الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: أكد كاتب عام النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة نوفل عميرة يوم أمس الجمعة 9 أكتوبر 2020 أن وضعية الصيدلية المركزية حرجة للغاية محذرا من ان ذلك قد يؤدي الى انهيارها ومعها كامل منظومة توزيع الأدوية في تونس، على حد تقديره. كما أشار إلى ان الديون المتخلدة بذمة المؤسسة ضخمة كاشفا أنها تناهز نحو 1154 مليون دينار. ويعني ذلك أن الصيدلية المركزية تعتبر اليوم مفلسة قانونا وعرفا باعتبار أنها استهلكت أموالها الذاتية عدة مرات لتصبح سلبية في حدود -180 مليون دينار وهي وضعية نادرة في سياق عمليات الإفلاس والتفليس.
في جانب آخر، أوضح عميرة أن التوازنات المالية للصيدلية المركزية متعثرة تبعا بالأساس لعدم سداد مستحقاتها للصندوق الوطني للتأمين على المرض الذي هو ضحية لصندوق الضمان الاجتماعي وصندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية. وطالب نوفل عميرة رئيس الحكومة بضرورة فتح ملف الصيدلية المركزية وملف الديون المتراكمة. ولكن يبدو أن هذا الطلب جاء متأخرا جدا.
و يأتي تصريح كاتب عام النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة في إطار ملاحظة عدد هام من المواطنين في المدة الاخيرة نقصا حادا لعدة أدوية في الصيدليات وفقدان مستلزمات طبية عديدة ابرزها تلقيح النزلة الوافدة وهو امر صار مع الاسف معتادا سيما منذ 2016، حيث تعاني المنظومة الصحية ككل من ندرة في الأدوية يرجعها البعض إلى نقص في السيولة لدى الصيدلية المركزية فيما يرى آخرون أن المتسبب فيها عصابات المضاربين والمهربين فضلا عن تفاقم مشاكل التزويد والخلاص التي لا تنتهي بين الصناديق الاجتماعية و كافة الأطراف المتدخلة في القطاع الصحي تقريبا.
وفي هذا الصدد، احتج مزودو الصيدليات في عدة مناسبات للمطالبة بتدارك الوضعية التي أثرت على أنشطتهم وعلى المتعاملين معهم وذلك على غرار الصيادلة والاطباء وغيرهم دون مجيب…في ظل تأكيدات متواترة بأن احتياطي الدواء في البلاد يشهد تقلبات كبرى في سياق فقدان متواصل وفق المهنيين للأدوية الحياتية والتي تتعلق بشكل خاص بالأمراض المزمنة كمرض السكري الخاص بالأطفال والضغط الدموي وأدوية مرض الصرع، وكذلك العديد من الفيتامينات ومسكنات الآلام، إلى جانب أدوية منع الحمل.
ويبرز اهل القطاع بصفة متواصلة ان نقص الادوية يرجع كذلك لمشاكل تخص التصرف في منظومة تسعيرة الدواء الراجعة بالنظر لوزارة التجارة سيما أن العديد من الأدوية الجنيسة التي تعوّض أصنافا من الدواء المستورد لم تعد تصنع في المخابر التونسية لارتفاع أسعار المواد الأولية ولرفض وزارة التجارة الترفيع في أسعارها مما دفع بالمصنّعين للتخلي عن انتاجها.
وكشف تقرير صدر عن وكالة الترقيم الدولية “ب.ب.اي” أن سوق الأدوية في تونس مثل نحو 2500 مليار سنة 2019 موزعة بين الواردات بنسبة 48% كاحتكار للصيدلية المركزية التونسية و52% في محور الإنتاج المحلي. كما بين التقرير ان الصيدلية المركزية تمثل المزود الحصري للمؤسسات الصحية العمومية وما شابهها بواقع 76% مما يمنحها اولوية مقابل المنافسة وهو ما يمثل اشكالية مهمة.
كما تم التأكيد على أن الوضعية المالية للمؤسسة جد معقدة خصوصا باعتبار اهمية مستحقاتها لدى الحرفاء وتأثرها الشديد بتغير الصرف نظرا للقيمة العالية لوارداتها وشراءاتها المستهلكة وأعباء استغلالها والتي تقدر بحوالي 1276 مليارا وهو الأمر الذي يؤثر سلبا على علاقاتها بالمزودين الأجانب. وبذلك تعاني المؤسسة من ثغرة مالية تقدر بزهاء 2217 مليون دينار.
وأبرزت وكالة الترقيم الدولية “ب.ب.اي” أن الصيدلية المركزية مدعوة بإلحاح إلى العمل على إعادة النظر في طريقة إدارتها وهيكلتها وتنظيمها ومنظومتها الإعلامية وانتداب اطارات جديدة صلبها.
يذكر ان مجلس التحاليل الاقتصادية كان قد أطلق مبادرة “فارما” بداية العام الماضي في إطار خطة الإنعاش الاقتصادي 2019-2020 لمعالجة أزمة الأدوية المتفاقمة عبر العمل على تعزيز القدرة التنافسية لشركات صناعة الأدوية، وأعلن اعتزامه آنذاك تنفيذ المبادرة خلال الربع الأول من العام الماضي ولكن المبادرة لم تر النور باعتبار اشتداد مشاكل عدم الاستقرار في البلاد على اصعدة عديدة. وبين المجلس أن المبادرة تهدف إلى التوصل لاتفاق بين القطاعين العام والخاص مقابل التزام الدولة بتنفيذ مجموعة من الإجراءات فيما يتعهد القطاع الخاص بتحقيق أهداف الاستثمار والتصدير وتوفير فرص عمل جديدة.
وحسب الاحصائيات الرسمية، فإن هناك في تونس 74 شركة، من بينها 36 شركة مختصة في صناعة الأدوية، فيما تركز البقية على صناعة المستلزمات الطبية، برقم معاملات يبلغ سنويا 800 مليون دينار. ويؤكد العديد من المهتمين بالشأن الاقتصادي الوطني أن قطاع الصحة هو من أكثر القطاعات فسادا، وأنه ينافس فساد القطاعات الأخرى وأنه أصبح بيئة مثالية لاستيلاء بعض الاطراف النافذة على أموال طائلة من خلال التحيل عبر صفقات مشبوهة.