الشارع المغاربي-بقلم معز زيّود : يبدو أنّ رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لا ينعم بنومٍ هادئ هذه الأيّام. ملامحه المرهقة وتصريحاته الأخيرة المرتبكة تدلّ على ذلك، وتُنبئ خصوصا بأنّ الشكّ بدأ يُساوره بشأن ضمان حظوظ عبد الفتّاح مورو مرشّح الحركة للانتخابات الرئاسيّة في المرور إلى الدور الثاني من هذا الاستحقاق…
ولا تتعلّق حالة القلق الشديد التي تنتاب الغنوشي اليوم برغبته الجامحة في وصول نائبه مورو إلى القصر الرئاسي، بعد أن استحال عليه هو معانقة حلم قرطاج، وإنّما بما قد تُخلّف الهزيمة المحتملة في استحقاق يوم 15 سبتمبر من تداعيات سلبيّة من شأنها أن تؤثّر بقدر ما في المسار الانتخابي التشريعي، وخاصّة في حظوظ حركته وقدرته على المناورة خلال المفاوضات غير المعلنة المنتظرة.
والواضح أنّ هذا التخوّف لم يأت من فراغ، وإنّما ينبني على استنتاجات موضوعيّة ويستند إلى تقارير قد تكون مفزعة، وتصل إلى شيخ النهضة بشكل يومي سواء من لجانها الانتخابيّة أو مكاتبها الجهويّة والمحليّة المنكبّة على إدارة الحملة الانتخابيّة لمرشحها الرئاسي والإعداد بالتوازي للاستحقاق التشريعي.
وتعود حالة الارتباك السائدة حاليّا في صفوف قيادات حركة النهضة إلى التحوّلات التي قد تكون مسّت الخزّان الانتخابي التقليدي للحركة، وجعلت قاعدتها غير مضمونة ومطيعة لتوجيهات القيادة كما كان حالها دائما. وهو ما يعني أنّ الكثير من أنصار النهضة قد ينقادون إلى التصويت لصالح عدد من المرشّحين الآخرين الأقرب إلى توجّهاتهم من المرشّح الرسمي للحركة.
ولا ريب أنّ حظوظ عبد الفتّاح مورو في المرور إلى الدور الثاني ستتضاءل كثيرًا في حال أصرّ “الإخوة المنافسون” أو “شقّ الثورة”، مثلما سمّاه الغنوشي، على مواصلة السباق الرئاسي، وفي مقدّمتهم الرئيس الأسبق للحركة وللحكومة وصاحب الشرعيّة السجنيّة حمّادي الجبالي أو كذلك المنصف المرزوقي الذي صوّت له معظم النهضويّين في انتخابات 2014 أو أيضا سيف الدين مخلوف الذي يُناصر الشقّ المتصلّب من القاعدة النهضويّة أو حتّى قيس سعيّد الذي قدّم كلّ “التطمينات” المتعلّقة بالحفاظ على مضامين القوانين ذات المرجعيّة الإسلاميّة في عدد من القضايا الخلافيّة التي تمسّ بالحقوق الفرديّة.
تجدر الإشارة إلى أنّ العديد من صفحات الميديا الاجتماعيّة التونسيّة تروّج بيانات في شكل استطلاعات رأي تُسوّق لتدحرج مورو في نوايا التصويت إلى المرتبة الثالثة، بما يعني خروجه من السباق الرئاسي. وهي على الأرجح استطلاعات رأي مفبركة يُروّجها هذا الشقّ أو ذاك لمحاولة التأثير في الناخبين، باعتبار أنّ القانون الانتخابي يمنع تداولها خلال فترتي الحملة الانتخابيّة والصمت الانتخابي. وبصرف النظر عن مضامينها الدعائيّة فإنّها قد تُعمّق القلق السائد داخل قيادات حركة النهضة إزاء تراجع حظوظ مرشحها الرسمي.
ولو أنصتنا خصوصا للتصريحات الأخيرة للغنوشي، لتبيّنا حالة التخوّف والارتباك من احتمال أنّ تُمنى حركة النهضة بانتكاسة انتخابيّة بعد أيّام، إلى درجة تكذيب مدير الحملة الانتخابيّة للمرزوقي لما أعلن رئيس حركة النهضة بشأن الاتصال به لدعوته إلى الانسحاب لصالح عبد الفتّاح مورو.
وكان رئيس حركة النهضة قد طالب المرشّحين حمادي الجبالي والمنصف المرزوقي وسيف الدين مخلوف بالانسحاب من السباق الرئاسي لصالح المترشح عبد الفتاح مورو. وقال في حوار مع إذاعة الكرامة بسيدي بوزيد إنّ “هناك اتصالات لعلّها تُثمر… نأمل أن يتغلب العقل السياسي على العواطف والمشاعر والانفعالات”، معتبرا أنّ هؤلاء ليس لهم فرص موضوعيّة في المرور إلى الدور الثاني، ومعربًا عن أمله في “أن يتغلّب العقل لمصلحة البلاد ومصلحة الثورة على المصالح الذاتيّة”.
في السياق ذاته، أكّد الغنوشي تحديدا أنّ “هناك مشاورات مع المرشح المرزوقي لسحب ترشّحه لإنقاذ توجّه الثورة”، على حدّ تعبيره، مُذكّرا إيّاه بدعم النهضة له في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014. معطيات نفى عماد الدايمي مدير الحملة الانتخابية للمرزوقي صحّتها نفيًا قاطعا، معتبرًا إيّاها من قبيل “المناورات الفاشلة تضرّ ولا تنفع”. والأكثر من ذلك أنّه خطّ على صفحته بموقع “فايسبوك” ردّا متهكّما وشديد اللهجة، إلى درجة تلميحه إلى أنّ الغنوشي لا يدخل البيوت من أبوابها وإنما فوق أسوارها كاللصوص، قائلا في هذا المعنى “من يريد الحوار يدقّ الباب ولا يتسوّر الجدار”.
وفي المحصّلة، فإنّ هذه التطوّرات تعكس خوفا حقيقيّا من الفشل في تمرير المترشّح الرسمي لحركة النهضة إلى الدور الثاني للاستحقاق الانتخابي. وهذا ما دفع الغنوشي وعددا آخر من قيادات الحركة إلى توجيه ما يمكن وصفه بـ”نداءات استغاثة” إلى قواعد الحركة بعد العجز عن إقناع المرشحين المنافسين على اقتسام الخزّان الانتخابي نفسه بضرورة الانسحاب من السباق الرئاسي.
لا شكّ إذنّ في أنّ نداء الغنوشي المتكّرر لا يستهدف هؤلاء المرشّحين بقدر ما يهدف إلى حشد قواعد حركة النهضة وأنصارها باختلاف فئاتهم. وهو ما يكشف أنّ مخطّطات قيادة الحركة لما بعد الدور الأوّل من الانتخابات الرئاسيّة، وخصوصا ما يتّصل منها بشروط تحالفاتها المقبلة وصفة الغنوشي في البرلمان الجديد وترتيبات التوافقات الحكوميّة، كلّها باتت غير مضمونة المآل…