الشارع المغاربي – وليد أحمد الفرشيشي : «الحكومة موش باش تدوملك»…بهذه الجملة/المفتاح اختزل القياديّ التاريخيّ لحزب المسار (الحزب الشيوعي التونسي ثمّ حركة التجديد سابقا) جنيدي عبد الجواد المسار «الانتهازي» لبينوكيو القصبة، ووزير الفلاحة سمير الطيّب. وإذا كان القياديّ التاريخيّ يعرفُ جيّدًا ما يقولُ، مثلما يعرفُ أنّ «السلطة تفسدُ أفضل الرّجال» فما بالك بمن هو أدنى، فإنّ تجميد سمير الطيّب عضويّتهُ في حزب المسار يستبقُ موقف رفاقه المعلن فيه مثلما يستبقُ لحظة سقوطهِ «التاريخي» بعد صعودهِ «التاريخي» في اعتصام الرّحيل، هناك أين بنى كلّ رأس ماله الرمزّي على شتمِ حركة النهضة، التي بات لا يمانعُ في أن يكونَ إحدى دماها الخشبيّة، طالما أنّ موقعه الوزاريّ «مضمون».
وإذا كانت الانتهازيّة في علوم السياسة تعرّفُ على أنّها الممارسة «السياسية» الواعية للاستفادة الأنانية من الظروف، إلا أنّها عند بينوكيو، ومروّج أساطيرها، تستنبطُ معاني جديدة كالكذب والارتهان والانقلابِ على الرّفاق، ذلك أنّ ما يشغلُ بال سمير الطيّب هو تحقيق مصالحه الخاصة وتعظيمها وحمايتها، حتى أنّه لم يتردّد في تغيير مواقفه وتحالفاته، مستفيدًا من ميزان القوى الأعرج الذي يتحكّم في اللعبة السياسية. بل لن نبالغ لو قلنا إنّ بينوكيو ، وهو يديرُ ظهره إلى الحزب الذي صنع «نجوميّتهُ»، لم يكتفِ بالانقلاب على كلّ مبادئهِ، بل ذهب حتّى إلى النومِ في فراشِ خصومهِ التاريخييّن، رغم جهلهِ بما يدورُ في هذا المخدع.
بينوكيو…وأوهام الكرسي !
لقد سبق للجنيدي عبد الجواد أن قال إنّ «سمير الطيّب يمثلّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد ولا يمثّلُ حزب المسار»، وهو في هذه محقّ، فالرّجلُ الذي صنعتهُ ظروف استثنائّية، هي ظروف أنتجتها دماء الشهيدين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي، لم يكن بعيدًا عن الأزقّة الخلفيّة للسلطة المشكّلة حديثًا بعد انتخابات 2014. ورغم خروج حزبهِ خالي الوفاض من التشريّعية، حزبهُ الذي فقد ايضا شخصية كاريزماتية هي أحمد ابراهيم، إلاّ أنّ بينوكيو كان يعوّلُ على عامل الوقت، إضافة إلى علاقاته المتشعّبة داخل حركة نداء تونس، ليقفز إلى سفينة الحكومة وهو ما وفّرتهُ لهُ الوثيقة الدراميّة المعنونة بوثيقة قرطاج، وثيقة أكلت رأس الحبيب الصيد وأنتجت مصطلحًا جديدًا هو «حكومة الوحدة الوطنيّة».
داخل هذه «العجّة» السياسية التي تتحكم حركة النهضة وما تبقى من شقوق نداء تونس في درجة حرارتها، وجدَ بينوكيو لنفسهِ دورًا، قدّ على مقاسِ طموحاتهِ وملكاتهِ في الواقع، وهو دور «كذّاب القصبة»، إذ أنّ كلّ ما يصدرُ على السيّد الوزير من تصريحات، هو الذي لا يفقهُ شيئًا في ملفات وزارتهِ، لا يمكنُ تبويبهُ إلاّ في خانة «الكذب» على الرأي العام فقط وإنّما ايضا وهنا مكمنُ الخطورة، على الحزبِ الذي يتقلّدُ أمانته العامة.
ولعلّ المتابع للشأن السياسي في تونس يتذكّر إصرار بينوكيو على الحضور في اجتماع ما بات يعرف باللجنة العليا لما تبقى من الاطراف الممضية على وثيقة قرطاج وإدعاؤه الحصول على وثيقة لتمثيل حزبه في المشاورات المذكورة جدلا واسعا وإنتقادات كبيرة وجهت للطيب ليجد نفسه معزولا بعد أن أثار حنق حزبهِ إلى درجة المطالبة بتجميد عضويّتهِ بعد أن تجاوز مؤسسات حزبهِ.
