الشارع المغاربي – خلفيات‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وصمت‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬المدوّي/ بقلم: عمر‭ ‬صحابو

خلفيات‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وصمت‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬المدوّي/ بقلم: عمر‭ ‬صحابو

قسم الأخبار

11 مارس، 2022

الشارع المغاربي: لحرب أوكرانيا حسب رأيي واجهات ثلاث، واجهة ظاهرة وواجهتان باطنتان. الواجهة الظاهرة هي ما نشاهده اليوم ميدانيا من غزو مدبّر وممنهج لبلد من قبل جيش دولة مجاورة، غزو سينتهي لا محالة، عاجلا أم آجلا، بإخضاع الجمهورية الأوكرانية للحكم الروسي، كشأن الشيشان وروسيا البيضاء وبقية بلدان القوقاز. قد تستفحل الحرب ويستبسل الأوكرانيون في الدفاع عن بلادهم بفضل المعاضدة التي تبدو جباّرة من الحلف الأطلسي، إلاّ أن المآل النهائي للصراع لن يكون إلاّ لصالح الروس لأنهم لن يقبلوا أبدا بالهزيمة في أوكرانيا حتى لو استوجب الأمر تدميرها كليا.

ما هي الأسباب الخفية لهذه الحرب؟ هنا نأتي إلى الواجهتين الباطنيتين. لا يخفى عن كل متتبع جدي لتطورات الأزمة منذ نشأتها أن أمريكا هي التي اجتهدت في فبركتها لسببين لهما انعكاسات عالمية جذرية. السبب الأول مرده الخشية كل الخشية من تقارب جغراسياسي بين روسيا وألمانيا، البلدان اللذان تربطهما علاقات جذورها ضاربة في قدم الزمان اذ أن ألمانيا هي التي بنت بفضل قوتها الصناعية المبكرة روسيا ما قبل الثورة البلشفية. كما يجمع اليوم البلدين مشروع جيوتجاري مصيري بالنسبة لكلاهما يتمثل في خطّ أنبوب بحري يزوّد ألمانيا مباشرة بالغاز الروسي اسمه “نورثستريم2” North stream 2 ترى فيه أمريكا تهديدا لسيادتها بأوروبا. هذا الخط بات جاهزا اليوم وإذا دخل حيز التفعيل ستتحول ألمانيا وروسيا الى شريكين متشابكي المصالح وإلى فضاء عظيم ليس للمبادلات الحرة بينهما فحسب وإنما إلى فضاء جغراسياسي يرتقي بألمانيا الى ما كانت تصبو اليه دائما من حضور سياسي عالمي في حجم مرتبتها كثالث أعظم قوة اقتصادية. أما بالنسبة لروسيا فلن تجني منه إلا الفوائد وأولها القضاء – بعد تنصل ألمانيا منه – على الحلف الأطلسي الذي قال عنه مؤخرا الرئيس الفرنسي ماكرون إنه في حالة شلل دماغي.

من ثمّة تظهر بكل جلاء الفبركة المسبقة لأزمة أوكرانيا لعزل روسيا والقضاء خاصة على مشروع أنبوب الغاز. قالها صراحة الرئيس الأمريكي بايدن عند استقباله مؤخرا المستشار الألماني : “إذا أقدمت روسيا على الغزو فلن يكون هناك أبدا “نورثستريم2″ سنضع حدّا له نهائيا”. أما نائبة وزير الخارجية الأمريكي فقد صرحت في ندوة إعلامية يوم 27 جانفي الماضي : “إذا غزت روسيا أوكرانيا لن يشهد خط أنبوب بطريقة أو أخرى أي تقدم” ممّا يوحي بمدى تركيز أمريكا على هذا المشروع ومدى تخوفها من تداعياته على هيمنتها في أوروبا وديمومة نفوذها كأعظم قوة اقتصادية وعسكرية في العالم. هل وقعت ألمانيا وروسيا في الفخّ؟ هذا ما ستبديه الأيام لكن أراهن شخصيا على صمود خط الأنبوب وإتمامه ممّا سيؤدي الى تغيير جذري في المشهد الجغراسياسي الأوروبي وبالتالي العالمي.

أما الواجهة الباطنية الثانية فتتعلق بانزعاج أمريكا من الثورة التي أعلنها صراحة الرئيس الروسي على ما يسميه “ألوهية الدولار” المهيمن على الاقتصاد العالمي غصبا وكرها بعد أن سمحت أمريكا لنفسها بأن تشذّ عن اتفاقات Bretton woods التي تفرض عليها توازنا بين مخزونها من الذهب ومقدار الدولارات المسرحة. انبرى الرئيس الروسي في التحرّر من أية تبعية مالية تجاه أمريكا بعد أن تخلص من كل الدولارات وسندات الخزينة الأمريكية وشرع مع حليفته الصين في إعداد نظام مالي عالمي جديد. روسيا والصين تتبادلان الآن تجاريا بعملتيهما الوطنيتين. لا يخفى على أحد أن مجرد التفكير في تحرير العالم من سلطان الدولار يُعد من قبل أمريكا خطّا أحمر لن تسمح بتخطّيه ولو كلّفها ذلك حربا عالمية!

تلك هي خلفيات افتعال حرب أوكرانيا، قطعة شطرنج من يكسبها يفوز على خصمه بـ “كش مات” بلغة الشطرنج!

بعد زمن ليس بالبعيد سيقبل العالم بالأمر الواقع الجديد يعني ضمّ أوكرانيا بلادا ودولة وحكومة إلى الفضاء الجغراسياسي الروسي ويبقى الصراع ويحتدّ بين الحلف الأطلسي والمحور الروسي الصيني ويأخذ أشكالا أخرى على خلفية رعب أمريكا من محور جبّار ألماني – روسي ومن سقوط ألوهية الدولار.

وهل أتى إلى علم قيس سعيد الرئيس التونسي الحالي كل هذه الحقائق عندما اختار سهولة الاختفاء وراء بعض من المبادئ المبتذلة والمنددة مبدئيا بغزو بلد مستقل ومعترف به دوليا من قبل دولة أخرى مثلما جاء في البيان الباهت لوزارة الخارجية التونسية؟ كان من المفروض والمنطقي ومن باب اليقظة والمسؤولية أن نلتزم في هذا الصراع بمبدإ عدم الانحياز الذي دأبت عليه سياستنا الخارجية لأن الشيطان يسكن في أهداف كلتا القوتين ولا أحد منهما يجالس الملائكة وقد سبق لأمريكا أن غزت أكثر من 50 بلدا وتحتفظ الآن بأكثر من 800 قاعدة عسكرية عبر العالم. ثمّ ما معنى هذا الصمت المدوّي للسيد قيس سعيد؟ ما معنى أن ينشغل بمراسيم تنظم حتى “الكلافس والمعدنوس” ويغفل عن التوجه للشعب التونسي مثلما فعل جلّ رؤساء الدول بخطاب في مستوى هول الحدث الذي تعيش على وقعه كامل البشرية يشرح فيه تداعيات الحرب على بلادنا وما هو منتظر من التونسيين للخروج من هذه الأزمة بأقل الأضرار؟ لم أره مجتهدا إلا في صراخه العنتري حول قدسية القضية الفلسطينية، صراخ دون جدوى ولا يخدم مصالح بلادنا العليا!

كان لتونس في مثل هذه الأزمات العالمية الخطيرة صوت مسموعا ومحترما. كان موقفها يؤخذ بجدية ضمن مواقف أكبر عواصم العالم. نعم يُذكر موقف بورقيبة مع مواقف بريجنيف وديغول وتيتو ونهرو وعبد الناصر وكانت الدول الافريقية – حسب ما أسرّ لي بذلك المرحوم الباجي قائد السبسي ذات يوم – تنتظر موقف تونس لتنسج على حكمته وشجاعته.

طبعا دون السقوط في غباوة المقارنة بين بورقيبة وقيس سعيد، غير أن صمت قيس سعيد مزعج لأننا نشعر كتونسيين وكأننا بلا رئيس.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 8 مارس 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING