ‬إعداد‭ ‬مشروع‭ ‬دستور،‭ ‬وبالقفز‭ ‬بين‭ ‬فصول‭  ‬الدستور‭ ‬السابق‭ ‬بقدم‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬وأخرى‭ ‬في‭ ‬آخر،‭ ‬فاستراح‭ ‬عالقدمين‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬المريح،‭ ‬وباستشارةٍ‭ ‬واستفتاء‭ ‬وانتخابات‭ ‬جرت‭ ‬تباعا‭ ‬حلقات‭  ‬تشبه‭ ‬المساخر،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الحكم‭ ‬الفردي‭ ‬المطلق‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تسنده‭ ‬أية‭ ‬شرعية‭ ‬قانونية‭ ‬،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شرعية‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬سنها‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭.‬

‭  ‬2/ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬مرحلة‭ ‬الإختراق‭ ‬الصريح؟‭ :‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬سعيد‭ ‬قد‭ ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬أجهزة‭ ‬السلطة‭ ‬وكل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬قد‭ ‬أضحت‭ ‬طوع‭ ‬بنانه‭. ‬والراجح‭ ‬أنه‭ ‬استحسن‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬واستمرأ‭ ‬طعمها‭. ‬فقد‭ ‬كف‭ ‬عن‭ ‬الإنثناء‭ ‬على‭ ‬القوانين،‭ ‬وصار‭ ‬اليوم‭ ‬اختراقُها‭ ‬الصريح‭ ‬متاحا،‭  ‬مستساغا،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬السلطات‭ ‬المضادة‭ ‬أو‭ ‬الرقيبة‭ ‬لا‭ ‬أثر‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬أدوار‭. ‬صار‭ ‬ذلك‭ ‬الإختراق‭ ‬الصريح‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬في‭ ‬هياكل‭ ‬القرار‭. ‬

فلما‭ ‬قضت‭ ‬المحكمة‭ ‬الإدارية‭ ‬بإرجاع‭ ‬القضاة‭ ‬المعزولين‭ ‬إلى‭ ‬مهنهم،‭ ‬ضرب‭ ‬سعيد‭ ‬بالحكم‭ ‬القضائي‭ ‬عرض‭ ‬الحائط،‭ ‬وذهب‭ ‬بعض‭ ‬القضاة‭ ‬بذنوب‭ ‬البعض،‭ ‬إذا‭ ‬سلمنا‭ ‬بالتهم‭ ‬الرائجه‭ ‬عن‭ ‬بعضهم‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬يصعب‭ ‬إنكارها‭ ‬أو‭ ‬تبرئة‭ ‬المتهمين‭ ‬بها‭ ‬منها‭. ‬لكن‭ ‬الأصل‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬مشكل‭ ‬أن‭ ‬ترفض‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬أن‭ ‬يعلوَ‭ ‬القانون‭ ‬وأن‭ ‬ترفض‭ ‬أن‭  ‬تعترض‭ ‬عليه‭ ‬بالوسائل‭ ‬القانونية‭.‬

ثم‭ ‬إن‭ ‬التعيين‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الإذاعة‭ ‬الوطنية،‭ ‬والذي‭ ‬به‭  ‬صارت‭” ‬هندة‭ ‬بن‭ ‬علية‭ ‬غريبي‭” ‬رئيسا‭ ‬لها‭ ‬مديرا‭ ‬عاما‭ ‬هو‭ ‬تعيين‭ ‬لم‭ ‬تتبع‭ ‬فيه‭ ‬الحكومة‭ ‬مقتضيات‭ ‬القانون‭. ‬فقد‭ ‬اعترضت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التعيين‭ ‬هيئة‭ ‬القطاع‭ ‬السمعي‭ ‬البصري‭” ‬الهايكا‭”. ‬وحجتها‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬الأساسي‭ ‬عدد‭ ‬16‭ ‬المتعلق‭ ‬بتنظيم‭  ‬القطاع‭ ‬ينص‭ ‬في‭ ‬فصله‭ ‬19‭ ‬على‭ ‬وجوب‭ “‬استشارة‭ ‬الهايكا‭”‬في‭ ‬كل‭ ‬تعيين‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬مؤسسة‭ ‬سمعية‭ ‬بصرية‭ ‬عمومية‭. ‬وجاء‭ ‬التعيين‭ ‬بخلاف‭ ‬منطوق‭ ‬النص‭ ‬القانوني،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ “‬الهايكا‭” ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ترفع‭ ‬قضية‭ ‬لدى‭ ‬المحكمة‭ ‬الإدارية،‭ ‬وإلى‭ ‬أن‭ ‬تدعوَ‭ ‬الإعلاميين‭ ‬إلى‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬استقلاليتهم،‭ ‬وإلى‭ ‬اعتبار‭ ‬ذلك‭ ‬التعيين‭ ‬الأحادي‭ ‬المخالف‭ ‬للقانون‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الحرص‭ ‬الرسمي‭ ‬على‭ ‬إعلام‭ ‬عمومي‭ ‬تابع‭ ‬للسلطة‭.‬

ولا‭ ‬يختلف‭ ‬هذا‭ ‬الإختراق‭ ‬للقانون‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬به‭ ‬المعنيون‭ ‬به‭ ‬عما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الداخلي‭ ‬للبرلمان‭ ‬التونسي‭. ‬فقد‭ ‬نظرت‭ ‬فيه‭”‬الجمعية‭ ‬التونسية‭ ‬للقانون‭ ‬الدستوري‭”‬في‭ ‬ندوة‭ ‬لها‭ ‬،‭ ‬وارتأى‭ ‬المتدخلون‭ ‬أنه‭ ‬نظام‭” ‬غير‭ ‬متناسق،‭ ‬كثير‭ ‬الهنات،‭ ‬ويتضارب‭ ‬مع‭ ‬الدستور‭”‬شكلا‭ ‬ومضمونا‭. ‬كما‭ ‬رأوا‭ ‬أنه‭ ‬مُصاغ‭ “‬بمعجمية‭ ‬قانونية‭ ‬متنافرة‭” ‬وأن‭ ‬فصوله‭ ‬يضارب‭ ‬بعضها‭ ‬بعضا‭ ‬ولا‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬منطوق‭  ‬الدستور‭ ‬القانوني‭. ‬وقد‭ ‬حصر‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭ ‬الدستوري‭” ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬المختار‭” ‬الخلل‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬الداخلي‭ ‬في‭ ‬التقاء‭ ‬ثلاثة‭ ‬مكونات‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬واحد‭ ‬،‭ ‬والحال‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تلتقي‭ ‬فيه‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬النظام‭ ‬الداخلي‭ ‬نفسه،‭ ‬والتدابير‭ ‬الاستثنائية‭ ‬،‭ ‬ومدونة‭ ‬السلوك‭. ‬وخلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ذاك‭ ‬النظام‭ “‬غير‭ ‬مهيكل‭” ‬وغير‭ ‬دستوري‭. ‬ثم‭ ‬إنه‭ ‬قد‭ ‬أعفى‭ ‬النواب‭ ‬من‭ ‬التصريح‭ ‬بمكاسبهم‭ ‬أمام‭ “‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد‭”‬المغلقة‭. ‬وقد‭ ‬رأى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭”‬أمين‭ ‬الخراط‭”‬عضو‭  ‬منظمة‭ “‬بوصلة‭” ‬أن‭ ‬النواب‭ ‬كان‭ ‬بإمكانهم‭ ‬أن‭ ‬يطلبوا‭ ‬بصفة‭ ‬رسمية‭ ‬فتح‭ ‬مقر‭ ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬ليقوموا‭ ‬لديها‭  “‬بواجب‭ ‬التصريح‭ ‬بمكاسبهم‭”. ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬اختراق‭ ‬القانون،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬البرلمان،‭ ‬صار‭ ‬متاحا‭ ‬في‭ ‬الهياكل‭ ‬الرسمية‭.‬

كما‭ ‬ارتأى‭ ‬الأستاذ‭ ‬نفسه‭ ‬في‭  ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬اختراقا‭ ‬آخر‭ ‬للقانون‭ ‬،‭ ‬والدستور‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أنه‭ ‬يخول‭ ‬لمجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بمهام‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للجهات‭ ‬والأقاليم‭. ‬

ورأى‭”‬يوسف‭ ‬عبيد‭” ‬أستاذ‭ ” ‬القانون‭ ‬البرلماني‭”‬،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭  ‬بعض‭ ‬المواقع،‭ ‬أن‭ ‬ذاك‭ ‬النظام‭ ‬الداخلي‭ ‬يُخل‭ ‬بإحدى‭ ‬البديهيات‭ ‬السياسية‭ ‬والقانونية‭ ‬بتَغييبه‭ ‬لدور‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يقتضي‭ ‬أن‭ ‬يستنبط‭ ‬المجتمع‭ ‬السياسي‭ ‬الفاعل‭ ‬صيغة‭ ‬من‭ ‬الصيغ‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬تُوجَد‭  ‬معارضة‭ ‬للبرلمان‭ ‬ورقابة‭ ‬له‭ ‬ولو‭ ‬من‭ ‬خارجه‭. ‬ورأى‭ ‬الأستاذُ‭ ‬نفسُه‭ ‬المخالفةَ‭ ‬القانونية‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬قيام‭ ‬البرمان‭ ‬الراهن‭ ‬بمهام‭ ‬مجلس‭ ‬الأقاليم‭”‬القادم‭”‬،‭ ‬فضلا‭ ‬على‭ ‬إهمال‭ ‬النظام‭ ‬المحدد‭ ‬للعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الغرفتين‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبين‭”‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬والسلطة‭ ‬التنفيذية‭” ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭.‬

ثم‭ ‬إن‭ ‬مظهر‭ ‬اختراق‭ ‬القانون‭ ‬الأفدح‭ ‬إنما‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬انتفاء‭ ‬إمكانية‭ ‬الطعن‭ ‬في‭ ‬دستورية‭ ‬أي‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬تعرضه‭ ‬الرئاسة‭ ‬أو‭ ‬الحكومة،‭ ‬أو‭ ‬إمكانية‭  ‬معارضته‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬غياب‭ ‬الصوت‭ ‬المعارض‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البرلمان‭ ‬العجيب‭. ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬لم‭ ‬يعرض‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬هيئة‭ ‬دستورية‭ ‬أو‭ ‬محكمة‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬دستوريته‭. ‬فهو‭ ‬بناء‭ ‬شاهقُ‭ ‬الفوضوية‭” ‬رعواني‭”. ‬وإنّ‭ ‬من‭ ‬مكملات‭ ‬هذه‭ ‬الرعوانية‭ ‬وتلك‭ ‬الفوضوية‭ ‬أن‭ ‬منحة‭ ‬النواب‭ ‬لم‭ ‬تعرض‭ ‬على‭ ‬الجلسة‭ ‬العامة‭ ‬،‭ ‬على‭ ‬رأي‭ ‬القاضي‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬أحمد‭ ‬صواب‭. ‬وإن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إخلالا‭ ‬بالشفافية‭ ‬بما‭ ‬هي‭ ‬إلزام‭ ‬قانوني‭ ‬شامل‭. ‬فعل‭ ‬هو‭ ‬زمن‭ ‬اختراق‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬يرأسها‭ ‬أستاذ‭ ‬قانون؟‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 6 جوان 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING