الشارع المغاربي-كريمة السعداوي : تؤكد الحكومة المغادرة باستمرار، منذ مدة ان اوضاع المالية العمومية للبلاد تحسنت الى حد بعيد طيلة فترة تسييرها شؤوون الدولة بالنظر لتراجع العجز في الميزانية وتحسن سعر صرف الدينار وتطور احتياطي النقد الاجنبي فضلا عن تحقيق انتعاشة كبرى للقدرة الشرائية يحس بها المواطنون وفق التصريحات الرسمية العديدة في هذا الصدد.
في جانب اخر تبرز البيانات المالية للبنك المركزي التونسي المنشورة اليوم الخميس 19 ديسمبر 2019 ان حاصل الحساب الجاري للخزينة يناهز 1027 مليون دينار وان ذلك يغطي 9 ايام ونصف فقط من نفقات التصرف في شؤون البلاد – دون اعتبار مصاريف التجهيز و التنمية – المدرجة بميزانية العام الحالي والتي تشمل الاجور والوسائل والمعدات والتدخلات والتحويلات (25284 مليون دينار) والدعم (4350 مليون دينار) وخدمة الدين العمومي (9307 مليون دينار) مما يساوي اجمالا 38941 مليون دينار.
في ذات السياق تفيد معطيات مؤسسة “التونسية للمقاصة” وهي المودع المركزي للأوراق المالية والمتصرف في منظومة الدفع والتسليم في تونس والتي يُنظم عملها القانون 1994/117 ان قروض المؤسسات المالية من بنوك وشركات تأمين وايجار مالي وصناديق توظيف الاموال التي ضُخت في خزينة الدولة الى موفى نوفمبر الماضي تبلغ 13662.5 مليون دينار.
وتبين المعطيات ان مبلغ الاكتتابات او بالأحرى الاقتراض هي في شكل رقاع خزينة قصيرة المدى (415.7 مليون دينار) ورقاع خزينة قابلة للتنظير لامكانية تداولها بالبورصة (13246.8 مليون دينار). وتصل نسب فوائد الاقراض على هذا المستوى بالنسبة للنصف الاول من العام الجاري الى 9.8 %.
وتحيل جملة هذه المؤشرات الى مفارقة منهجية يتطلب فهم ابعادها تحليلا دقيقا اذ ان الاستنتاج الاول الذي يمكن التوصل اليه يتمثل في ان المؤسسات المالية اصبحت تخصص قسما جد مهم من تمويلاتها للدولة وذلك بالبداهة على حساب دورها الطبيعي المتمثل في تمويل المشآت الاقتصادية والاستهلاك.
كما ان ارتفاع نسب الفوائد يعني تحول طابع العملية الى طابع ربحي بحت علما ان ضخامة مبلغ الاقراض تفيد باستهلاك شبه كامل لسيولة المؤسسات المالية والتي أصبحت منذ فترة تعاني من نقص في هذا الخصوص يساوي في الظرف الراهن وفي المعدل اليومي 12 مليار دينار يتكفل بالتدخل لتوفيرها البنك المركزي وهي مسألة تساهم بفعالية في التضخم النقدي وتشكل بالتالي السبب الرئيسي لارتفاع الاسعار في البلاد.
ويتمحور الاستنتاج الثاني في ادارة الحكومة الخزينة دون اعتبار ضرورة تكوين مدخرات قابلة للتداول على مدة لا ينبغي ان تقل عن 90 يوما لمجابهة النفقات العامة بأريحية واصبحت تلجأ اَليا الى عدم خلاص ديون الدولة للمقاولين مثلا والذي تسبب في حرمانهم من مستحقاتهم البالغة قيمتها حسب تصريح ادلى به اول يوم امس رضا شلغوم وزير المالية 766 مليون دينار بما يجبرهم حتما على غلق مشاريعهم.
في ضوء هذه المؤشرات يمكن القول بأن التصرف في خزينة الدولة قد تحول مع الاسف الى تصرف يومي بعقلية صاحب دكان بسيط لا رأس مال له بما يوحي وجاهة بان البلاد يمكن ان تكون قد ابعدت بالفعل شبح الافلاس لكنها تتجه بخطى ثابتة وحثيثة نحو الافلاس بعينه.
وكان رئيس حكومة تصريف الاعمال يوسف الشاهد قد أكد يوم امس ان تونس تجاوزت شبح الافلاس.
وفي ما يلي رابط البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة المالية والبنك المركزي.
http://www.finances.gov.tn/sites/default/files/2019-10/R%C3%A9sultatsSeptembre2019_0.pdf?fbclid=IwAR2pOa16L-x7Ngm3cQzs_DFRPfNMI9ZpyRtrDz71-fJ9bR4V519tPE11cPE
https://www.bct.gov.tn/bct/siteprod/arabe/indicateurs.jsp?la=AR&fbclid=IwAR1AcXJ95-S-XgiecE6J05K8vrq5ghf1oIzmMbI2n1lMVS2fK7EV3_5J0_A