الشارع المغاربي-محمد الجلالي: في مخالفة صريحة للقانون، يصر قياديون من الصف الأول لحركة النهضة على الجمع بين مسؤوليات ضمن الهياكل المركزية للحزب وتأسيس وتسيير جمعيات ومنظمات، في ظل صمت مريب للعديد من الحكومات المتعاقبة، رغم ما يحف بهذا التوجه من مخاطر جمة، تعلّق باستغلال هذه الجمعيات لضمان تمويل غير قانوني للحزب أو ضلوع بعض مسيّريها في تمويل الإرهاب والجريمة المنظمة.

في ظل انفلات رقابي منذ 2011، لم يقتصر هذا الجمع بين النشاط الجمعياتي والعمل الحزبي على أعضاء المكتب السياسي أو المكتب التنفيذي أو مجلس شورى حركة النهضة ليستشري في صفوف العشرات من نواب الحركة بالبرلمان وقياداتها الجهوية، مستغلّين جمعيات خيرية ودينية واجتماعية وثقافية ورياضية لضمان موطئ قدم في مشهد سياسي عليل.

التكوين والتمكين

شهر فقط قبل فوز حركة النهضة بأغلبية نسبية في انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011 وتكوين حكومة برئاسة حمادي الجبالي، أي في 24 سبتمبر 2011، أسس القيادي النهضاوي محسن الجندوبي جمعية اسماها «مرحمة» واختار لها من الأهداف مساعدة الفقراء والمعوزين والأرامل والأيتام والأطفال الجانحين وأصحاب الاحتياجات الخاصة، ثم بينما كان الصمت الانتخابي يخيّم على المشهد السياسي لأول انتخابات بعد ثورة 2011، حصل الجندوبي على تأشيرة عمل لجمعية ثانية تدعى «الأمانة العامة للعمل الخيري، لها نفس الاهداف، ولكن بتركيبة جديدة آلت فيها رئاستها الى الجندوبي والكتابة العامة لمعاذ الخريجي، ابن راشد الخريجي الغنوشي.. وبالتزامن مع ذلك، أسس مقداد العرباوي، المكلف بالشباب والطلبة بالمكتب التنفيذي الجديد للحركة، جمعية انصار فلسطين.

وبعد أربعة أشهر فقط، أي في فيفري 2012، تم تكليف محسن الجندوبي بالعلاقة مع الجمعيات الاغاثية والتنموية في المكتب التنفيذي الجديد للحركة، أما زميلهما في المكتب التنفيذي رضا البوكادي الذي تم تكليفه بالتنسيق مع الفريق الحكومي فقد أسس في 11 ديسمبر 2012 جمعية الصداقة التونسية التركية، ليشغل في نفس الوقت خطة أمين مال لها.

وانتظر زميلهما في المكتب التنفيذي الجديد محمد عون، المكلف بالهيكلة والتنظيم والتأهيل القيادي، سنة فقط ليؤسس ويترأس جمعية «أهل السنة والجماعة» بالقلعة في 25 فيفري 2013. وأسس عضو المكتب التنفيذي المكلف بالتعبئة كمال الحجام جمعيتين، الاولى تدعى مبادرة المواطنة في 5 جانفي 2011 والثانية في 12 جوان 2012. كما ساهمت ليلى الوسلاتي المكلفة بالعلاقة مع حركات التحرر صلب المكتب التنفيذي لسنة 2012، في تأسيس جمعية للعمل التنموي في أوت 2019، بالتوازي مع عملها كعضو بمجلس نواب الشعب.

خمسة أعضاء بالمكتب التنفيذي للنهضة في 2012، مارسوا العمل الحزبي والنشاط الجمعياتي في نفس الوقت وهو ما يعد خرقا صريحا وجسيما للمرسوم المنظم لعمل الجمعيات حديث التطبيق حينها.

«لا يمكن أن يكون مؤسسو ومسيرو الجمعية ممن يضطلعون بمسؤوليات ضمن الهياكل المركزية للأحزاب السياسية.» هكذا ينص الفصل التاسع من المرسوم عدد 88 لسنة 2011، المتعلق بتنظيم الجمعيات، بينما تكشف لنا الإعلانات القانونية للرائد الرسمي عن اضطلاع العديد من القياديين بالمكتب السياسي والمكتب التنفيذي ومجلس شورى حركة النهضة بمسؤوليات ضمن جمعيات كثيرة وهم على التوالي:

ـ نور الدين العرباوي، عضو المكتب التنفيذي وعضو مجلس شورى حركة النهضة ومؤسس جمعية المنتدى العالمي للوسطية، فرع تونس في 2013.

ـ عبد العزيز التميمي، عضو المكتب السياسي للحركة ومؤسس رئيس جمعية أفراوس للإعلام والثقافة في 2015.

ـ بلقاسم حسن، عضو المكتب السياسي للحركة ومؤسس الجمعية التونسية للتربية المدنية وكاتب عام جمعية عبد العزيز الثعالبي في 2015.

ـ عبد الله الخلفاوي، عضو المكتب السياسي للنهضة ورئيس جمعية التعاون التونسية التركية في 2021..

ـ شكري الزغلامي، عضو مجلس شورى الحركة ومؤسس جمعية النسرين بزغوان في 2012.

ـ الهادي بن خليفة، عضو المكتب التنفيذي بالحركة ومؤسس جمعية منتدى مقابسات الفكر والتواصل في 2021.

ـ فريدة العبيدي، عضوة المكتب التنفيذي للحركة أمين مال جمعية الوفاق للرياضة والمحيط في 2020..

ـ محمد محجوب عضو المكتب التنفيذي بالنهضة ومؤسس وأمين مال جمعية فرسان حنبعل في 2021.

ـ يوسف الفقير، عضو مجلس شورى الحركة ومؤسس وكاتب عام جمعية الكرامة والبر والاحسان والتعاون 2012 ومؤسس جمعية المنتدى التونسي الفلسطيني في 2020.

هذه المعطيات التي استقيناها من الرائد الرسمي التونسي، لم تكن مصحوبة بأي إعلانات قانونية محينة بخصوص حل هذه الجمعيات أو تخلي هؤلاء السياسيين عن مسؤولياتهم صلبها. وللنواب نصيب.. على غرار أعضاء مجلس الشورى والمكتب التنفيذي والمكتب السياسي للحركة، لم تخل الإعلانات القانونية والشرعية والعدلية للرائد الرسمي التونسي من تكوين جمعيات أخرى كان وراء تأسيسها نهضويون وهم أعضاء بمجلس نواب الشعب المجمد أو بالمجلس التأسيسي المنتهية أشغاله في 2014 مثل:

ـ يمينة الزغلامي، مؤسسة جمعية الصديق في 2012، بالتوازي مع انتمائها الى المجلس التأسيسي.

-محمد سيدهم، مؤسس جمعية رحمة للعمل الاجتماعي والعضو بالبرلمان بين 2014 و2019.

ـ صافية خلفي، مؤسسة ونائبة رئيس جمعية العبادلة للأعمال الخيرية بسبيطلة في 2011 ومؤسسة ونائبة رئيس جمعية التنمية والمواطنة بسبيطلة في 2018 والعضوة بالبرلمان بين 2014 و2019.

ـ سلاف القسنطيني، مؤسسة ورئيسة جمعية النساء المنتخبات في 2019 وعضو بالبرلمان بين 2016 و2019.

.ـ بسمة الجبالي، مؤسسة منتدى برلمانيي المغرب العربي في 2015 وعضو بمجلس نواب الشعب بين 2014 و2019.

ـ محمد كمال بسباس، مؤسس جمعية أكاديمية التأهيل القيادي في 2012 وعضوة بمجلس نواب الشعب بين 2014 و2019.

ـ سامي الفطناسي، مؤسس ونائب رئيس جمعية العمر المديد في 2019 وعضو بمجلس نواب الشعب بين 2014 و2019.

ـ معز بالحاج رحومة، مؤسس ونائب كاتب عام للجمعية التونسية للاستثمار والتعاون الأسيوي في 2011 ومؤسس ونائب رئيس لجمعية برلمانيون من أجل القدس في 2014 وعضو في المجلس التاسيسي بين 2011 و2014 وعضو بمجلس نواب الشعب بين 2014 و2019.

ـ رمزي بن فرج، مؤسس وكاتب عام جمعية الجسور التونسية للعون في 2011 ومؤسس جمعية العون المباشر في 2013 وعضو بمجلس نواب الشعب.

التغلغل داخل أعماق تونس

ولم يشذ ابناء حركة النهضة، أو مثلما يحلو للبعض تسميتهم بأبناء الشيخ، عن التوجه العام للحركة بضمان موطئ قدم هنا (في الحزب) وآخر هناك (في المجتمع المدني)، حيث خلص بحثنا في الموقع الالكتروني للرائد الرسمي إلى اكتشاف تأسيس 9 جمعيات من قبل قيادات جهوية للنهضة وهي كالآتي:

ـ بلال العيسى، مشرف على الإعلام بالمكتب الجهوي في منوبة ومؤسس أمين مال جمعية مبدعون في 2020.

ـ جلال الرخ، مكلف بالاعلام بالمكتب الجهوي بزغوان ومؤسس وكاتب عام جمعية المنتدى الجهوي للتنمية بنفس المدينة في 2012.

ـ عبد الستار العمدوني، مشرف على الإعلام بالمكتب الجهوي بباجة ومؤسس ورئيس جمعية رحمة في 2011.

ـ فوزي عبدولي، كاتب عام مكتب محلي بسيدي بوزيد ومؤسس ورئيس جمعية اصدقاء المرضى بنفس المدينة في 2014.

ـ محمد بشير النفوطي، مشرف على الإعلام بالمكتب المحلي في سليانة ومؤسس وكتاب عام جمعية حنبعل للحقوق والتنمية بذات الولاية في 2017.

ناجح كريمي، مكلف بالاعلام بالمكتب للحركة في قفصة ومؤسس ورئيس جمعية رؤية بنفس المدينة في 2014.

– أيمن الغائب، مكلف بالاعلام بالمكتب المحلي في توزر ومؤسس وأمين مال الجمعية الرياضية لكرة اليد بتوزر.

في أواخر 2014، ومع ارتفاع وتيرة العمليات الارهابية التي استهدفت القوات الامنية والعسكرية، كانت جمعية مرحمة التي يترأسها محسن الجندوبي منذ 2011، من بين 153 جمعية تم تجميدها من اصل 18 الف جمعية ناشطة حينها. واكد الناطق الرسمي باسم حكومة مهدي جمعة ان هذا القرار يأتي من أجل ضمان انجاح المرحلة الانتقالية وتهيئة كافة الظروف الملائمة لاجراء الانتخابات.

تجميد ولكن..

ومن بين التجاوزات التي اقترفتها جمعية محسن الجندوبي حسب مصادر بالكتابة العامة للحكومة، عدم ابلاغ الحكومة بتلقيها تمويلات تجاوزت 200 ألف دينار، فضلا عن ازدواجية نشاط رئيسها الذي كان يشغل في ذات الوقت خطة عضو بالمكتب التنفيذي للنهضة، وواصل اضطلاعه بمسؤوليات قيادية ليشرف على التحضير للمؤتمر العاشر للحركة الذي تم عقده في ماي 2016.

لم يدم التجميد طويلا، لتعود جمعية مرحمة الى النشاط بأكثر قوة وانتشار وبإمكانات لوجستية ومالية وبشرية كبيرة. فقد خلص اقتفاؤنا لأنشطة الجمعية طيلة السنتين الأخيرتين إلى التاكد من تغلغلها في مختلف المدن والجهات، لنجدها تارة مشرفة على بناء مستوصفات في اكثر من مدينة ومساهمة في حملات لاقتناء سيارات إسعاف ومستلزمات طبية وأخرى ممولة لأكثر من 150 مشروعا بمناطق الشمال الغربي وموفرة لمراكب صيد لبعض البحارة بمدينة صفاقس ومنظمة لقوافل إغاثة بمدينة القصرين وموزعة لوسائل وقائية من كوفيد 19 على القوات الأمنية والعسكرية ومشاركة في أيام دراسية بمجلس نواب الشعب، الشيء الذي يطرح أكثر من سؤال عن مآل التجاوزات المالية التي اقترفتها هذا الجمعية ومدى شفافية عمليات تجميع الاموال والمنح التي تتلقاها من داخل وخارج تونس ومصير هذه الأموال، خاصة أن العديد من الاتهامات الموجهة لعدد من الجمعيات الخيرة تتمثل في تمويل الإرهاب وتبييض الاموال، فضلا عن التهم التي وجهتها محكمة المحاسبات لحركة النهضة بتلقي تمويلات مشبوهة بأسماء موتى، بالتزامن مع الانتخابات البلدية لسنة 2019.

فقد أكد تقرير المحكمة حصول حركة النهضة على تبرعات من 68 شخصا، اثبت التحري في أرقام بطاقات التعريف انهم متوفون، بينما خفف الناطق الرسمي باسم الحركة عماد الخميري من هذه الجرائم معتبرا إياها مجرد أخطاء نسبية، ناتجة عن عملية تنزيل أرقام بطاقات تعريف المتبرعين ولا تستوجب إسقاط قائماتها الانتخابية.

وقد سبق لكاتب المقال أن توجه، قبل أربع سنوات، بمطلب نفاذ الى المعلومة الى مجموعة من الاحزاب الفاعلة في 2018 على غرار حركة النهضة وحركة نداء تونس والاتحاد الوطني الحر وحزب العمل والاتحاد الشعبي الجمهوري وافاق تونس، للحصول على سجلات المساعدات والهبات النقدية والعينية الحاصلة عليها، ليجابه في البداية برفض حزبي قاطع ثم بقرار صادر عن هيئة النفاذ الى المعلومة يقضي بعدم اتاحة هذه المعطيات بدعوى اقتصار تمتع الاحزاب بالتمويل العمومي في الانتخابات فقط.

وسبق للمسؤول بوزارة حقوق الإنسان مراد المحجوبي أن أكد في جوان 2020 حل 42 جمعية ومقاضاة 435 أخرى، مشيرا الى امكانية حل 8 أحزاب لم تكشف عن تقاريرها المالية..

وكان نشطاء بالمجتمع المدني قد حذروا من تمدد الجمعيات المحسوبة على النهضة، مؤكدين، تمويل تلك الجمعيات الإرهاب وتأجيج الصراعات السياسية.

أحد الناشطين بالمجتمع المدني، فسر في تصريح لـ”الشارع المغاربي”، بعض أساليب التحيل التي تلجا اليها بعض الجمعيات، مشيرا الى امكانية خداع مراجعي حسابات الجمعيات بابرام عقود وهمية مع خبراء وهميين ومسديي خدمات مقابل مبالغ مالية ضخمة، ثم يتم التصرف في هذه الاموال سواء عبر تسليمها للهيئة التسييرية للجمعية، الممنوعة قانونا من الحصول على رواتب من نفس الجمعية أو استغلال هذه الاموال لدعم بعض الاحزاب او التنظيمات أو التحركات الاحتجاجية.

ووصف هذا الناشط الذي فضّل عدم كشف هويته، هذه العمليات المالية بالمال الدوّار، متحدثا عما أسماه تسويدا للمال، اي استغلاله في عمليات واغراض غير قانونية، في ظل صمت مريب لبعض الاجهزة الرقابية.

هكذا إذن يجمع العديد من قيادات حركة النهضة بين نشاطهم الحزبي والبرلماني ومسؤولياتهم في العشرات، ان لم نقل المئات من الجمعيات الخيرية والاجتماعية والثقافية وحتى الرياضية، مستغلين تواطؤ بعض الاجهزة الرقابية واستشراء سياسة الإفلات من العقاب، رغم النتائج الوخيمة لهذا الملف الذي يمس الأمن القومي في مقتل ويؤثر على المشهد السياسي ويضمن تغلغلا أكثر في أجهزة الدولة ويحكم قبضته على المجتمع.

صدر باسبوعية “الشارع المغاربي بتاريخ الثلاثاء 17 اوت 2021.