الشارع المغاربي – تطوّر‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬ضد‭ ‬المكلّفة‭ ‬بتسيير‭ ‬مؤسسة‭ ‬التلفزة‭ ‬التونسية‭ ..‬ماذا‭ ‬تريد‭ ‬النقابات؟/ منير الفلاح

تطوّر‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬ضد‭ ‬المكلّفة‭ ‬بتسيير‭ ‬مؤسسة‭ ‬التلفزة‭ ‬التونسية‭ ..‬ماذا‭ ‬تريد‭ ‬النقابات؟/ منير الفلاح

قسم الأخبار

17 مارس، 2022

الشارع المغاربي: تتّسع بمرور الأيام الإحتجاجات داخل التلفزة التونسية جراء تصرفات عواطف الصغروني المكلفة بتسيير المؤسسة والتي تحمّلها الأطراف النقابية مسؤولية تردّي الأوضاع بهذا المرفق العمومي وانحرافه عن استقلاليته وحياده . وبعد غضب النقابات الأساسية لمختلف القطاعات المهنية في الأسابيع الماضية  أعلنت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين مؤخرا جملة من التحركات الإحتجاجية للتعبير عن رفضها للحالة التي أصبحت عليها المؤسسة منذ تولي الصغروني رئاستها.

مواجهة الإحتجاج بمجلس التأديب و«ترهيب» الصحفيين والمصورين

وأسفر اجتماع المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين منتصف الأسبوع الماضي بعدد من الصحفيين والمصورين في مؤسسة التلفزة التونسية عن إقرار وضع الشارة الحمراء وتنفيذ وقفة احتجاجية أمام مقر التلفزة وتبني مبدإ الإضراب العام في مرحلة موالية. وقد سبق لفرع نقابة الصحفيين في التلفزة أن عبّر عن استيائه من الوضع الداخلي المتردي بالتلفزة ورفع إلى المكلفة بتسيير المؤسسة جملة من المطالب المهنية  ودعاها إلى الحوار الجدي من أجل تنقية الأجواء والمشاركة في عملية إصلاح المؤسسة وتطويرها.

 وفعلا انعقدت جلسات تفاوض بين المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين وعواطف الصغروني التي تعهدت حسب الفرع النقابي بجملة من الإتفاقيات غير أنها لم تلتزم بها، بل تعدّت ذلك إلى ممارسات أخرى وصفتها نقابة الصحفيين بأنها تخريب ممنهج لمؤسسة التلفزة وهرسلة للصحفيين والمصورين وترهيبهم لمنعهم من المطالبة بحقوقهم. وجاء هذا التوصيف بعد أن ذكرت بعض المصادر من مؤسسة التلفزة أن عواطف الصغروني قرّرت إحالة صحفية من قسم الأخبار على مجلس التأديب لأنها شاركت في الحركة الإحتجاجية الأخيرة التي شهدتها التلفزة التونسية والرافضة للوضع الذي تردّت فيه المؤسسة.

تخوف  إدارة التلفزة من توفير مجالات لمعارضي 25 جويلية وتسرب النهضة إليها؟

وتعرف مؤسسة التلفزة التونسية منذ أشهر حالة من الإرتباك نتج عنها عدم اعتماد برمجة جديدة والإقتصار على البرنامج الصباحي المباشر في حين غابت البرامج الحوارية التي تعود عليها المشاهدون في سهرتي الثلاثاء والخميس كما حجبت المنوعات التلفزية . وتبرّر رئاسة المؤسسة ذلك بعدم توفر الإمكانيات المالية مما حال دون اقتناء تجهيزات جديدة وخاصة ما يتعلق منها بمنظومة المونتاج  «آفيد AVID» التّي تساعد  من جملة ما توفره من خدمات على توفير الفقرات المسجلة في البرامج المباشرة .

ولكن يبدو أن أسبابا أخرى تقف وراء غياب عدد من البرامج الجديدة أو المألوفة من المشاهدين ،وتتعلّق بخشية رئاسة مؤسسة التلفزة من أن توفر فضاءات برامجية  تكون صوتا لمعارضي الرئيس قيس سعيّد وخاصة حزب النهضة الذي لم يعد هناك شك في كونه سعى ولا يزال إلى كسب مواقع داخل التلفزة التونسية من خلال عدد من الموالين له في مختلف القطاعات المهنية بالتلفزة التونسية بمن فيها الصحفيون وقد كشفت ذلك الكاتبة العامة للنقابة الاساسية للإخراج لمياء العريضي اثناء الحركة الإحتجاجية التي شهدتها المؤسسة في جانفي الماضي. وقد أقالت المكلفة بتسيير المؤسسة بمجرد توليها المنصب في جويلية الماضي المدير التقني على اعتبار أنه يتعاطف مع حركة النهضة رغم ما عرف عنه من كفاءة مهنية عالية .ولكن «فيلق» النهضة داخل المؤسسة يضم أسماء أخرى حسب بعض العاملين بها ومنها من يتحمل حتى اليوم مناصب المسؤولية في صفوف أمامية وخلفية، وهي أسماء ليست خافية عن أبناء الدار .

برنامج «الوطنية الآن» في القناة الأولى صوت النظام

 ولتلك الأسباب اكتفت الشبكة البرامجية للقناة الوطنية الأولى ببرنامج حواري وحيد يبث يوميا باستثناء نهاية الأسبوع تحت عنوان « الوطنية الآن» و تعده الصحفية لطيفة مقطوف وتقدمه إنصاف اليحياوي التي كانت قبل 14 جانفي 2011 تشتغل في وكالة الإتصال الخارجي ثم وقع دمجها في مؤسسة التلفزة التونسية واصبحت الكاتبة العامة لأول شعبة مهنية دستورية تابعة إلى التجمع الدستوري الديمقراطي في التلفزة التونسية  في حين كان رئيس الشعبة لسعد الداهش الرئيس المدير العام للمؤسسة الذي اختارته الهايكا بالرأي المطابق في أوت 2018 وأقاله الرئيس قيس سعيد نهاية جويلية الماضي.

واعتبرت أطراف عديدة، إعلامية ونقابية وحزبية وحتى من المشاهدين أن هذا البرنامج الحواري اليومي يسير في اتجاه واحد وهو موال بالكامل للرئيس قيس سعيد وحتى ولو انتقده فبقفازات من الحرير تجنبا لمزيد من اللوم . ويرفض فريق إعداد هذا البرنامج كما  المسؤولون عن الأخبار استضافة أي سياسي أو مسؤول حزبي مهما كانت صفته وميولاته وموقفه من 25 جويلية 2021 . وتقول مصادر عديدة أن ذلك يندرج في اطار تعليمات تنفذها المكلفة بتسيير التلفزة وصادرة عن جهات عليا.

وتعتبر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أن التلفزة التونسية انحرفت بذلك عن  الخط التحريري وحرمت المواطن من حقه في التعددية والتنوّع وهي ممارسات ترفضها النقابة لأنها تجعل من تلفزة المرفق العمومي وسيلة دعاية وتضرب مصداقيتها. وتطالب النقابة إدارة التلفزة باعتماد مبادىء التشاركية والتعددية في المضامين حتى تكون فضاء للنقاش العام حول كل القضايا السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية. ويعتبر عدد من العارفين بقطاع الصحافة في تونس أن التلفزة لم يكن لها خط تحريري واضح وهي تميل مع السلطة القائمة سواء تحت السيطرة أو بتأثير داخلي وخارجي، حيث أن ما يوصف بانحراف التلفزة عن الخط التحريري ليس بالضرورة من المسؤولية المطلقة والحصرية للإدارة .

تعديل الخط التحريري، من مشمولات النقابات أم الهايكا؟

ويرى شقّ من المهتمين بشان الإعلام في تونس أن بعض المطالب الصادرة عن النقابة الوطنية للصحفيين تنصهر صلب وظائف الهيئة التعديلية أي «الهايكا» التي يكون من واجبها التدخل في صورة ملاحظة أي انحياز تمارسه التلفزة التونسية قد يفقدها الحياد والإستقلالية . وبالتالي يكون من الأفضل أن تبتعد نقابة

الصحفيين وحتى النقابات الأساسية في التلفزة عن مثل هذه المطالب وتوجه خطابها إلى الهيئة التعديلية التي من واجبها أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة في مثل هذه الوضعيات .

