الشارع المغاربي- قسم الرياضة: لا حديث هذه الأيّام داخل الشارع الرياضي التونسي سوى عن الانتخابات القادمة لرئاسة الاتحاد الافريقي لكرة القدم المزمع عقدها في 12 مارس من العام القادم.
والأمر يبدو ملفتا للنظر على غير العادة ليس لأنّ السباق الانتخابي نحو بوّابة الـ”كاف” يحتّل بطبعه حيّزا كبيرا في اهتمام التونسيين المنشغلين بطبعهم بكورونا وبأحداث سبيطة المشهودة… ولكن يكمن الاستثناء الجميل هذه المرّة بسبب هويّة بعض المترشّحين المحتملين لدخول المعركة الانتخابية المرتقبة بما أنّ اسم الثنائي التونسي طارق بوشماوي ووديع الجريء يحوم حول مضمار السباق في انتظار الاتفاق بين الاسمين حول مرشّح توافقي يقود الحلم التونسي إن نجح أولاد الحلال في تقريب وجهات النظر بينهما.
رئاسة الاتحاد الافريقي لكرة القدم ليست بالأمر الهيّن وهي استحقاق ليس في متناول أيّ كان وفرصة الوصول الى الكرسي الذهبي قد لا تكرّر كثيرا بالنظر الى الثقل المعنوي الكبير الذي يمثّله هذا الموقع الاستراتيجي على رأس الخارطة الرياضية الافريقية… وما يجعل الأنظار تتّجه حصرا هذه الايّام الى كواليس الـ”كاف” هو صعود اسم التونسي طارق بوشماوي الى واجهة الأحداث كمرشّح بارزا لحسم الأمور لصالحه بالنظر الى الخبرة الكبيرة التي اكتسبها على مرّ السنين والى شبكة علاقاته الواسعة ومترامية الأطراف في الداخل والخارج والتي قد تجعل منه اسما خارج دائرة المنافسة…
هذا المعطى جعل بعض الأسماء الكبيرة في كرة القدم الإفريقية تتوجّس وتترقّب لتنتظر التعرّف على مصير بوشماوي قبل الافصاح عن خطواتها القادمة وخوض لعبة الانتخابات على غرار المرشّح المصري هاني أبو ريدة الذي تقول مصادر مصرية عليمة بأنه لن يغامر بدخول انتخابات تميل فيها الكفّة سرّا وعلنا لفائدة بوشماوي الذي تجاوزه سابقا في امتحان الفيفا… ولكن يبقى العائق الوحيد الذي يحول دون ترشّح بوشماوي بشكل رسمي وعلني هو تزكية الجامعة التونسية لكرة القدم التي قرّرت في اجتماعها الدوري الأخير مساندة رئيسها وديع الجريء وهي الخطوة التي تعني خروج بوشماوي من السباق الرئاسي بشكل نهائي.
البعض يرى أنّ اختيار المكتب الجامعي على ترشيح وديع الجريء لخوض انتخابات المكتب التنفيذي للـ”كاف” حقّا مشروعا طالما أنّه يحقّ للجريء أن يحجز لنفسه موقعا بين كبار القوم وهو الذي يجيد اللعب مع الكبار ولكن هذا الطرح قد لا يستقيم كثيرا لأنّ حلم الجريء قد يشكّل كابوسا مزعجا لكل التونسيين لأنّه قد يحرمهم من فرصة تاريخية يكون فيها الـ”كاف” بين أياد تونسية أمينة ستحمي مصالح الجمعيات والمنتخب وستعزّز من الديبلوماسية الرياضية التونسية في عالم الساحرة المستديرة خاصة أنّ الوصول الى المكتب التنفيذي للاتحاد الافريقي ليس انجازا كبيرا فقد سبقه الى ذلك كثيرون… لذلك لم يعد البعض يتحرّج من دعوة الجريء علنا الى تحكيم لغة العقل والى تغليب المصلحة الوطنية والتنحّي من السباق الفرعي لانتخابات الـ”كاف” وهي دعوة معقولة ومقبولة لكنها لا تجد آذانا صاغية باعتبار أنّ رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم حسم على ما يبدو أمره وقدّم أوراق اعتماده بصفة رسمية.
أمام هذا المأزق القانوني والأخلاقي قد تخرج تونس من انتخابات الـ”كاف” بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها خاصة أن تباين وجهات النظر بين الجريء وبوشماوي وتضارب مصالحهما قد يعمي بصيرتهما أو قد يضلّ طريق أحدهما على الأقلّ إذا لم يقع التعامل مع هذا الأمر بتعقّل أكبر وبتروّ وحكمة أكثر وقد يكون الحلّ الأمثل أمام المصلحة الوطنية والرياضة التونسية هو تقديم ترشّح مزدوج بما أنّ القانون يسمح بذلك… هذه الفرضية تسمح بتقديم ترشّح وديع الجريء لانتخابات المكتب التنفيذي وهي في الآن نفسه لا تمنع مباركة الجامعة التونسية لكرة القدم ترشيح طارق بوشماوي لرئاسة الـ”كاف”. وفي هذه الحالة ينصّ القانون على أنّه في صورة فوز بوشماوي بانتخابات رئاسة الكاف فإنّه لا يمكن للجريء الترشّح لعضوية المكتب التنفيذي الذي تجرى انتخاباته مباشرة بعد انتخاب الرئيس لأنّ القانون الداخلي للاتحاد الافريقي يمنع أن يكون الرئيس وأحد أعضاء مكتبه التنفيذي من نفس البلد وبطبيعة الحال في صورة هزيمة بوشماوي سيكون الطريق مفتوحا أمام الجريء لتحقيق حلمه….
بكلّ تأكيد لا أحد بإمكانه التأثير أو تغيير قناعات الجريء المعروف بعناده وبتصلّب مواقفه كما أنّه لا يُعقل أيضا دفع الرجل عنوة الى السير بعيدا عن الخارطة التي رسمها لنفسه وهو الذي يتلذّذ بالسير عكس التيّار وعكس الاملاءات… ولكن في المقابل لا يبيح هذا أن يسمح رئيس الجامعة لنفسه مهما كانت اعتباراته الشخصية والموضوعية بتوظيف الجامعة والرياضة التونسية لخدمة أجنداته ومصالحه الشخصية على حساب المصلحة الوطنية…
الى ذلك الحين وعلى أمل الجلوس على طاولة واحدة عسانا ننجح في توحيد الصفوف وفي تقريب وجهات النظر لا ضرر في أنّ تفكّر الجامعة في تغيير موقفها وتقبل تقديم ترشّح مزدوج… أعلاه يُلامس عتبة السماء ويفتح لنا جميعا باب المجد والقمّة وأدناه يضمن لنا مقعدا مريحا في لمّة الأقوياء… وبين المنزلتين قد لا تفوّت تونس على نفسها هذه الفرصة الذهبية والتاريخية في الوصول الى زعامة شرفية تعني لنا الكثير… هذا أفضل لنا جميعا إن كنتم لا تعملون…