الشارع المغاربي-تحقيق : محمد الجلالي: خلافا لما يبدو من أنشطة “نماء تونس” المعلنة تؤكد معطيات رسمية متقاطعة ان الجمعية التي يُتّهم بعض أعضائها بتلقي تمويلات مشبوهة وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب تخفي اخطبوطا متعدد الاذرع ومترامي الأطراف. اخطبوط يضم عددا غير متناه من جمعيات ومنظمات خيرية ودعوية وحتى تكفيرية أسسها أعضاء بالمكتب التنفيذي أو بالمكاتب الجهوية لحركة النهضة أو مستشارين لراشد الغنوشي وترتبط بشركات ومجمعات اقتصادية كبرى وبمؤسسات إعلامية قريبة من النهضة..
حكاية جمعية “نماء تونس” تلّخص مسيرة عشر سنوات من سعي النهضة لبعث امبراطورية اقتصادية جمعياتية وإعلامية لاحكام قبضتها على مفاصل الاقتصاد وتغيير وجهة المجتمع وفرض اجنداتها السياسية والثقافية..
انفلات جمعياتي
بهيئة مديرة متكونة من تسعة أعضاء انطلق في 15 مارس 2011 عمل جمعية “نماء تونس” التي ضمت محمد كشلاف رئيسا وعبد المجيد حسن كاتبا عاما ونائب رئيس ومحمد الحشفي صهر حمادي الجبالي رئيس الحكومة الأسبق امين مال. وكان من بين أعضائها المؤسسين عبد الكريم سليمان عضو المكتب التنفيذي للنهضة وامين المال السابق لاتحاد الفلاحين وناجح الحاج لطيف المستشار السابق لراشد الغنوشي ومحمد مفتاح المستشار السابق لوزير الصحة في 2012 وعمر بالخيرية أحد أعضاء لجنة الاعداد للمؤتمر العاشر للحركة في 2015 وسمية الجبالي ابنة حمادي الجبالي وكمال الدايئحي.
ويؤكد الرائد الرسمي ان رئيس الجمعية محمد كشلاف أسس بعد مرور سنة فقط على بعث “نماء تونس” جمعية تدعى “إقرأ وارتق” وان من أهدافها “تعليم الناشئة تلاوة المصحف وفق أحدث الطرق البيداغوجية وتمكينها من منظومة تربوية إسلامية متكاملة”.
كما يؤكد ان عبد المجيد حسن نائب رئيس “نماء تونس” أسس في 31 جويلية 2011 جمعية “أنصار فلسطين” بمعية لطفي العمدوني عضو مجلس شورى النهضة.
بالتثبت في أنشطة العمدوني اتضح من خلال منشورات الرائد الرسمي انه شارك في تأسيس 5 جمعيات أولها كانت “الدعوة والإصلاح” التي كان من بين مؤسسيها الحبيب اللوز احد مؤسسي حركة النهضة والنائب السابق بالمجلس التأسيس وترأسها عبد المجيد حسن في 23 ماي 2013. وجاء في محضر جلستها الخارق للعادة انه تم “تحيين قانونها الأساسي بما يتطابق مع قانون الجمعيات” فهل يعني ذلك انها نشطت طيلة أكثر من سنة خارج القانون؟ ثاني الجمعيات التي ساهم في بعثها لطفي العمدوني كانت جمعية “الزيتونة للعلوم الشرعية” في 9 جويلية 2011 وثالثها جمعية “المصطفى للعلوم الشرعية “ورابعها “انصار فلسطين” وخامسها “رابطة نور البيان” في 12 أفريل 2011 والتي كان من بين مؤسسيها الامام المختار الجبالي الذي اشتهر بدعوة الشباب للجهاد في سوريا والامام شهاب الدين تليش الذي تم عزله في سنة 2015 مثله مثل عشرات الايمة المتهمين باعتماد خطاب متشدد بالمساجد. تليش كان بدوره قد أسس في 25 مارس 2014 جمعية “هيئة مشائخ تونس”.
وكان هيثم الإمام الكاتب العام الجديد لـ “الدعوة والإصلاح” قد شارك بعد تحيين قانونها الأساسي في تكوين جمعية “أحباء إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم” في اوت 2016 وقبل ذلك كون جمعية “معارف للتنمية والإدماج” صحبة الاسعد خذر مدير قناة “قرطاج بلوس” القريبة من حركة النهضة.
تكشف إعلانات الرائد الرسمي ان عبد الكريم سليمان الذي جمع بين عضوية المكتب التنفيذي للنهضة وعضوية وتأسيس “نماء تونس” كان من بين مؤسسي جمعية “المصطفى للعلوم الشرعية” في 2011 وانه تم تكليفه بمنصب امين مال باتحاد الفلاحين بعد إعادة انتخاب عبد المجيد الزار على رأس المنظمة الفلاحية في 2018.