ولكن يبدو أن هيئة النوري اللجمي قد يطالها التجديد أو التغيير في فترة لاحقة حيث تجاوز عدد من أعضائها المدة القانونية المسموح بها في العضوية وأصبحوا بالتالي في وضعيات لا يبررها أي قانون . والهايكا أضحت حسب العديد من المصادر في مرمى تصحيح المسار. ولذلك فإنها تتحاشى في هذه الفترة اتخاذ موقف صارم لتعديل الخط التحريري للتلفزة التونسية.

ولكن الفرع النقابي لنقابة الصحفيين التونسيين يؤكّد أن المطالبة بعدم الخروج عن الخط التحريري للتلفزة التونسية هو مطلب مشروع لأنه لم يعد مقبولا اليوم أن يكون المرفق العمومي السمعي أو البصري منحازا لأي طرف كان وإنما هو ينحاز للمصلحة العامة التي يكون المشاهد أي المواطن من أهم عناصرها.

غير أن مطالب الصحفيين والمصورين في التلفزة لم تقتصر على الخط التحريري والمصداقية والإستقلالية وإنما تضمنت أخرى تتعلق بتحسين ظروف العمل ومناخاته في المؤسسة. ولكن هذه المطالب لم يوضحها البيان الصادر عن نقابة الصحفيين الأسبوع الماضي بالشكل الكافي وتركها في عمومياتها.

المكلفة بتسيير المؤسسة تريد فرض الإنضباط في التلفزة

وتعتبر بعض الأطراف وحتى من داخل مؤسسة التلفزة أن عواطف الصغروني تتعرض «لحصار» من النقابات الأساسية وفرع نقابة الصحفيين. وهي نقابات تطرح مطالب تلتقي في الغايات ولكن ليس هناك أي تنسيق بينها بل يقول البعض إن هناك اختلافات عميقة في وجهات النظر. وتعتبر النقابات الأساسية لمختلف القطاعات في المؤسسة أنه يعود إليها أولوية المطالبة بتحسين مناخات العمل حيث إن المؤسسة لا تتكون من صحفيين فحسب وإنما من قطاعات مهنية أخرى من حقها أن تتمتع بظروف أفضل.

ولكن هناك إجماع من كل النقابات على كون عواطف الصغروني المكلفة بتسيير مؤسسة التلفزة تواجه الوضع بشدّة  وتسدّ كل طريق إلى التفاوض . وهناك من يعتبر من أبناء الدار ومن خارجها  أن المسؤولة الأولى عن المؤسسة تعمل على تغيير عقلية التعامل مع المرفق العمومي وهي لا تتسامح مع التسيب والذي أدى مثلا إلى بث آذان المغرب قبل ساعة من موعده يوم الأحد 6 مارس الماضي  كما هي تعمل على فرض الإنضباط الإداري  وإلزام كل عون وموظف على القيام بما هو مطالب به في نطاق وظيفته. وهي تلقى مساندة كاملة من السلطة في ظل سريان التدابير الإستثنائية.

ولكن الشاشة الصغيرة التي تحمل شعار «الوطنية» بدأت تتحول منذ أشهر إلى صوت للنظام وخصصت برنامجا يهتم بالإستشارة التي أطلقها الرئيس قيس سعيد  ويخشى التونسيون أن تعود حليمة إلى عادتها القديمة .

وفي انتظار انفراج الوضع في التلفزة التي يعشقها جميع التونسيين تقريبا يستمر النقاش الأزلي حول المرفق العمومي السمعي البصري كيف يكون. خاصة وانه منذ 14 جانفي 2011 لم تأت حكومة جسّدت بالقانون استقلالية هذا المرفق بل جميع التحالفات التي مسكت بالسلطة اعتبرت التلفزة التونسية «بوقا» لها.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 15 مارس 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING