الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: اثارت المعطيات المنشورة بداية هذا الأسبوع من قبل المرصد الوطني للفلاحة الراجع بالنظر لوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري حول تطور رصيد الميزان الغذائي نهاية جويلية الفارط، مجددا صدمة لدى العديد من المتابعين للشأن الاقتصادي والاجتماعي الوطني.
ذلك ان المعطيات ابرزت تسجيل الميزان التجاري الغذائي عجزا يقدر بـ 1081.1 مليون دينار موفى الأشهر السبع الأولى من العام الحالي مقابل 222.4 مليون دينار حلال نفس الفترة من العام السابق مما يمثل تفاقما نسبته 386 بالمائة بما يعني ان العجز تضاعف تقريبا اربع مرات وهو مستو عال للغاية وغير قابل للتحمل بكل المقاييس سيما ان هذا العجز اصبح يشكل نحو 12.4 بالمائة من اجمالي العجز التجاري للبلاد.
وفي هذا الإطار اكدت معطيات المذكرة ان الواردات الغذائية ارتفعت من 3272.3 الى 3779.8 مليون دينار بين جويلية 2020 وجويلية 2021 وان الصادرات تراجعت من 3049.9 الى 2689.7 مليون دينار مما انجر عنه هبوط جد حاد لنسبة تغطية الواردات بالصادرات من 93.2 الى 71.4 بالمائة.
وترجع جل المذكرات الصادرة عن المرصد الوطني للفلاحة سيما تلك الصادرة بعنوان السداسي الأول من العام الحالي توسع العجز الغذائي الى عدة عوامل أهمها ارتفاع نسق واردات الحبوب (+20.9 بالمائة)، من ناحية وتراجع قيمة صادرات زيت الزيتون (-26.9 بالمائة)، من ناحية أخرى. يضاف الى ذلك تراجع قيمة صادرات منتجات الصيد البحري والتمور والقوارص وذلك على التوالي بـ 17.1 وبـ13.1 وبـ6.4 بالمائة.
وبعيدا عن الأرقام والتقييم الكمي لمعضلة العجز الغذائي والذي ما انفك يتمدد خصوصا في الأعوام الأخيرة، فان هذ المعضلة هي في الواقع ذات ابعاد هيكلية مرتبطة بعدة اسباب من أهمها فشل منوال تنمية قطاع الفلاحة لعقود طوال وعدم بلوغ الصناعات التحويلية الغذائية مستوى النجاعة والمردودية المطلوبين علاوة على مشاكل التوريد والتصدير العشوائيين وبشكل مؤكد استفحال المضاربة والاحتكارات على اصعدة شبه شاملة.
واستنادا الى دراسة انجزها المرصد الوطني للفلاحة لاستشراف الامن الغذائي في أفق 2030 تحتل تونس المرتبة 51 من بين 113 بلد من حيث مؤشر الأمن الغذائي خلال سنة 2018. كما تحظى بمجموع 55.5 نقطة في ما يتعلق بالنفاذ إلى الغذاء و65.5 نقطة في ما يهم وفرة الغذاء، و61.9 نقطة بالنسبة لنوعية وسلامة الغذاء.وتعتبر وفرة العرض على مستوى الأغذية كافية، إلا أن وضع الأمن الغذائي يعتبر هشا نسبيا باعتبار عدم استقرار ومحدودية الموارد الطبيعية خاصة منها الموارد المائية، وتعرضها لشتى أشكال التدهور. كما سجلت منذ 2011 حسب الدراسة اختلالات في الميزان التجاري الغذائي ذات منحى تصاعدي، وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن صادرات المنتجات الفلاحية والغذائية تحتل المرتبة الثالثة بمعدل نسبة 11% من الّصادرات الاجمالية.
ويتبين حسب المرصد الحكومي، من خلال تحليل الوضع الخاص بالأمن الغذائي خلال السنوات الأخيرة تسجيل العديد من نقاط الضعف والمخاطر التي تهدد القطاع والتي تستوجب إيجاد الحلول لتجاوز الصعوبات ولمزيد إحكام استغال نقاط القّوة والفرص المتاحة وتثمينها علما ان تجاوز الإشكاليات الحالية يتطلب ضبط السياسات القطاعية الملائمة والإصلاحات الهيكلية المرافقة لها بالتنسيق مع كل الهياكل المعنية،.
ويعتبر الترفيع من قيمة الصادرات والحد من قيمة الواردات الحل الأمثل لمعالجة العجز الذي يعاني منه الميزان التجاري العام والغذائي على حد السواء. كما تجدر الاشارة في هذا الاطار إلى أن التحكم في الواردات يعتبر هدفا مهما نظرا لتأرجح الأسعار العالمية لجل المواد وتنوع الطلب نتيجة تغير نمط الاستهلاك.
يذكر ان المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية كان قد اصدر عام 2018 دراسة عن الأمن الغذائي في تونس، أكدت أن عدّة مخاطر تهدده كضعف مساهمة القطاع الفلاحي في الناتج المحلي الاجمالي التي تراجعت من 19.6 بالمائة سنة 1964 إلى 8 بالمائة سنة 2016، اضافة الى انحسار مساحات الأراضي الصالحة للزراعة بسبب التصحر والانجراف والجفاف وارتفاع ملوحة الارض ونقص الأمطار بما يشمل حوالي 78 في بالمائة من مساحة البلاد.
كما اوضحت الدراسة أنّ التقديرات تشير الى إمكانية ان تعرف البلاد إلى حدود سنة 2030 نسقا حثيثا في تواتر اعوام الجفاف. فتعاقب سنتين أو ثلاث سنوات يؤدي إلى نقص في إنتاج الزيتون والإنتاج الغابي الى زهاء النصف. كما تبين ذات التقديرات انه من الوارد تقلص منتوجاتهما إلى 80 بالمائة في الوسط والجنوب والى 20 بالمائة في الشمال علما أنّ 350 ألف هكتار من الأراضي الفلاحية في تونس غير مستغلة بسبب الوضعيات القانونية كعدم التسجيل العقاري إضافة إلى 100 ألف هكتار أراضي أحباس وأكثر من 60 ألف هكتار أراض دولية تستغل بطريقة غير قانونية. وأكدت الدراسة أنّ واردات تونس الغذائية تواصل الارتفاع بنسق تصاعدي وانها تمثل اليوم حوالي 10.8 بالمائة من جملة الواردات، وان الحبوب تحتل المرتبة الأولى في سلمها بنسبة 43 بالمائة ثم السكر والزيوت النباتية الغذائية.