الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: رغم تأكيد السلط التونسية على ان لتونس مخزونات كافية من الحبوب وعلى ان مسالة ندرة بعض المواد المشتقة منها كالسميد هي تحت السيطرة وانها ناتجة عن مناورات مناوئين للمسار السياسي في البلاد فان الأرقام الواردة من الأسواق الدولية حول تهافت تونس على اقتناء كميات كبرى من الحبوب وبلوغها بين 5 جانفي و2 فيفري 525 ألف طن تدحض الرواية الرسمية حول السيطرة على التموين بهذه المواد الأساسية في ظل عدم نشر ديوان الحبوب اي معطى في هذا الخصوص.
وفي هذا الإطار ذكر يوم أمس تجار أوروبيون ان تونس أطلقت مناقصة دولية لاقتناء 75 ألف طن من القمح الصلب و100 ألف طن من القمح اللين و75 ألف طن من الشعير العلفي واوضحوا ان المناقصة أغلقت يوم امس الثلاثاء علما انه من الممكن وفق مقتضياتها ان يكون منشأ البضاعة متأتيا من مصادر مختلفة.
ويكون استلام القمح الصلب على ثلاث دفعات بنحو 25 ألف طن لكل منها وذلك بين 25 فيفري و30 مارس حسب المنشأ. كما سيكون استلام القمح اللين على أربع دفعات كل منها بـ 25 ألف طن وذلك بين 20 مارس و25 افريل حسب المنشأ. اما تسليم الشعير فسيكون على ثلاث دفعاب ب 25 ألف طن لكل منها بين 5 مارس و15 افريل.
وكانت تونس قد اشترت يوم 5 جانفي الفارط 275 ألف طن من الحبوب من الأسواق العالمية لتصل كمية الشراءات الى مستوى قياسي في اقل من شهر ناهزت 525 ألف طن.
يذكر ان التونسيين يواجهون منذ مدة نقصا فادحا في التزويد بالسميد وغيره من منتوجات الحبوب مثل الفارينة حيث وصل الامر الى الترفيع في أسعار الخبز في عدة ولايات دون اذن من وزارة التجارة لندرة المواد الأولية وارتفاع أسعارها.
وتعتبر تونس من بين أكبر البلدان الموردة للحبوب حيث تتراوح احتياجاتها من هذه المادة الحيوية بين 30 و32 مليون قنطار سنويا ولا تنتج منها بلادها الا 10 ملايين قنطار. وتستورد تونس قرابة 70 بالمائة من حاجاتها من الحبوب و90 بالمائة من حاجاتها من القمح اللين وذلك بالأسعار العالمية للحبوب التي شهدت في الأشهر الأخيرة ارتفاعا ملحوظا ليتجاوز سعر القنطار 110 دنانير عند وصوله الى البلاد وفق بيانات الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري التي تشير الى ان استيراد القمح يكلف الدولة أكثر من الفي مليون دينار سنويا تسددها تونس بالعملة الاجنبية.
ودعا اتحاد الفلاحين في عدة مناسبات إلى ضرورة تغيير سياسات الدولة في تعاطيها مع قطاع الفلاحة عامة ومنظومة الحبوب على وجه الخصوص، معتبرا ان الخيارات المتبعة في منظومة الحبوب لن تمكن البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي وانها ساهمت في خروج عدد كبير من الفلاحين من هذا القطاع وتقليص المساحات المخصصة له.
ويدعو الاتحاد الى ضرورة دعم منظومة الانتاج وتمكين الفلاح من بيع منتوجاته من الحبوب بأسعار تقارب الاسعار العالمية التي تستورد بها الدولة الحبوب من الخارج، سيما ان الفلاح التونسي لا يحصل الا على قرابة ثلثي الاسعار العالمية للحبوب عند بيع محصوله للدولة التونسية.
وكانت وزارة الفلاحة قد أشارت مؤخرا الى ان المساحات المقرر تخصيصها للزراعات الكبرى للموسم الفلاحي 2021 /2022 تقدر بـ 1.252 مليون هكتار على غرار المواسم المنقضية التي استقر فيها معدل مستوى الانتاج في حدود 1.5 مليون طن باعتبار ان المساحات التي تم بذرها فعليا لا تتجاوز 1.1 مليون هكتار وتم حصاد اقل من مليون هكتار كمعدل سنوي وفق ما اوردته نشرية المرصد الوطني للفلاحة.
وأفادت وكالة تونس افريقيا للأنباء (وات) في 20 ديسمبر الفارط بأن 4 بواخر أجنبية محملة بالقمح والشعير والفارينة تمكث في عرض البحر دون التمكن من الدخول إلى ميناء صفاقس التجاري وافراغ شحناتها موضحة ان ديوان الحبوب عاجز عن تخليص هذه المواد الأساسية المستوردة وان ذلك يتسبب في غرامات بالعملة الاجنبية عن كل يوم تأخير عن كل باخرة.
وقال كاتب عام النقابة الأساسية لديوان الحبوب عادل مرزوق حسب الوكالة ان بقاء هذه البواخر بالمنطقة المكشوفة في مستوى عرض سواحل قرقنة يعود على التوالي إلى تواريخ 23 نوفمبر و25 نوفمبر و16 و18 ديسمبر الماضي وان ذلك يزيد في تفاقم الصعوبات المالية للديوان ويهدد بتراجع المخزون الاحتياطي من الحبوب بشكل تدريجي.
وأشار إلى أن الخسائر التي تكبدها الديوان بعد افراغ شحنة آخر باخرة استيراد قمح لين خرجت يوم 17 ديسمبر 2021 من ميناء صفاقس تناهز مائة ألف دينار كخطايا تأخير، علما أن خطايا اليوم الواحد لمثل هذه البواخر تتراوح بين 10 و20 ألف دينار حسب عادل مرزوق.
ووصف النقابي الوضع بغير المسبوق وبالمنذر بالخراب ليس فقط بالنسبة لديوان الحبوب كمؤسسة وطنية، ولكن بالنسبة للدولة والمواطن منبها من أن الظاهرة مستفحلة ومنتشرة في عديد الموانئ التجارية بكل من تونس (حلق الوادي) وقابس وبنزرت.
وأكد أن المشكل يعد مظهرا من مظاهر صعوبات وإشكاليات التصرف والحوكمة في الديوان.