الشارع المغاربي-حوار-محمد الجلالي: اعتبرت رجاء الجبري رئيسة شبكة “مراقبون” ان رئيس الجمهورية قيس سعيد انتهج مسارا مشوبا بأخطاء عديدة بداية من تحديد تاريخ الاقتراع قبل انجاز الدستور مرورا بتأخير تعيين أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وصولا الى مطالبة اللجنة الاستشارية بصياغة دستور في 3 أسابيع مشيرة الى ان هذا المسار نسف كل معايير الانتخابات النزيهة.
الجبري لفتت أيضا في حوار أسبوعية “الشارع المغاربي” معها الى ان الهيئة تماطل في تمكين ملاحظي الانتخابات من بطاقات اعتماد مبرزة ان ذلك أثر على مراقبة عمليات تسجيل الناخبين.
في البداية الى أي مدى قد يؤثر تأخر انطلاق عمل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على مسار الاستفتاء وعلى نزاهة نتائجه؟
لو تفحصنا آخر اعمال الهيئة للاحظنا تأخرها في نشر روزنامة الاستفتاء واصرارها على ان يكون لها مفعول رجعي بما انها أصدرت الروزنامة في 3 جوان الجاري وأقرت انطلاق حملة ما قبل الاستفتاء بداية من 3 ماي الماضي. الهيئة برّرت هذا الاشكال بتأخر رئيس الجمهورية في اصدار دعوة الناخبين وهو خيار غير صائب لأنه تسبب في إضفاء حالة من الضبابية لدى الفاعلين السياسيين والمراقبين والإعلاميين. نحن الى اليوم ننتظر اصدار قرار مشترك بين هيئة الانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري وما زلنا كمجتمع مدني ننتظر من الهيئة قبول مطالب الاعتماد لتمكين ملاحظينا من مراقبة المسار. وبسبب مماطلتها بتنا نواجه صعوبات ببعض مكاتبها الجهوية.
هل يعني هذا انكم اصبحتم ممنوعين من مراقبة عمليات تسجيل الناخبين في بعض الهيئات الفرعية؟
ما لمسناه ان الهيئات الفرعية ما فتئت تطالب ملاحظينا بالاستظهار ببطاقات اعتماد بينما رفضت الهيئة قبول مطالبها. ومن غير المعقول ان يكون عملنا رهين السلطة التقديرية لكل مكتب جهوي. لم لا تبادر الهيئة بقبول مطالبنا ثم تمنحنا بطاقات اعتماد وقتية في انتظار فتح طلب عروض وابرام صفقة عمومية مع احدى الشركات للتزود ببطاقات اعتماد رسمية؟
ما هي انعكاسات هذا التأخير على الفاعلين السياسيين؟
حتى الأحزاب انتظرت الى حدود يوم أمس الاثنين للاطلاع على النص الترتيبي الصادر عن الهيئة لمعرفة شروط إيداع تصاريحها ونشر استمارة التصريح وشروط المشاركة والأطراف المعنية بالمشاركة وبقية الإجراءات. لو عدنا الى مضمون روزنامة الاستفتاء لاكتشفنا ان المدة التي منحتها للأحزاب قبل ان تحدد موقفها من الدستور المنتظر اعداده لا تتجاوز 24 ساعة. فهل يعقل ان يتمكن حزب من الاطلاع على كل فصول الدستور ودراستها ومناقشتها واستشارة هياكله المركزية والجهوية واتخاذ موقف جدي في ظرف 24 ساعة فقط؟ نعتقد ان الاستفتاء سيكون استفتاء على صاحب المشروع أي رئيس الجمهورية لا على مشروع الدستور.
كيف ستمنع هيئة الانتخابات إشهارا سياسيا يعود الى شهر ماي الماضي بقانون صادر في شهر جوان الجاري؟
للأسف هذا ما اقرت هيئة الانتخابات. فهل ستعود الهيئة الى شهر ماي للتثبت من وجود عمليات اشهار سياسي بالبرامج الإعلامية او بالمقالات الصحفية في ظل روزنامة صادرة بعد شهر وفي غياب أي قرار مشترك مع “الهايكا”؟ نحن اذن إزاء اشكال قانوني كان بالإمكان تفاديه لو لم يتأخر كل مسار الاستفتاء. اعتقد انه من العبث إلزام كل الأطراف المتدخلة في مسار الاستفتاء بهذا الأثر الرجعي لقرار 3 جوان. اجمالا تخللت المسار برمته أخطاء وهنات ما فتئت تتكاثر كلما اقترب موعده.
ونحن على أبواب التسجيل الآلي الذي ستقوم به الهيئة بداية من يوم 15 جوان الجاري هل لك ان توضحي لنا مزاياه وحدوده؟
صحيح ان التسجيل الآلي سيمكن هيئة الانتخابات من تسجيل كل الناخبين الذين بلغت أعمارهم 18 سنة وفي وقت وجيز وعددهم مليونان ونصف مليون ناخب أي أكثر من 30 % من العدد الجملي ولكنها ستواجه تحديات كبرى في التثبت من هذا العدد وفي توزيع الناخبين على مكاتب الانتخاب حسب عناوينهم وفي توفير الموارد البشرية واللوجستية الإضافية. المعلوم ان الهيئة لم ترفّع في عدد اعوانها ولم تفتح مكاتب اقتراع جديدة بما يعني على الأقل زيادة عدد الناخبين بكل مكتب بالإضافة الى طول مدة الانتخاب التي ستمتد من السادسة صباحا الى العاشرة ليلا مما سيؤثر على جودة نتائج الاقتراع.
الى أي مدى سيؤثر موعد الاستفتاء الموافق ليوم الاثنين وفي فصل الصيف على الاقبال؟
فضلا عن ان نسبة العزوف عن التصويت في المواعيد الانتخابية السابقة شهدت ارتفاعا ملحوظا لم يتعود التونسيون على الاستفتاء ولا يعرفون ما معنى استفتاء أصلا. ثم ان تزامن استفتاء 25 جويلية مع فصل الصيف الذي يشهد ارتفاعا غير مسبوق في درجات الحرارة ومغادرة أغلب العائلات منازلها نحو البحر لقضاء العطلة وعودة جاليتنا من المهجر أو تزامن يوم ذهابها للاقتراع مع يوم الاثنين وهو ليس بيوم عطلة كلها عوامل ستزيد من عزوف الناخبين. كما ان تحديد تاريخ الانتخابات التشريعية ليوم 17 ديسمبر القادم الموافق ليوم السبت وفي فصل الشتاء قد يساهم في تخلف عديد الناخبين عن مراكز الاقتراع. ثم ان المناخ السياسي المتوتر سيزيد بدوره في زعزعة الثقة في نتائج التصويت. كان على رئيس الجمهورية ان يمر مباشرة بعد 25 جويلية 2021 من حالة الاستثناء الى حوار وطني حول ثلاثة او أربعة مواضيع كبرى ثم يتم اجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها قبل تنصيب برلمان ينظر في كل الإصلاحات الكبرى ولكنه اختار تمشيا مختلفا. ولكم ان تتمعنوا في تركيبة اللجنة الاستشارية للجمهورية الجديدة التي تم تنصيبها بشكل متأخر جدا وفي غياب أي تناغم مع روزنامة الانتخابات بما ان نص الاستفتاء الذي تنكب عليه اللجنة لم يصدر بالتزامن مع أمر دعوة الناخبين. ومن المفارقات العجيبة ان دستور 2014 تطلب 3 سنوات من عمل المجلس التأسيسي بينما ستستغرق اللجنة الاستشارية 3 أسابيع فقط لصياغة الدستور الجديد. نحن الآن ذاهبون الى استفتاء دون ان نطلع الى اليوم على النص الذي سنصوت عليه.
لا تزال تركيبة الهيئات الفرعية للانتخابات منقوصة خاصة من عضوية القضاة المضربين حاليا. ألا يهدّد ذلك مسار الاستفتاء؟
أبرز نقطة في تحرك القضاة ضد عمليات العزل التي طالت زملاءهم هي عدم ترشحهم لعضوية الهيئات الفرعية وهذا سيؤدي الى عدم اكتمال نصاب عديد المكاتب الفرعية وهو في حد ذاته اشكال. بل ارتفعت مؤخرا أصوات تنادي بتسخير القضاة او تسخير موظفين عموميين ولا ندري ان كانت هيئة الانتخابات واعية بهذا المأزق وان كانت تفكر في سيناريو بديل. هل ستعيد نشر بلاغ جديد بشروط جديدة ؟ هل ستتخلى عن عضوية القضاة ؟ وهل تسمح لها الآجال بنشر بلاغ جديد للترشح ؟ في الاثناء تفتقد اغلب الهيئات الفرعية لمنسقين جهويين بما اجبر بعضهم على الاشراف على أكثر من هيئة فرعية. وقد لاحظنا خلال مراقبتنا عمل المكاتب الجهوية بطأ كبيرا في تسجيل الناخبين بسبب نقص الموارد البشرية وغياب التأطير.
بالنظر الى كل الإشكالات التي يشهدها المسار هل يمكن الحديث عن استفتاء نزيه؟
في هذا الإطار سيكون لـ “مراقبون” موعد مع الرأي العام لتقديم قراءة شاملة للمسار برمته قبل الانطلاق في عملية الملاحظة. اجمالا كل العناصر التي تطرقت اليها ستؤثر في نزاهة نتائج الاستفتاء. فالانتخابات او الاستفتاءات مرتبطة أساسا بعامل الثقة قبل كل شيء وثقة السياسيين والمجتمع المدني والرأي العام في المسار مهتزة. يكفي التمعن في طريقة إدارة هذا المسار او التأخير الكبير او الروزنامة ذات المفعول الرجعي او طريقة تنصيب أعضاء هيئة الانتخابات او الضعف الذي تعاني منه. بل نشهد نسفا لكل المعايير التي تم تأسيسها طيلة المواعيد الانتخابية السابقة والتي تضمن حدا أدنى من وضوح المسار الانتخابي وتوفر ثقة في نتائجه رغم بعض الإشكالات التي لا يمكن التغافل عنها. والأخطر من كل ذلك هو الغموض الذي يسم مرحلة ما بعد 25 جويلية 2022 أي ما بعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء والذي لم يتم التطرق اليه في أي مرسوم رئاسي. فهل ستشهد بلادنا استفتاء اخر ام سنعود الى دستور 2014 ؟ هل سنقطع مع حالة الاستثناء؟ اعتقد ان ما بعد استفتاء 25 جويلية هي المرحلة الأصعب على المستوى السياسي لأنه مفتوحة على كل السيناريوهات.
لماذا لم نر شبكة “مراقبون” ضمن المشاركين في اللجنة الاستشارية المعنية بالإصلاحات السياسية؟
أولا نحن لسنا معنيين بالمشاركة في هذا الحوار. ثانيا لم نتلق اية دعوة. ثم ان معايير اختيار المشاركين جانبت الموضوعية. كنا نحبذ لو فتح الباب امام الخبراء والأكاديميين والأحزاب فتم اقصاء اغلب الجهات التي يمكن لها ان تقدم الإضافة.
كيف هي علاقتكم برئاسة الجمهورية وبالهيئة؟
لا علاقة لنا برئاسة الجمهورية خاصة أنها اختارت نهجا فردانيا غيّب أية قنوات للتواصل. أما الهيئة فقد سبق لها ان وجهت لنا الدعوة لحضور لقاء جمعها بأغلب الجمعيات الناشطة في مجال مراقبة الانتخابات ووعدتنا بأن تكون منفتحة على المجتمع المدني وبان تذلل اية صعوبات تواجهنا خلال أداء مهمتنا. هذا نظريا اما عمليا فقد لمسنا عكس ذلك.
ماذا لو تم حرمانكم من مراقبة عملية الاستفتاء؟
بكل صراحة لاحظنا تضاربا بين خطاب رئيس الجمهورية الذي عبّر في أكثر من مناسبة عن عدم الحاجة الى المراقبين والملاحظين الأجانب خلال العملية الانتخابية وبين خطاب الهيئة التي تؤكد انها ستوفر بطاقات اعتماد لمراقبة الاستفتاء. هذا الخطاب المزدوج يبعث على الحيرة. هل سيقتصر الاقصاء على الملاحظين الأجانب فقط ام سيطال أيضا الملاحظين المحليين؟ وما يزيد في منسوب حيرتنا ويغذي شكنا في تعاطي الهيئة معنا هو مماطلتها في تمكيننا من وثائق الاعتماد لتيسير عملنا بالمكاتب الجهوية.
وما حقيقة خشيتكم كجمعيات من منع حصولكم على تمويل أجنبي لأنشطتكم؟
إذا تمعّنا في بعض خطابات رئيس الجمهورية نكون مجبرين على التساؤل حول جدية الدولة في التضييق على المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات بحجة تلقي تمويلات اجنبية. مع العلم ان ممولي المجتمع المدني هم أنفسهم من يمولون الدولة عبر منح ومساعدات او قروض. وإذا دخلنا في منطق تخوين من يتلقى تمويلا اجنبيا نكون مجبرين على تخوين الدولة. كما لا يمكن التغافل عن الجدل الذي ارتفع مؤخرا حول تنقيح مرسوم الجمعيات. كل ما نرجو الا يكون تعاطي هيئة الانتخابات مع بطاقات الاعتماد نابعا من سياسة اقصاء ممنهجة حتى لا نكون مضطرين للتحرك بعد التنسيق مع بقية مكونات المجتمع المدني.
كيف سيكون تحرّككم في هذه الحالة؟
سنعقد اجتماعا للنظر في الخطوات التي يمكن اتخاذها في صورة عدم تحرك هيئة الانتخابات لإصدار بلاغ قبول مطالب مراقبة مسار الاستفتاء. وقد نتجه نحو طلب لقاء مع إدارة الهيئة للاستفسار عن أسباب التأخير او عن وجود معطيات قد نجهلها. سنطالب الهيئة بتحمّل مسؤوليتها وتطبيق الفصل 4 من قانون الانتخاب والاستفتاء الذي ينص صراحة على أن “يتولى الملاحظون متابعة المسار الانتخابي وشفافيته” وعلى ان “تنظم الهيئة شروط اعتمادهم وإجراءاته”.
قبل أيام قليلة من موعد الاستفتاء هل لديكم اية اقتراحات ترونها ضرورية لضمان حد أدني من الشفافية والنزاهة؟
قد يكون من المتأخر جدا الحديث عن اقتراحات ولكن سبق لنا ان طرحنا بعضها على غرار تعديل القانون الانتخابي حتى يتم اعتماد عتبة لنسبة المشاركة ولم يتم اخذه بعين الاعتبار رغم ان مسألة العتبة تعتبر من المعايير الضرورية لإضفاء مشروعية على نتائج الاقتراع فمشاركة 40 % من الناخبين أفضل من نسبة مشاركة بـ 10 %. أما الان فما على هيئة الانتخابات سوى الاخذ بزمام الأمور لضبط تمش عملي للفترة المتبقية والاستعداد لوجستيا وبشريا واجراء تدقيق في سجل الناخبين. ما يؤسفنا ان الهيئة اتخذت خيارات قد تضعها يوم الاقتراع أمام عديد المشاكل.
اية رسالة توجهونها لرئيس الجمهورية؟
نرجو من الرئيس مراجعة كل المسار او تأخير موعد الاستفتاء لان التمسك بتاريخ 25 جويلية وضع كل الناس امام تحديات وضغوطات جمة خاصة انه حدد موعد الاستفتاء بلا اية استعدادات تذكر فأصبح هذا الموعد سيفا مسلطا على الجميع في ظل عدم جاهزية الدستور والهيئة ووسط مناخ سياسي متوتر وبالتزامن مع لجنة استشارية تسابق الزمن لإنجاز المهمة التي كلفت بها.
وما هي رسالتكم للصادق بلعيد وتوفيق بودربالة؟
بصراحة لا رسالة لي اوجهها لهما. اختارا الانخراط في مسار الرئيس.. ربي يعينهم.
ولمعارضي مسار رئيس الجمهورية؟
احترم مختلف المواقف الداعمة او المعارضة للمسار الذي اتخذه الرئيس ولكني لست ضد مقاطعة الاستفتاء لأنه قد يكون لها وزن سياسي ولكنها عمليا لا وزن لها ولا تأثير في نتيجة الاقتراع لأنها ستتيح لمن سيصوتون بنعم الفوز رغم ضآلة نسبة المشاركين.
وللناخبين؟
رغم ضيق الوقت ورغم ان الدستور من أكثر الوثائق تعقيدا ادعو الناخبين الى محاولة الحصول على دراية دنيا بمضمون الدستور ثم التصويت حسب اقتناعهم او عدم اقتناعهم بالدستور لا التصويت لصاحب الدستور.
وللهيئة؟
حبذا لو تضع مخططا عمليا مفصلا باليوم وبالساعة وتكثف استعداداتها لتوفير الموارد البشرية واللوجستية اللازمة لإنجاح موعد الاستفتاء.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 14 جوان 2022