للتذكيرِ فقط، خيّر بينوكيو وقتها أن يتغيّب عن اجتماع المجلس المركزي والمكتب السياسي لحزبه ليواصل الدفاع عن حكومة الشاهد، من بوابة وثيقة قرطاج 2، متجاوزًا رفاقهُ ومؤسسات حزبهِ بل واستثمرَ في «النميمة» عندما نقل معلومات مغلوطة للمنظمة الشغيلة بخصوص مواقف القيادي جنيدي عبد الجواد ممثل الحزب في المشاورات الجارية حول وثيقة قرطاج 2، وتعمده الاتصال بقيادات «المركزية النقابية» مباشرة بعد استقبال الامين العام نور الدين الطبوبي وفدا عن حزب المسار، وهو ما نشرهُ «الشارع المغاربي» في الإبّان، المسألة التي رأت فيها قيادات الحزب «محاولة لضرب العلاقة التاريخية التي تجمع الاتحاد العام التونسي للشغل بحزبها بعد ان اتهم الطيب الاتحاد ببث الفتنة».
وإذا كانت هذه العيّنة البسيطة تغنينا عن الخوض في «السجّل الحافل بالمغالطات»، الذي نجح بينوكيو في تحقيقه وفي وقت سياسي، فإنّ الثابت في كلّ هذا أنّ أوهام الكرسيّ عبثت برأس محامي الشيطان، إلى الحدّ الذي تجاوز فيهِ دوره كوزير فاشل أكثر من ناجح للفلاحة، ليتطفّلَ على مسائل تتجاوزه، كمحاولتهِ التدخل كمفاوض بين الحكومة واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في ملف مساهمة المنظمة في إنقاذ الصناديق الاجتماعية وهو ما جعل ماجول يرفض هذا التدخل قائلا إنّ «الطيب هو وزير الفلاحة، ڤدّ فلاحتك.. ونشالله تڤدّها هو ما عندوش الملف وما هوش فاهمو» متابعا «هناك وزراء أرادوا التدّخل في هذا الملف في حين هو ملف بيننا وبين رئيس الحكومة… ما نيش باش نحكي مع سمير الطيب في ملف هو محل نقاش مع الحكومة..وإذا أرادت الحكومة تكليف الطيب عليها أن ترسل التكليف نتناقش فيه وقد نرفضه».
بينوكيو….والقفا السّاخنة !
هذه الصفعات المتتالية على القفا السّاخنة لبينوكيو من قيادات حزبه ومن قيادات المنظمات الوطنيّة، لم تجعل صاحب «الأنف الطويل»، يفهمُ أنّ لا شيء يستحقّ خسارة الرفاقِ بل واحترام الرأي العام لماضيهِ على الأقلّ. ألم يتهم بينوكيو رفاق الأمس الذين شاركهم الساحات والاحتجاجات ضدّ «تغوّل النهضة» ويرمي الجبهة الشعبية مثلاً بتهمة تحريض الإحتجاجات التي شهدتها البلاد موفى 2017 ومطلع 2018 ضد مشروع ميزانية 2018 بل وحمّلها مسؤولية عمليات السرقة والنّهب التي حصلت آنذاك؟ ألم تتبرّأ قيادات المسار من تصريحهِ الذي يفيضُ بالأكاذيب والمغالطات؟ ألم يصفهُ الناطق الرسمي للجبهة الشعبية حمة الهمامي بـ» بالمفتري الذي يزيف الواقع لإرضاء أعرافه؟»
لن نقيّم هنا أداءهُ الوزاريّ فاحتجاجات الفلاحين والمنتجين والصيّادين تغنينا عن ذلك، وإنّما نحنُ في النهاية نقيّمُ ظاهرة «انتهازيّة» أساءت لماضيها وتاريخ حزبها، ذلك الحزب الذي قدّم في وقتٍ ما أحمد ابراهيم كمرشّح جدّي وحيدٍ أمام الأثاث المستعمل الذي اختارهُ بن علي لمنافسته في انتخابات 2009.
لقد خسر بينوكيو حزبهُ ورفاقهُ ومناضلين من شتّى ألوان الطيف السياسي المناهضِ لحالة «الخراب» التي عمّمتها حكومة يوسف الشاهد، بمباركة الوزير السّعيد بموقعهِ، هذا الوزيرُ الذي اختار طواعيّة أن ينام في مخدع خصومهِ السياسيين وهو الذي لم يكن يفوّتُ منبرًا ولا صحيفة ولا بالوعةٍ مفتوحة في شوارع الثرثرة كي يحمّل حركة النهضة المسؤولية في الإغتيالات السياسية وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر والفشل في إدارة شؤون البلاد.
وكما تغيّرت مواقفهُ من النهضة، تغيّرت مواقفهُ من «قطر» ومن «الإخوان»، ليتحوّل نمرُ الورق إلى دمية خشبيّة تكرّرُ برداءة ملفتة للانتباه ما يلقّنُ إليها، دمية تحلم أن تفي «الجنيّة» بوعدها وتحوّلهُ إلى «كائن بشريّ»