الشارع المغاربي – حاوره حمزة حسناوي: ظاهرة “البرباشة” التي أصبحت واقعا يوميا نلاحظه في كل شارع وزقاق ولا تكاد مدينة تخلو من الباحثين عن لقمة العيش في أكوام فضلات الآخرين لها ككلّ الظواهر الاجتماعية أبعادها السوسيولوجية وأسبابها ومظاهرها.
وفي هذا الإطار “الشارع المغاربي” التقى رئيس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع والأستاذ عبد الستار السحباني صاحب دراسة علمية حول ظاهرة “البرباشة” للحديث حول هذه الظاهرة والوقوف على أسبابها وسبل الحد من انتشارها .
• “البرباشة” ظاهرة جديدة في تونس.. كيف ظهرت؟
من الخطأ الحديث عن “البرباشة” على أنّها ظاهرة جديدة أو وليدة لما بعد 14 جانفي 2011 فهي موجودة منذ أكثر من 30 سنة على الأقل خاصة في منطقة “هنشير اليهودية” الذي كان يعدّ قبلة عدد هام من التونسيين الباحثين عن بقايا أجهزة أو أدوات مازالت صالحة للاستعمال يجمعونها قبل بيعها إلى حد يومنا هذا في أسواق معدّة لذلك على غرار سوقي العصر وسيدي عبد السلام في ما يسمّى عموما الخرذة.
الجديد أن الظاهرة تعمّمت وتطورت وأصبحت جليّة للعيان واللافت أنها أصبحت تضمّ إلى جانب هؤلاء الذين يبيعون ما يجدون فئة أحرى من البرباشة “القسريّين” الذين يضطرون إلى نبش الفضلات بحثا عمّا يعيلون به عائلاتهم.
• يعني لدينا أكثر من صنف من البرباشة؟
استنادا إلى ملاحظات حول نوعية الأنشطة والغايات من جمع الفضلات نجد ما يقارب 7 أصناف من البرباشة انطلاقا من “التبربيش” القسري إلى البرباش الذي يبيع ما يجد لضمان العيش الأدنى ولدينا ايضا البرباشة المختصون في جمع القوارير البلاستيكية والمواد القابلة للرسكلة ويمكن ادراج الفريب والتجارة الموازية ضمن هذه الظاهرة.
وهنا نشير الى ان جمع المواد القابلة للرسكلة يعد منظما نوعا ما قياسا ببقية اشكال “التبربيش” وتحوّل الى حرفة لها ايجابياتها على البيئة والتقليص من النفايات البلاستيكية واللافت انه لا يقتصر فقط على الفقراء وضعاف الحال.
• بكم يقدر عدد البرباشة في تونس؟
“التبربيش” لم يعد فعلا فرديا بل اصبح حرفة تتحكم فيها شبكات كبيرة والدولة التونسية لا ترغب في دراسة الظاهرة وتوفير أرقام حول عدد ممارسيها مخافة التورط في الظاهرة والالتزام بالبحث عن حلول لها.
من خلال دراستي ومتابعتي عينات تبين لي أن ما يقارب 5 بالمائة من التونسيين منخرطون في الاشكال المذكورة من التبربيش ينضاف اليهم 7 بالمائة آخرون اذا ما اعتبرنا مرتادي الفريب وممتهني التجارة الموازية.
“البرباشة” ظاهرة تحولت الى ثقافة لدى قسم هام من التونسيين الذين اصبحو يفكرون في توظيف الخردة والمستعمل في اغلب مجالات الحياة وتحولت ايضا الى سلوك عام مرتبط بمراكز نفوذ اقتصادي وسياسي.
يمكن ان نذهب الى ابعد من ذلك والاقرار بان الدولة نفسها اصبحت برباشة وليس ادل على ذلك من صفقة الحافلات المستعملة التي اقتنتها وزارة النقل منذ فترة.
خلاصة هذا ان “البرباشة” أصبحت ثقافة لدى طيف واسع من التونسيين ويبقى الفرق بين هذا وذاك فقط في طريقة الاستفادة منها.
• ظاهرة بهذا الحجم ما هي اسبابها؟
اول الاسباب طبعا هو ارتفاع نسبة الفقر التي تتجاوز 11 بالمائة من مجموع التونسيين وهو ما يعني أكثر من 1.2 مليون تونسي يعيشون تحت خط الفقر إلى جانب تزايد البطالة وغياب تنمية جهوية متكافئة وعادلة وغلاء الاسعار والازمة الاقتصادية المطردة وهو ما خلق حزاما حضريا يحيط بالمدن الكبرى أفرز بدوره عديد الظواهر أهمها الانخراط في كل ما هو مواز.
• هل من حلول لوقف تطور هذه الظاهرة ؟
اعتقد انه ليس لدينا الامكانات الكافية لمراقبة ووقف تطور هذه الظاهرة نظرا لتغول شبكاتها وتأثيرها الكبير في اغلب الدوائر الادارية والسياسية وكذلك ليست هناك رغبة لدى اصحاب القرار في تنظيمها وتقنينها او التقليص من حدتها.
وفي ظل الوضع القائم بالبلاد اليوم لا يمكن معالجة عدد من الظواهر كـ”البرباشة” والانتصاب الفوضوي وغيرهما بنفس المنهجية القديمة القائمة على التعاطي الامني التي دائما ما تكون نتائجها محدودة في الفاعلية وفي الزمن .
لابد من توفر بدائل حقيقية اقتصادية واجتماعية لوقف الاسباب ومن ثمة الحد من هذه الظاهرة والانخراط في مشروع مجتمعي يحفظ كرامة الانسان ويفتح الباب امام افق واقع جديد تنتفي فيه مثل هذه الظاهرة على الاقل في شكلها الحالي.