الشارع المغاربي-محمد الجلالي: في تطّور لحادث وفاة طالبة يوم الجمعة 29 سبتمبر الماضي بالمبيت الجامعي الصدّيق في قصر هلال من ولاية المنستير اكد فريد بن جحا المساعد الأول لوكيل الجمهورية والناطق باسم محاكم المنستير والمهدية أن الحارس الليلي أغلق باب المبيت وغادر المكان فجرا دون أن ينتظر زميله مشددا على أن غلق المبيت قد يكون تسبّب في عدم إسعاف الطالبة التي كانت قد اصيبت بنوبة وبالتالي وفاتها.
بن جحا ذكر في تصريح إذاعي انه تم فتح بحث تحقيقي في “القتل الناتج عن التقصير أو الإهمال أو عدم اتخاذ الاحتياطات طبقا للفصل 217 من المجلة الجزائية” مضيفا أن التحريات أفادت بأن الحارس تعوّد على غلق المبيت ومغادرة مركز عمله قبل وصول زميله المناوب..
وفي انتظار توصل القضاء الى الكشف عن ملابسات الوفاة وتحميل المسؤوليات التي قد تتعدى الحارس الى مسؤولين آخرين بإدارة المبيت يؤكد تقرير رقابي رسمي وجود مخاطر جمة تُحيط بالطلبة في ما يتعلق بمجالات حفظ الصحة والسلامة الغذائية بعدة مطاعم جامعية ومبيتات.
اخلالات بالجملة
”تُكَلَف مصلحة السكن الجامعي والتغذية وحفظ الصحة بإرساء طرق السلامة والوسائل الوقائية”. هكذا نص الامر المتعلق بضبط التنظيم الإداري والمالي لدواوين الخدمات الجامعية مثله مثل القانون المتعلق بإصدار مجلة السلامة والوقاية من اخطار الحريق والانفجار بالبنايات وكراس شروط المبيتات الخاصة.
نظريا نصت التشريعات على التدابير الضرورية لحماية الطلبة من أي طارئ بينما لا تزال عديد الاخطار تتربص بهم على مستوى الممارسة سواء خلال إقامتهم بالمبيتات أوعند تناول وجباتهم بالمطاعم الجامعية.
أسبوعية “الشارع المغاربي” حصلت على تقرير رقابي لمحكمة المحاسبات عن عشرات المبيتات والمطاعم والاحياء الجامعية يكشف عن عديد الاخلالات والتجاوزات المرتكبة في حق الطلبة.
التقرير الذي جاء في 148 صفحة على عكس التقرير المنشور بموقع المحكمة )تم اختصاره في 64 صفحة فقط( كشف عن وجود اخلالات تتعلق بظروف الصحة والسلامة في 13 مبيتا جامعيا من مجموع 16 مبيتا خضعت للمراقبة.
وتتعلق الاخلالات أساسا بحماية مداخل المبيتات على غرار غياب حارس خلال فترة الصباح بالنسبة للمبيت الجامعي ابن خلدون بالعاصمة بما يؤكد ان ما حدث مؤخرا بمبيت قصر هلال وأدى الى وفاة طالبة لا يدخل في باب حدث معزول.
11 مبيتا آخر اخلت بشروط السلامة بتغاضيها عن التعاقد مع أطباء وعدم تجهيز محلات تمريض بالادوية ومواد الإسعاف او عدم مطابقتها القانون.
وفسّرت محكمة المحاسبات عدم توفر أطباء ببعض المبيتات برفضهم التعامل بالتسعيرة التعاقدية مع مؤسسات الخدمات الجامعية وبتقصير الأطراف المتدخلة منذ سنوات في السعي الى تجاوز هذا الاشكال.
كما خلصت الاعمال الرقابية الى غياب تحصين اسوار وابواب ونوافذ 4 مؤسسات إيواء جامعي والى وجود إشكالات تتعلق بشبكتي الكهرباء والغاز بحيين جامعيين في سليانة تمثلت في عدم حماية اسلاك الكهرباء وعدم صيانة الشبكة الكهربائية.
وشدد تقرير محكمة المحاسبات على أن 7 مؤسسات إيواء جامعي لم تبادر بتأمين بناياتها وتجهيزاتها ولم تتخذ ما يكفي من إجراءات السلامة عبر عدم شحن وسائل الحماية من الحرائق وعدم تدارك مخاطر اندلاع حرائق بمطابخها.
وذكر تقرير المحكمة ان ديوان الخدمات الجامعية للشمال واصل كراء بنايتين بمدينة نابل رغم عدم استجابتهما لمعايير السلامة الضرورية وعدم ايفاء صاحبيهما بتعهداتهما المتمثلة في الاستظهار بتأمين لهما وبشهادة الوقاية مع العلم ان البنايتين توجدان فوق محطة مخصصة للتزويد بالوقود.
المحكمة خلصت إلى ان الاخلالات الموجودة بعدد من المبيتات تشكل مخاطر جدية على صحة الطلبة وسلامتهم.
