الشارع المغاربي: اكدت جمعية القضاة التونسيين اليوم الاثنين 15 جانفي 2024 تفاقم تدهور أوضاع القضاء والقضاة في هذه الظروف بنزع كل ضمانات الاستقلال والأمان القضائي مبرزة ان ما اسمته ضغط الخطاب السياسي جعل القضاة يعملون في ظل أجواء من التوجس والترهيب تحت حد الإعفاء المباشر من رئيس الجمهورية والإيقافات والتجريد من المسؤوليات والنقل التعسفية من وزيرة العدل مشددة على ان “كل هذا يمثل تهديدا خطيرا ومستمرا للحقوق والحريات وللتوازن بين السلط ودولة القانون”.
واعتبرت الجمعية في بيان صادر عن مكتبها التنفيذي نشرته على صفحتها بموقع فايسبوك أن انخرام إدارة العدالة في المسارات المهنية للقضاة في ظل التعتيم التام على ما يحصل بخصوص إيقاف القضاة عن العمل وتجريدهم من المسؤوليات ونقلهم تعسفيا خارج أية رقابة مؤسسية ومجتمعية كان من التداعيات الفادحة والفورية للنزول بالقضاء من موقع السلطة المستقلة طبق أحكام دستور 27 جانفي 2014 إلى وضع الوظيفة والمرفق التابع للسلطة التنفيذية مذكرة بانها ما فتئت تنبه إليه وتحذر من استتباعاته بالغة الخطورة على القضاة وعلى وضع السلطة القضائية عموما.
واشارت الى تواتر معلومات من داخل الوسط القضائي عن إيقاف عدد من القضاة عن العمل في المدة الأخيرة من قضاة النيابة العمومية وقضاة التحقيق والمجلس مؤكدة ان الايقافات شملت كذلك قضاة بالقطب الاقتصادي والمالي وبقطب الإرهاب دون وجود مؤاخذات تأديبية ضدهم أو توجيه تُهم جزائية اليهم وان قرارات الإيقاف تلك صدرت رأسا عن وزيرة العدل في ظل غياب مجلس القضاء العدلي معتبرة ان ذلك “يرجح ويغذي المخاوف بأن قرارات إيقافهم تمت على خلفية أعمالهم وقراراتهم القضائية مبرزة ان إيقاف بعض القضاة عن العمل من وزيرة العدل اقترن بقطع الأجر وان ذلك يعني إحالتهم على البطالة ووضعهم وعائلاتهم في حالة خطيرة من الحاجة المادية.
واكدت الجمعية ” وقوفها على تواصل التدخل التسلطي والمباشر دون حدود لوزيرة العدل في شبه حركات جزئية متواصلة بتنحية رؤساء محاكم ونقلتهم تعسفا وتعيين آخرين خارج كل ضمانات التقييم الموضوعي والمستقل للأداء القضائي والتنافس النزيه والشفاف على المسؤوليات القضائية.”
كما اكدت انها” سجلت عودة توظيف آلية التمديد في سن الإحالة على التقاعد للقضاة بعد بلوغ السن القانونية من السلطة التنفيذية بعد تحوير القانون عدد 12 لسنة 1985 المتعلق بنظام التقاعد بواسطة المرسوم عدد 21 لسنة 2021 المتعلق بقانون المالية لسنة 2022 بمنح البقاء في الخدمة لبعض القضاة ورفضها للبعض الآخر دون أي مقاييس معلومة ولا معلنة يمكن مراقبتها مشيرة الى ان ذلك رجح في أوساط القضاة العودة إلى ممارسات سابقة قاومها القضاة تعتمد مقياس الولاء للسلطة التنفيذية وتوجهاتها للظفر بالتمديد الذي تحول كما في الماضي إلى منحة وامتياز”.
ونبهت إلى مواصلة رفض السلطة التنفيذية تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية بإرجاع القضاة الذين تم إعفاؤهم خارج ضمانات حق الدفاع والمواجهة معتبرة ان ذلك “تنكيل بالمعزولين ظلما ورسالة إلى عموم القضاة بأنه ليس لهم أي ملاذ اليوم في صورة طالتهم القرارات الجائرة لرفع الظلم عن أنفسهم وعائلاتهم.”
وذكرت بان المساس بتركيبة المجلس المؤقت للقضاء العدلي لم يكن إلا تمهيدا لتعطيل أعماله وشلها وبان ذلك تحقق فعليا بإحالة الرئيس الأول لمحكمة التعقيب على التقاعد منذ شهر أكتوبر 2023 وعلى إثره وكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية لافتة الى ان ذلك أدى إلى وضعية فراغ مؤسسي في القضاء العدلي حالت دون البت في اعتراضات القضاة على تلك الحركة القضائية وتجاوز الاخلالات الحاصلة فيها وسد عديد الشغورات بالمحاكم في سابقة لم يعرفها القضاء التونسي طوال تاريخه.
ودعت الجمعية “كافة القضاة الذين شملتهم الإجراءات التعسفية الأخيرة من نقل أو إيقاف عن العمل خارج أي ضمانات إلى الطعن في هذه القرارات لدى القضاء الإداري.
واهابت بكل “القضاة العدليين والإداريين والماليين في هذا السياق العصيب ورغم صعوبة الظرف واستفحال المحنة وغياب أي أفق لانفراجها إلى التحصّن بأمانة رسالة القضاء والتمسك باستقلالهم وحيادهم ونزاهتهم في تطبيق القانون وحماية الحقوق والحريات دون الخضوع لأي ضغوطات أيّا كان نوعها ومهما كانت الجهة التي صدرت عنها.”
وذكرت “بصدق رؤيتها الاستباقية في اعتبار أن التمشي الذي انتهجته السلطة منذ اتخاذ التدابير الاستثنائية لا يتعلق مطلقا بإصلاح القضاء مثلما وقع الترويج له” وبان ذلك” يندرج ضمن مشروع سلطوي يهدف لإرساء القضاء الوظيفة التابع كليا للسلطة السياسية وذلك عبر هدر كل ضمانات الاستقلالية الشخصية للقضاة وإلغاء لكل ضمانات الاستقلالية الهيكلية والمؤسسية عبر تنصيب مجلس تابع وخاضع للسلطة السياسية والفشل في وضع خطة متكاملة للنهوض بالأوضاع المادية للمحاكم وبنيتها التحتية وتجهيزاتها وتفاقم الحالة المزرية لمرفق العدالة من اكتظاظ وتراكم أحجام العمل التي لم يُحقق بشأنها أي إصلاح مما أبّد المعاناة اليومية للمتقاضين والمحامين والإطار القضائي”.