الرائد الرسمي يبرز أيضا ان محمد مفتاح احد مؤسسي جمعية “نماء” كان قبل ان يشغل خطة مستشار لدى وزير الصحة في 2012 من بين مؤسسي “مركز بناء المغاربي للدراسات الاستراتيجية” في 24 سبتمبر 2013 صحبة الصحفي بقناة الجزيرة سيف الدين بوعلاق والناشط السياسي الاخواني علي اللافي (احد مؤسسي حزب التحالف الوطني للسلم والنماء في 2014) ورضا العجمي مدير شركة “البناء للنشر والتوزيع والصحافة” (وكالة بناء نيوز) وجريدة “الضمير”.
اسم احمد البرقاوي العضو السابق بمجلس شورى النهضة اقترن بدوره بشبكة مؤسسي ثلاث جمعيات هي “شبكة الجمعيات المهتمة بالاقتصاد الاجتماعي” المكونة في 31 ماي 2012 وجمعية الدعوة والإصلاح سالفة الذكر وجمعية “الصداقة التونسية التركية” التي رأت النور في 18 أكتوبر 2012. وكان رضا البوكادي سفير تونس السابق بليبيا قد ساهم في تأسيسها وتقلد منصب امين مال لها مع العلم ان الصحافة التركية أشارت في 9 سبتمبر 2013 الى ان احمد البرقاوي لقي حتفه غرقا في البحر باسطنبول.
اما حسان المؤدب رئيس جمعية ” نماء” ونائبه سامي القابسي فقد أسس اولهما جمعية “الآخر” في 7 افريل 2012 وساهم الثاني في بعث “جمعية تونس الكفاءات” خلال نفس السنة.
رجل الظل
كان ناجح الحاج لطيف المستشار غير المعلن للغنوشي (رغم تأكيد صحيفة الراية القطرية على تقلده هذا المنصب منذ 26 جوان 2015) قد أشفع مساهمته في تأسيس “نماء تونس” بالتركيز على عالم المال والاعمال. الحاج لطيف كوّن في 26 ماي 2014 شركة للطباعة برأسمال قدر بـ 1.5 مليون دينار التي تم في 5 جانفي 2016 الترفيع في رأسمالها الى 5.8 ملايين دينار.
وفي نفس المقر الاجتماعي لشركة الطباعة بمدينة منوبة أسس مستشار الغنوشي شركة أخرى راسمالها 50 ألف دينار.
وشهدت سنة 2014 دخول الحاج لطيف شريكا في مؤسسة مختصة في صناعة المسابك بعد الترفيع في رأسمالها من 580 ألف دينار الى 2.5 مليون دينار وتغيير مقرها الاجتماعي.
وسبق للحاج لطيف ان تخلى في 24 ديسمبر 2012 عن وكالة شركة لفائدة شريك اخر قبل ان يتم تعيينه على رأس شركة جديدة بعد تغيير اسمها في 31 جانفي 2013.
وكان رضا الرداوي عضو هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي قد اتهم خلال ندوة صحفية في فيفري المنقضي ناجح الحاج لطيف بإدارة أموال راشد الغنوشي الخفية وبتلقي أكثر من 90 مليون دينار من جهات اجنبية في حسابات شركة بريطانية بتونس دون تقديم سلع او خدمات.
ولفت الرداوي الى ان الحاج لطيف استعمل بريدا الكترونيا لشركة بريطانية كان يشتغل فيها لإدارة علاقات مالية مشبوهة وإلى أنه استمرّ في استعمال هذا الحساب حتى بعد طرده من الشركة دون أن يتمكن من محو الرسائل.
وشدد على أن البريد الإلكتروني المذكور تضمن رسائل بين لطيف والناطق الرسمي السابق باسم النهضة رياض الشعيبي وعلى ان بها معطيات داخلية للحركة وأخرى تتعلق باختراق أحزاب وتنظيمات أخرى وثالثة عن لقاء جمع لطيف بمحافظ البنك المركزي السابق الشاذلي العياري في قطر.
الجناحان الاقتصادي والاعلامي
شبكة “نماء تونس” العنكبوتية ضمت ايضا رئيستها السابقة زهرة الهمامي التي كونت في 30 جويلية 2014 شركة “الاحياء والتنمية الفلاحية” برأسمال قدر بمليون دينار وبعثت في 15 نوفمبر 2017 شركة ثانية للدراسات والاستشارة والتسويق برأسمال قدر بـ 40 ألف دينار. اللافت في الامر ان اسمين تكررا في تركيبة مجلسي إدارة شركة التنمية الفلاحية وشركة الاستشارات هما نور الدين الحاج محمد ومحمد الطرابلسي.
وفيما اقتصر نشاط محمد الطرابلسي الجمعياتي على تأسيس “مصابيح الدجى” في 23 مارس 2012 يؤكد الرائد الرسمي ان نشاط نور الدين الحاج محمد كان متعدد الاوجه. ويشير الرائد الرسمي الى ان الحاج محمد كان يدير اكثر من شركة مختصة في بيع مواد البناء قبل الثورة والى انه شارك رئيسة “نماء تونس” في تأسيس شركتين واحدة للتنمية الفلاحية وأخرى للاستشارات والتسويق ثم بعث شركة ثالثة لاحياء الأراضي الدولية والتنمية الفلاحية في 20 أوت 2017 برأسمال قدر ب 3.2 ملايين دينار قبل تغيير تسميتها في نفس السنة والمساهمة في بعث شركة أخرى للاستشارة والتسويق بالمركز العمراني الشمالي في العاصمة فضلا عن تكوين شركة مختصة في التوريد والتصدير وإدارة شركة للتنمية الفلاحية.
