الشارع المغاربي – بين المساندة القطرية ومغازلة الاتحاد: استراتيجية النهضة لفك عزلتها / بقلم:كوثر زنطور

بين المساندة القطرية ومغازلة الاتحاد: استراتيجية النهضة لفك عزلتها / بقلم:كوثر زنطور

قسم الأخبار

10 مارس، 2023

الشارع المغاربي: الاسبوع المنقضي كان حافلا بحديث عن الصفقات السياسية والترتيبات الخفية الاقليمية منها والداخلية حول تطورات الوضع بالبلاد. انطلق بزيارة الشيخ خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية بدولة قطر والروايات التي رافقتها حول دعم مالي قطري هام مقابل “تسويات” داخلية تكون حركة النهضة اهم المستفيدين منها وانتهى الاسبوع على وقع روايات أخرى حول تحالف واسع في مواجهة رئيس الجمهورية قيس سعيد يقوده الاتحاد العام التونسي للشغل ولا تُستثنى منه حركة النهضة.

جدل واسع خلّفه موقف نور الدين الطبوبي الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل المساند لمن اسماهم بالمساجين السياسيين في “المرناقية”. الموقف الذي جاء خلال خطابه في المسيرة التي نظّمها الاتحاد  نهاية الاسبوع المنقضي وضع المنظمة موضع المساند لجبهة الخلاص الواجهة السياسية لحركة النهضة وذلك بالنظر الى ان جل الموقوفين من الناشطين فيها.
موقف الطبوبي كان كافيا لتأجيج الحملة الموجهة ضد المركزية النقابية واتهامها بـ “تبييض الارهاب والفاسدين” وبالعمل على فك عزلة حركة النهضة الباحثة عن ” سردية المظلومية” للافلات من محاسبة انطلقت بـ”فتح ملفات التمويل والتسفير والجمعيات المشبوهة والجرائم المرتكبة خلال العشرية السوداء”. وموقف الاتحاد يأتي وفق انصار الرئيس ضمن “صفقة داخلية بأياد خارجية” لاسقاط منظومة 25 جويلية واعادة منظومة الامتيازات التي كان للاتحاد نصيب فيها .

فك العزلة

تتحسس حركة النهضة بخطوات يصفها مصدر منها لـ “الشارع المغاربي” بالواثقة مسار “فك العزلة” من خلال ” المساهمة في انجاح المساعي الحثيثة القائمة” والهادفة لـ “التوصل لاتفاق يجمع مختلف مكونات المعارضة”. مسار يؤكد المصدر انه انطلق من أرضية ” التقاء موضوعي بين معارضي انقلاب 25 جويلية ورافضي سياسات رئيس الجمهورية ومنهجه الاستبدادي” مبينا انه تم “تلفيق قضية التآمر على أمن الدولة ” لضرب مبادرة في هذا الاتجاه كان يقودها الناشط السياسي خيام التركي احد الموقوفين في القضية.
 و”فك العزلة” اصبح فرضية ممكنة بالنسبة للنهضة على ضوء اتساع دائرة معارضي رئيس الجمهورية من جهة والرفض الواسع خاصة للانحرافات التي شابت ما يسمى بـ “حملة المحاسبة” الموصوفة بعملية تصفية حسابات سياسية من قبل خصوم سعيد من جهة اخرى . وترى قيادات نهضوية ان هناك مؤشرات لانجاح هذا المسار عبر ” نبذ خلافات الماضي” والتوافق على الاولويات التي تتلخص في مواجهة “منظومة استبداد بصدد التشكل” وأهمّ مكون في هذه الجبهة هو قطعا الاتحاد العام التونسي للشغل.
هذا المسار يُعتبر من الخيارات الاستراتيجية التي اقرّتها النهضة اشهرا قليلة بعد “25 جويلية” وتم تنزيله سريعا في مرحلة اولى مع “مواطنون ضد الانقلاب” ثم في مرحلة ثانية بالتلاقي مع السياسي المخضرم أحمد نجيب الشابي حول ” جبهة الخلاص” الواجهة التي تأسست تحت مسمى ” تحالف واسع للمعارضين من مختلف المشارب” ووظّفتها للتحرك داخليا وسوّقت لها في الخارج كبديل للمنظومة القائمة. الا انه ورغم الديناميكية التي احدثتها هذه الجبهة خاصة ميدانيا فإنها فشلت في التوسع جماهيريا وبقيت موصومة بإرث النهضة وإرث قياداتها ايضا في “قلبان الفيستة” بما اسقط اية شرعية نضالية عن نشاطها السياسي وان تعرّضت لعدة تضييقات.
في الأثناء اصبحت النهضة تمثل عبئا على “جبهة الخلاص” وعلى قياداتها وعلى رأسهم زعيمها نجيب الشابي الذي ضُرب في مصداقيته وذُكّر بمواقفه المناهضة بقوة للنهضة وللاسلام السياسي واتُّهم بـابرام “صفقة” مع الحركة تمكنه من “تحقيق حلم الرئاسة” لاسيما مع الهجمات التي تعرض لها شخصيا وكذلك الجبهة من طرف رئيس الجمهورية في عدد من خطاباته التي لم تخل من لهجة التهديد والوعيد. لم تخن الشجاعة نجيب الشابي مثلما عُرف على مرّ تاريخه وان اعتبرها البعض “انتهازية” وواصل التحرّك غير آبه بالتهديدات والحملات وربّما الايقاف وهو المذكور في أبحاث قضية التآمر على أمن الدولة.
في الاثناء فشلت أيضا محاولات “جبهة الخلاص” للتقرب من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اتّهمها بنشر المغالطات بخصوص مشاورات تشكيل حكومة انقاذ وطني، مشاورات  كانت محور روايات حول “صفقة اقتسام السلطة”  اشعلت جدلا واسعا لم ينهه الا تبرؤ الاتحاد بخطاب حاد كان بمثابة مسافة وضعتها المنظمة ازاء “جبهة الخلاص” التي ردت عليه باستنكار ما اعتبرته تهجما من المنظمة عليها. ومع ذلك لم ترم النهضة ومن ورائها “جبهة الخلاص” المنديل وعادت لخطاب مغازلة الاتحاد كلما كان في مرمى استهداف من رئيس الجمهورية.
الا ان ذلك لم يُؤدّ لإذابة الجليد بين المنظمة والجبهة التي كان الطبوبي قد توقّع ” فشلها” واتهم ” قياداتها بالتملّق للنهضة ” وقال في حوار مع موقع “ارم نيوز”  “ان الاتحاد ضد من يظهرون في كل مرة في نسخة جديدة وبألوان جديدة ” وان “الحوار الذي تقترحه المنظمة لن يكون مع تركيبة تضم من يتسلق المواقع بحثا عن التموقع على مستوى رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة ” معتبرا ان مكوناتها تواجه ” نفورا كبيرا من الشعب” .
مع ذلك تُطرح مع كل موقف لاتحاد الشغل مناهض للرئيس أو لحكومة نجلاء بودن تساؤلات حول سر التماهي والتقاطعات مع النهضة وتوابعها وعلى رأسها “جبهة الخلاص” ويجد قياديو الاتحاد أنفسهم أمام وجوب التذكير بمواقف المنظمة من مسار 25 جويلية ومساندته النقدية للاجراءات التي اعلن عنها وقتها رئيس الجمهورية ورفضه في ما بعد الانحرافات التي طالت هذا المسار وطُرح معها ما سمي بالخيار الثالث ثم مبادرة الانقاذ الوطني .
تؤكد مصادر موثوق فيها من الاتحاد لـ “الشارع المغاربي” أن أمينه العام لم يُجر أي لقاء برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي منذ 25 جويلية 2021 وذلك ردا على “حملة تضليل” رافقت تصريحات الطبوبي الأخيرة في مسيرة يوم السبت المنقضي حول مساندة المنظمة المساجين السياسيين القابعين في المرناقية والتي تلقّفها انصار الرئيس كـ “تأكيد لدور قذر يقوم به الاتحاد لاسقاط مسار 25 جويلية بالتحالف مع النهضة” وحاولت النهضة توظيفه كمنطلق لـ” تطبيع العلاقات مع المنظمة الشغيلة” .

صفقات
يقبع العشرات من قياديي حركة النهضة في السجون كمتّهمين في عدد من القضايا حيث وُجّهت لبعضهم تهم خطيرة تصل الأحكام فيها الى الاعدام والمؤبد. وعدا قيادات الصف الأول ممن تصفهم الحركة بالمعتقلين السياسيين تتجنّب النهضة أو تتبرّأ من بقية المنتسبين اليها من الموقوفين غير المعروفين إعلاميا. وحتى اليوم لم تكشف الحركة بشكل رسمي عن عدد الموقوفين من قياداتها المركزيين والجهويين والمحليين او من الاداريين خاصة ممن كانوا ينشطون في الدوائر المحيطة برئيسها راشد الغنوشي.
والمعلوم ان ما يسمى بـ “قضية الجهاز السري المالي” لرئيس الحركة راشد الغنوشي والتي كانت قد اثارتها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، تعد واحدة من  اثقل القضايا المطروحة لاسيما مع ما ذُكر فيها من شبهات حول تلقي تمويلات من الديوان الاميري القطري قُدرت وفق هيئة الدفاع بملايين الدولارات. لم تكن هذه القضية الوحيدة التي يشار فيها بشكل مباشر أو غير مباشر الى دولة قطر او إلى عدد من المؤسسات الاقتصادية التابعة لها. من هنا يُفهم السبب الذي طُرحت من منطلقه الروايات حول وساطة أو صفقة قطرية بعنوان دعم مالي مقابل غلق الملفات.
الملاحظ ان الدعم المالي المزعوم لم يُطرح البتة خلال الزيارة التي اداها رئيس الوزراء القطري إلى تونس مرفوقا بوفد وصف برفيع المستوى. زيارة كانت في الاصل للمشاركة في اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب وقد يكون اتصال الامير تميم الهاتفي برئيس الجمهورية ولقاء موفده الشخصي بسعيد بعد المكالمة وراء تحول الزيارة الى حدث سياسي تزامن مع حملة إيقافات شملت قيادات من حركة النهضة.
النهضة نفت على لسان رياض الشعيبي المستشار السياسي لزعيمها وجود اية “صفقة”  محورها الحركة أو راشد الغنوشي في المكالمة الهاتفية التي جمعت الرئيس قيس سعيد بالأمير تميم او خلال لقائه برئيس الوزراء القطري. نفي يدحضه تاريخ الحركة في البحث عن تسويات “تحت الطاولة” مثلما يتّهمها خصوم الرئيس بذلك “مثمنين  فيه مواقفه الثابتة”  التي ستُحبط وفق تقديرهم اية ضغوطات خارجية لافشال عملية المحاسبة التي يقول قيس سعيد انها ستشمل كل من كانوا يعتقدون انهم فوق القانون.
الا ان هذه المحاسبة لا تزال محل جدل وانقسام . فهي في نظر طيف واسع من الناشطين عملية مجانية لتبييض حركة النهضة كان ضحاياها عدد من المعارضين استُعملوا من السلطات القائمة كقرابين لتصفية حسابات سياسية ولخلفيات ” ذاتية” تحرّكها مواقف الرئيس من عدد منهم. وقد تكون المحاسبة بهذه الشاكلة مدخلا للافلات من المحاسبة دون المرور الى مسار تسويات وصفقات وشراء ذمم مثلما كان الحال سابقا. وقد تفتح انحرافاتها الباب امام تكتّل واسع ضد رئيس الجمهورية يجمع كل خصوم الأمس تماما مثلما حصل في أزمة القضاء.

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 7 مارس 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING