الشارع المغاربي: مُخرجات اجتماع الموقّعين على وثيقة قرطاج المنعقد يوم أمس الاثنين بإشراف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ينبئ بتغييرات قادمة سيعرفها المشهد الحكومي على ضوء إجماع بنهاية الثقة في حكومة يوسف الشاهد .
لأكثر من ساعتين ونصف ، تداول المجتمعون بقصر قرطاج يوم أمس الوضع العام بالبلاد وما يستوجب من قرارات وإجراءات ، قبل ان تنتهي النقاشات بخارطة طريق وأجندة عمل ستنفذ بحر هذا الأسبوع والبداية باجتماع اللجنة الفنية اليوم الثلاثاء 15 ماي 2018 للتدقيق في مسودة “وثيقة قرطاج 2” ، ثم لقاء يوم الجمعة أو السبت القادم للبت في تركيبة الحكومة والشخصية “الأكثرأهلية لقيادة وتنفيذ مضامين وثيقة قرطاج 2“.
خفايا الاجتماع
غاب الدعم والمساندة عن مداخلات المشاركين في اجتماع يوم أمس لحكومة الشاهد ، وتضمنت جلها تنبيهات من مخاطر تحدق بالدولة، مخاطر لخصها راشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة بتحذير صريح من شبح الإفلاس ، وتنبيهات جاءت على لسان كل من أمين عام اتحاد الشغل ورئيس منظمة الأعراف من حالة شلل محتملة إن تواصلت معضلة انعدام الثقة بين الحكومة والأطراف الاجتماعية والاهم مع ” الشعب “.
وحسب ما تحصل عليه “الشارع المغاربي” من معطيات ، فإن النقاشات عادت الى المؤشرات الاقتصادية التي تلخص كلها فشلا حكوميا “لا غبار عليه” ، بالإضافة إلى عرض تداعيات تواصل أزمة المالية العمومية والصعوبات المتفاقمة في خلاص أجور الموظفين والتأخير الحاصل في سداد جرايات المتقاعدين ، وغياب الحلول عن الحكومة باستثناء التسوّل لدى الصناديق الدولية.
ومن المفارقات ان كل المشاركين في الاجتماع اتفقوا على اختيار يوسف الشاهد وحكومته “كبش فداء ” وتحميله لوحده هو وحكومته الفشل الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي ، في وقت تفترض المشاركة في الحكم تقاسم النجاح والفشل على حد سواء ، ليتم بدلا عن ذلك إجماع على إعدام “حكومة الشاهد” والانطلاق ضمنيا في البحث عن البديل.
وحملت تسريبات الاجتماع تأكيدات من مشاركين فيه ، على اتفاق على وجوب العمل على إعادة الثقة بين السلطة والشعب ، وهذا التوجه لن يكون ممكنا ، وفق تقديرات الحاضرين ، إلا عبر تشكيل حكومة جديدة اختلفت تسمياتها والمقترحات حول عدد وزرائها ، وتتجه ضمنيا ، حسب التقييمات المقدمة، نحو توافق على تشكيل حكومة انقاذ وطني بفريق وزاري مصغر .
هذا التوجه سيُثبّت بشكل رسمي يوم الجمعة او السبت القادم، تاريخ فتح الرئاسة أبوابها من جديد لاحتضان اجتماع الموقعين على وثيقة قرطاج من رؤساء أحزاب ومنظمات وطنية ، سيخصص للمصادقة على مسودة المقترحات المقترحة من قبل اللجنة الفنية والاعلان بالتالي عن ميلاد “وثيقة قرطاج2“.
الاجتماع المرتقب سيشهد أيضا اتفاقا حول الفريق “المؤهل” لتنفيذ الوثيقة ، وسيطرح على طاولة النقاش بالتالي البديل عن حكومة أجمع المشاركون في المشاورات الجارية على فشلها ، وعلى حصاد عملها الهزيل الذي سيؤدي في صورة تواصله إلى مزيد تأزم الوضع خاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي .
وستكون أول محطة قبل الإعلان عن ميلاد وثيقة قرطاج 2 ، اجتماع اللجنة الفنية يوم غد التي ستتكفل بإعادة النظر والتدقيق في المسودة المقترحة ، التي قدمت بصياغة “مخيبة للآمال” ووصفها احد المشاركين في اجتماع يوم أمس بـ“الركيكة” وبأنها “مُبوّبة“ بطريقة اعتباطية .
وكانت رئاسة الجمهورية قد دعت الاحزاب والمنظمات الى تقديم اقتراحاتها وتعديلاتها بخصوص المسودة قبل يوم الخميس المنقضي ، حسب ما أكد للشارع المغاربي مصدر مطلع ، ورغم المراجعات لم تخل المسودة من هنات يبدو أن لفريق الرئاسة الذي تترأسه الناطقة الرسمية سعيدة قراش جزءا كبيرا من مسؤولية الاصدار سيء الاخراج الذي لم يرُق خاصة لرئيس الجمهورية.
الى ذلك ، رحلت عدد من النقاط التي تم تضمينها بشكل ” مبهم“ لنقاش من جديد ، من ذلك ملف الصناديق الاجتماعية والمؤسسات العمومية ، وسيكون لاتحاد الشغل الذي قدم أمينه العام يوم أمس خطابا مرنا كشف استعداد المنظمة لتنازلات إن شملت كل الأطراف ، دورا في حسم نقطة خلافية كانت قد تسببت في مغادرته غاضبا احد اجتماعات اللجنة الفنية ، وتتعلق برفض شرط قدمه ممثل المركزية النقابية والقاضي بتفعيل كل الاتفاقات المبرمة بين الحكومة واتحاد الشغل منذ سنة 2011.
ما يمكن تأكيده من خضم تسريبات الاجتماع ، أو ما يمكن بالأحرى تلخصيه وجود اجماع على نهاية حكومة الشاهد وخروجها عن دوائر التوافق ، حتى من حزبه نداء تونس ، اذ جاء في مداخلة ممثله حافظ قائد السبسي تأكيد على أن ” الحكومة لم تعد تحظى بثقة أي طرف” اي ضمنيا نداء تونس .
تحالفات حددت مصير الشاهد
لم ينطلق اجتماع القصر يوم امس الاثنين مثلما تم الإعلان عنه ، بل انطلق منذ الخميس المنقضي تاريخ بدء مشاورات بين حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لنداء تونس وراشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة ونور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل ، علاوة على التنسيق الرئاسي حول ” خطة تشكيل حكومة جديدة“.
ما جد في الايام القليلة التي سبقت اجتماع القصر حدد مصير يوسف الشاهد ، من ذلك الاجتماع غير المعلن بين حافظ قائد السبسي وراشد الغنوشي ، وخلاله اتفق الطرفان ، حسب ما توفر من معلومات ، على استمرار التحالف على المستوى البلدي ، وتحميل يوسف الشاهد مسؤولية ضعف المشاركة في الانتخابات وتقديم المقاطعة الشعبية كدعوة لإقرار تغيير حكومي شامل .
وقد يكون الاجتماع تطرق أيضا إلى تقاسم رئاسات البلدية ، وطلب قائد السبسي الابن دعما نهضويا للتقليص من حدة الفشل الانتخابي الندائي ، عبر دعم صعود فائزين عنه لرئاسة البلديات ، وان كان ما ُيقدم من تسريبات بخصوص لقاء “حافظ والشيخ” غير المعلن يبقى غير رسمي ، فان تعديل موقف النهضة من بقاء الشاهد على رأس الحكومة يؤكد وجود اتفاقات أبرمت بين الحزبين.
إذ سبق للنهضة ان أكدت على لسان رئيسها راشد الغنوشي رفضها تغيير رئيس الحكومة ، وكان نور الذين الطبوبي قد أكد أيضا في حوار مع جريدة “الصحافة” أن النهضة هي الداعم الوحيد للشاهد وانه “أصبح يتكأ عليها” ، كل هذا قبل ان يعلن الغنوشي يوم امس عقب انتهاء الاجتماع ” ان النهضة متمسكة بالتوافق” قبل أن يضيف ردا على سؤال حول بقاء الشاهد من عدمه ان “الحركة لا تتمسك بالأشخاص“.
من جهة اخرى ، استقبل الطبوبي يوم الجمعة المنقضي بشكل غير معلن ابن الرئيس “حافظ” ، اجتماع يندرج في إطار ترتيبات لقاء يوم امس المنعقد بالقصر الرئاسي ، والمتابع لحراك الطبوبي منذ طرح تغيير يشمل رأس الحكومة ، يلاحظ التقارب بينه وبين المدير التنفيذي لنداء تونس ، ومقربون من المشاورات يؤكدون وجود “تنسيق مستمر بينهما“.
وفي المحصلة يبحث نداء تونس عن كبش فداء يقلل من وقع هزيمة البلديات ووجد في يوسف الشاهد ضالته ، فالابن الضال الذي عاد الى أحضان حزبه بعد خسارته دعم اتحاد الشغل ، عجز رغم مشاركته في الحملة الانتخابية وحشد وزرائه لدعم نداء تونس في الفوز بدعم البقاء ، ولا نخال ان موقف نداء تونس لا يتقاطع مع موقف رئيس الجمهورية أو تم دون تنسيق معه.
في المقابل تبحث حركة النهضة عن الابقاء على تحالفها مع نداء تونس ، والامر مفهوم في ظل اللاءات المرفوعة من قبل أكثر من طرف ازاء التحالف معها في المجالس البلدية . أما اتحاد الشغل ومنظمة الاعراف فالرهان اليوم بعد كسب جولة اقرار تغيير جذري ، احتواء مطامح حزبي النهضة والنداء اللذين يبحثان عن حكومة محاصصة جديدة ويرفضان قطعيا تشكيل حكومة كفاءات أو حكومة انقاذ تقودها شخصية وطنية .
سياسيا يعني الاجماع على فشل حكومة يوسف الشاهد في اجتماع ترأسه الباجي قائد السبسي تحول حكومة الشاهد الى حكومة تصريف أعمال ، فيما يمثل صدور مقترح تغيير رئيس الحكومة بإجماع من الموقعين على وثيقة قرطاج انتصارا جديدا للباجي قائد السبسي في إحدى مجالاته المفضلة “المناورات” ، الذي مكنه من الخروج في ثوب الحريص على اتمام برنامج “انقاذ وطني” واقعي ، في وقت لا يشك المتابع لتطورات العلاقات بينه وبين الشاهد خيبة أمله من اداء يعتبره متواضعا ، ومن طموحات يرى فيها تجاوزا للخطوط الحمراء …