الحاج محمد خاض في 2014 وفق نفس المصدر غمار الإنتاج الإعلامي بتأسيس شركة “المتوسط للإنتاج الإعلامي والثقافي” برأسمال قدر بـ 5 ملايين دينار. وكان من بين شركائه نور الدين العويديدي الذي ظهر اسمه في تسريبات “أوراق بنما” التي كشفت عن ضلوع عديد الأسماء التونسية في فتح حسابات مالية ببنما التي تعتبر جنة ضريبية. كما برز اسم فيصل التبرسقي (مدير قناة المتوسط التي توقفت عن البث) في قائمة مؤسسي شركة المتوسط للإنتاج.
منشورات الرائد الرسمي اكدت ان شركة المتوسط شهدت في 18 سبتمبر 2019 تخفيضا في رأسمالها من 5 ملايين دينار الى 327 ألف دينار مع تعيين نور الدين الحاج محمد رئيسا لمجلس ادارتها.
من “جمعية نماء” الى “نماء القابضة”
ودائما حسب الرائد الرسمي ساهم فيصل الشمنقي امين مال “نماء تونس” من جانبه في 3 سبتمبر 2014 في تأسيس شركة تحمل اسما مشابها للجمعية هو “نماء للتجارة والخدمات” برأسمال بـ 310 آلاف دينار. وجاء في الإعلان القانوني الصادر بالرائد الرسمي ان غرض التأسيس هو “المتاجرة بكل المواد غير المقننة وغير الخاضعة لتراتيب خاصة”. كما أشار الإعلان الى ان مجلس إدارة الشركة دعا المساهمين في 14 نوفمبر 2015 الى حضور جلسة عامة عادية للترفيع في رأسمالها والى انه دعاهم أيضا بتاريخ 26 ديسمبر 2015 للمصادقة على اتفاقيات تدخل في اطار الفصل 200 من مجلة الشركات التجارية (فصل يمنع اتخاذ مسيري وأعضاء مجالس إدارة الشركات قرارات وإجراءات ممنوعة بالقانون او تدخل تحت طائلة تضارب المصالح). وفي 19 جانفي 2021 تمت دعوة المساهمين في رأسمال شركة “نماء للتجارة والخدمات” الى حضور جلسة عامة للنظر في إمكانية تأسيس شركة تجارية ودولية وبعث وكالة عقارية.
اللافت في قائمة أعضاء مجلس إدارة “نماء للتجارة” وجود اسم الحبيب المثلوثي مرشح النهضة للانتخابات البلدية سنة 2018 ببلدية تاكلسة من ولاية نابل.
الرائد الرسمي يؤكد أيضا ان انيس هدريش عضو الهيئة المديرة لـ “نماء تونس” بعث بعد تأسيس الجمعية ثلاث شركات برأسمال جملي بلغ 500 ألف دينار وأن أنور معالج عضو نفس الجمعية كان مرشح النهضة في انتخابات البلدية بجهة المروج.
كما يؤكد ان سمير العيوني نائب رئيس الجمعية ترشح في الانتخابات البلدية لسنة 2018 على رأس قائمة الحركة بدائرة سيدي بوسعيد وان نور الدين الكعبي عضو جمعية “نماء تونس” كان المستشار السابق لرئيس الحكومة في سنة 2012 وكاتب الدولة المكلف بالشؤون الاقتصادية في حكومة الحبيب الجملي التي لم تر النور.
وظهر اسم لطفي الديماسي الذي ساهم في 19 ماي 2013 في تأسيس مجمع اقتصادي يحمل نفس اسم جمعية “نماء” هو شركة القابضة للنماء والاستثمار برأسمال في حدود 545 ألف دينار.
وفي 24 ديسمبر 2014 دخلت القابضة لـ “النماء” في عضوية شركة فلاحية بعد الترفيع في رأسمالها من 63 ألف دينار الى 203 آلاف دينار.
اسم آخر من بين الهيئة المديرة لـ “نماء تونس” يظهر في قائمة أعضاء مجلس إدارة القابضة للنماء هو رجل الاعمال جمال بوخريص ورئيس قائمة النهضة بدائرة بوفيشة من ولاية سوسة في الانتخابات البلدية لسنة 2018.
في تقاطع واضح بين العمل الجمعياتي والنشاط السياسي وعالم المال والاعمال ومجال الاعلام تبدو جمعية “نماء تونس” نموذجا مصغرا لأخطبوط متعدّد الأذرع نما في ظل انفلات جمعياتي عقب ثورة 2011 واشتد عوده مع فترة حكم حركة النهضة. اخطبوط مالي وتنظيمي وثقافي واعلامي كان في فترة ما يهدد كيان الدولة برمته ويمس ثوابت المجتمع فاصبح محل اتهامات رسمية بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 5 جويلية 2022