الصيانة المفقودة
ولئن تعتبر مسؤولية صيانة المبيتات والتجهيزات المتوفرة بها من مسؤولية وزارة التعليم العالي ودواوين الخدمات الجامعية ومؤسسات الخدمات الجامعية فقد أشار التقرير الى ان ديوان الخدمات الجامعية كمؤسسة مشرفة على المبيتات والاحياء الجامعية لم يتقيد بدليل اجراءاته القاضي باعداد تقارير ثلاثية دورية للوقوف على حالة التجهيزات والبنايات والتثبت من عمليات الصيانة.
وذكّرت المحكمة بأن تقارير تفقد منجزة من قبل وزارة التعليم العالي كشفت عن عدم تجهيز دورات مياه في 28 مبيتا بأجهزة الصرف الصحي واتساخ احواض غسل الوجه وبيوت الاستحمام وارتفاع درجات الرطوبة بها ونقص التهوئة إضافة الى الروائح الكريهة نتيجة تسرب المياه وركودها وتعطب مرشّات الاستحمام.
المطابخ بدورها لم تسلم من الإهمال. فقد لاحظ التقرير ان 15 مبيتا لم تعمل على صيانة قنوات تصريف مياه الامطار وبالوعات المياه المستعملة وشبكات التطهير المرتبطة بمطابخها ولم تستجب لشروط حفظ الصحة على غرار الحي الجامعي بمونفلوري والحي الجامعي الحدائق بالعاصمة والحي الجامعي “زاما” في مدينة سليانة.
وكشف التقرير انه تم رصد تواصل نقائص تتعلق بدورات المياه والمطابخ وبيوت الاستحمام وقنوات تصريف المياه والبالوعات بالحي الجامعي طريق منزل عبد الرحمان في بنزرت مشددا على ان أخطاء هندسية في تركيز شبكة المياه والتطهير بالمبيت أدت الى استحالة صيانته من الخارج.
وسجّل التقرير ان عديد الوثائق المتوفرة بديوان الخدمات الجامعية للشمال تؤكد وجود نقص في صيانة المبيتات وأن ذلك يعود أساسا الى نقص الاعتمادات المخصصة للغرض وإلى عدم توظيفها على النحو الأمثل.
مطاعم متّسخة
اسفر فحص مراقبو محكمة المحاسبات تقارير خلية حفظ الصحة بديوان الخدمات الجامعية وتقارير الأطباء البياطرة وتقارير الإدارات الجهوية للصحة عن تسجيل عديد الاخلالات التي تتعلق بعدم احترام القواعد الأساسية لحفظ الصحة وبنقص النظافة بالمطاعم الجامعية.
في هذا الاطار أشار تقرير محكمة المحاسبات الى تراخي 7 احياء جامعية عن العناية بالفضاءات المخصصة لاعداد وجبات الطعام وتنظيف خطوط توزيع الوجبات والممرات المؤدية الى المغازات وبيوت التبريد وفضاءات اعداد الوجبات إضافة الى اتساخ المجمعات الصحية الخاصة بالطلبة وانسداد الاحواض وتكدّس الفضلات بالمطاعم وعدم التصدي للحشرات والقوارض.
وجبات ملوثة
سلامة الوجبات التي تقدمها المطاعم الجامعية للطلبة اتخذت حيزا هاما في تقرير محكمة المحاسبات التي أفادت بأنه يفترض ان يتم اجراء تحاليل بكتيريولوجية على المواد الغذائية والوجبات الجاهزة والماء مرة في الشهر بالنسبة لكل مطعم جامعي.
ولفتت المحكمة الى ان التحاليل اثبتت في عديد المناسبات تلوّث لحوم الدواجن والديك الرومي والبيض واللحوم الحمراء والخضر بجرثومة السلامونيلا مشيرة الى ان هذه الجرثومة تعد من بين العشر جراثيم الخطيرة عالميا والتي يمكن ان تؤدي الى كوارث صحية.
وذكر التقرير الرقابي ان نتائج تحاليل تم اجراؤها على عينات من وجبات مقدمة للطلبة بين أكتوبر 2016 وفيفري 2017 في مطاعم الحي الجامعي بمونفلوري والحي الجامعي المروج في العاصمة والمطعم الجامعي منزل عبد الرحمان في مدينة بنزرت اثبتت تسجيل نسبة تلوث بـ 60 بالمائة في الوجبات.
كما ذكر التقرير أن نتائج تحاليل أجّريت خلال السنة الجامعية 2018-2019 على عينات من وجبات بـ 38 مطعما جامعيا كشفت ان 27 مطعما يقدم وجبات ملوثة بالسلامونيلا مع العلم أن التقرير المختصر الذي نشرته محكمة المحاسبات لم يتطرّق البتة الى تلوث الوجبات الجامعية بجرثومة السلامونيلا.
لم يعد اذن التقصير والإهمال والاستخفاف بأرواح الطلبة مجرد حالات عابرة مرتبطة بمؤسسة جامعية معزولة وانما أضحى سوسا ينخر عديد المطاعم والمبيتات بعلم اكثر من طرف رسمي الشيء الذي يتطلب تحرك سلطة الاشراف لتحميل المسؤوليات والضرب على ايدي العابثين بالقانون حتى لا يحصل ما لا تحمد عقباه.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 3 اكتوبر 2023