الشارع المغاربي: عبّر مجلس شورى حركة النهضة اليوم الاثنين 23 نوفمبر 2020 عن انشغاله العميق لما وصفه ب”التراجع غير المسبوق لمختلف المؤشرات الاقتصادية والمالية واختلال توازنات ميزانيّة الدّولة وتردّي الأوضاع الاجتماعيّة لمختلف الفئات بمختلف الجهات” داعيا الى “حوار اقتصادي واجتماعي وطني لا يستثني أحدًا وتكون نتائجه رافعة أساسيّة للخروج من الأزمة ومعالجة المشاكل الحقيقيّة التي يواجهها اقتصادنا”.
واكد المجلس في بيان صادر عنه اليوم اثر دورة استثنائية عقدها يوم السبت الماضي بمشاركة واسعة من الخبراء والمختصين في المجالات الاقتصادية والمالية وكتلة الحركة “ضعف التّناغم والتّناسق بين الميزان الاقتصادي ومشروع الميزانيّة ” معتبرا انها “لا تعكس تقديرات الميزان” وان “المقدّمات الواردة فيه لا تتطابق مع النّتائج والإجراءات التي انتهت اليها الميزانيّة” مضيفا انها “لم تأخذ بعين الاعتبار أهمّية التحدّيات وجسامة الرّهانات المطروحة لفترة ما بعد كورونا في العام القادم” مشددا على ان “التطلّع الى الانتقال من الانكماش (ـ7،4٪ حاليّا) الى استعادة نسبة محترمة من النموّ (+4٪) مشروع “وعلى انه” لن يتحقّق دون رسم خارطة الطّريق التي تقود الى ذلك”.
واعتبر أن “الفرضيّات التي اعتمدها المشروع تتّسم بكثير من الهشاشة وغياب الواقعيّة” وان ذلك ” يضعف من قابليّتها للتّطبيق وتحقيق الأهداف المرجوّة باطمئنان سواء في ما تعلّق بنسبة النمو المقدّرة أو بسعر برميل النفط المعتمد أو بالنّسبة للارتفاع المنتظر تسجيله للموارد الجبائية (+12,6%) المُستخلصة على نشاط سنة 2020 “داعيا الى “اعتماد فرضيّات واقعيّة لتجنّب التعديل المستمر للتوازنات”.
واضاف أن “مشروع الميزانيّة المقترح لم يأخذ بعين الاعتبار بالشّكل الكافي مضاعفات أزمة كورونا المستمرّة” والتي قال ان “جلّ التّقديرات المحليّة والدوليّة تشير الى تواصلها وان بشكل متقطّع طوال العام القادم وترجح حلول موجة ثالثة لا يمكن توقّع مخلّفاتها”مؤكدا ان ذلك”يتطلب المزيد من الحذر وتكييف الميزانيّة على أساس ذلك وخاصة اذا تعطّلت الحركة الاقتصاديّة وتكثّفت الضّغوطات وحاجيات التّمويل والدّعم” مشددا على ان ” البلاد بحاجة ماسة في هذا الظّرف الاستثنائي إلى معالجات استثنائيّة لتمكين الدّولة من تنفيذ سياساتها وبرامجها الاجتماعيّة والتنمويّة ومواصلة جهودها في مقاومة الوباء وتداعياته ومساعدة الاقتصاد على تجاوز الأزمة واستعادة عافيته، وتجنّب الوقوع في الخيارات الارتجاليّة والمتسرّعة التي لن تزيد الوضع إلاّ تأزّما”.
وشدد على أن مواجهة هذه التحديّات بالإضافة الى اعتماد مقاربة “اقتصاد الأزمة” و”ميزانية الأزمة”، تتطلّب “تظافر جهود كافّة مؤسّسات الدولة في جميع الاختصاصات التّنظيميّة والتّشريعيّة والتنفيذيّة والرّقابيّة في حدود نشاطها واستقلاليّتها التّشغيليّة وفي مقدّمة تلك المؤسّسات البنك المركزي على غرار العديد من البلدان الأخرى التي تدخلت فيها البنوك المركزيّة في حدود مضبوطة لمواجهة تداعيات الأزمة من خلال عمليات شراء سندات الدولة وغيرها من الآليّات دون المساس بمبدأ استقلاليّتها وخصوصيات نشاطها من أجل انقاذ اقتصاداتها من تبعات الأزمة.”
ونبه مجلس الشورى الى مخاطر الافراط في الاقتراض الخارجي وتفاقم المديونيّة معتبرا انها بلغت حجما غير مسبوق بما يعادل 100 مليار دينار أي بنسبة 92،7٪ من الناتج مشيرا الى القروض الخارجيّة تبلغ أكثر من 16 مليار دينار عام 2021 والى ان ذلك كان “نتيجة التّمادي في انتهاج سياسة توسّعية ساهمت في اتّساع الفجوة بين الموارد والنفقات” مضيفا ان “السياسة النقدية ساهمت سلبيّا في ارتفاع المديونيّة من جرّاء ارتفاع نسبة الفائدة التي تقترض بها الحكومة الى جانب تأثيرها على كلفة الإنتاج والاستثمار” معتبرا ان الأخطر من كل ذلك “غياب أيّة استراتيجيّة وطنيّة لإيقاف نزيف المديونيّة والتفكير في حلول بديلة”.
وتقدم شورى النهضة بـ14 توصية لمجابهة الصعوبات التي تواجهها البلاد منها “مراجعة الفرضيّات التي تمّ اعتمادها في الميزانيّة وتوخّي فرضيّات واقعيّة لتجنّب التّعديل المستمرّ للميزانيّات واخذ التداعيّات المحتملة لتطوّرات الأزمة الراهنة بعين الاعتبار بما يستوجب من مزيد التحكّم في النّفقات وترشيد التوريد وتشديد الرقابة على كلّ أشكال التهرّب الضّريبي واعداد خطّة محكمة لمكافحة كل أنواع الفساد وعدم التّساهل في ذلك لتبعاته الكارثيّة على الاقتصاد والمجتمع وتفعيل عديد الأحكام الجبائيّة السابقة والحرص على استقرار التشريع الجبائي لطمأنة المستثمرين والاسراع بإصدار المجلّة الجبائيّة التّونسيّة ومواصلة الحوار بين الحكومة والبنك المركزي والتّشاور مع مجلس نوّاب الشعب للاتّفاق على الصيغ الممكنة لتوفير التّمويلات اللاّزمة” مشدداعلى أن تكون” في حدود الضّرورة القصوى ولمدّة قصيرة المدى” وعلى ان “تتعهّد الدّولة بسداد المبلغ المموّل في الآجال مع الالتزام بالإصلاحات الضروريّة” مؤكدا على ضروة توجيه تلك التّمويلات التي يمكن أن يقدّمها البنك المركزي نحو احتياجات ذات صبغة تنمويّة تُعين على دفع محرّكات النموّ أو توجيهها نحو بعض الضرورات المرتبطة بالجوانب المعيشيّة للأفراد ذات العلاقة بالأمن الغذائي والصحّي مثل دعم الصيدليّة المركزيّة وديوان الحبوب”.
وحذر المجلس من الافراط في اللّجوء للتّمويل النقدي المباشر للميزانيّة من البنك المركزي مؤكدا على أهمية المواءمة بين السياسات النقديّة والسياسات الماليّة والجبائيّة للدّولة.
ودعا الحكومة للبحث عن الصّيغ الملائمة لفتح اكتتاب وطني بالعملة الصعبة لتعبئة الموارد لميزانية الدولة يتمّ تخصيصه للتونسيين بالخارج مع اعتماد بعض الحوافز الخاصة. كما اقترح اصدار صكّ أو قرض رقاعيّ بمبلغ ألف مليون دينار يوزع بين السّوق الماليّة والمؤسّسات الماليّة إلى جانب تطوير حساب الادّخار في الأوراق الماليّة يتمّ طرحه من قاعدة الضريبّة في حدود المليون دينار يخصّص بنسبة 60% لشراء رقاع الخزينة و40% للاستثمار في السّوق البديلة ورفع سقف مساهمة الأجانب في القروض الرقاعيّة.
وحث المجلس الحكومة على “العمل على محاصرة نزيف المديونية والبحث عن صيغ وأساليب تمويلية بديلة لسد الفجوة في ميزانية الدولة والشروع بتفعيل قانون الصّكوك الذي يمكن من خلاله تمويل مشاريع وطنية كبرى وتوفير السيولة اللازمة التي تحتاجها الدولة على غرار تجارب عديدة في مختلف دول العالم وتركيز الاهتمام على الديون ذات الطابع الاجتماعي والاستئناس بالتجارب الدوليّة لاستنباط آليات جديدة تمكّن من تخفيف العبء عن ميزانيّة الدّولة بجدولة ذلك على المدى المتوسّط في إطار منظومة الإصلاحات الكبرى” داعيا كتلته البرلمانية لتقديم مبادرة في هذا الاطار بالتعاون مع مكتب الدراسات واللّجنة الاقتصاديّة والاجتماعيّة بالمجلس.
وشدد على “ضرورة تعزيز جهاز الرّقابة الجبائيّة بالإطارات الكفأة في إطار سياسة اعادة الانتشار داخل الوظيفة العموميّة لتحسين الاستخلاص ومقاومة التهرّب الجبائي” داعيا في هذا الإطار الى مراجعة نسبة الضريبة على المؤسّسات المطروحة في المشروع والمقدّرة ب 18٪ معتبرا انها غير محفّزة للشّركات الموجهّة للتّصدير وطاردة للاستثمار وان ذلك يدفع الى المزيد من هجرة تلك المؤسّسات.
ودعا الى تخفيف الضّغط الجبائي الذي قال انه يعتبر واحدا من أعلى المعدّلات في إفريقيا (25،4٪) وأحد الأسباب الرئيسيّة لتنامي التهرّب الضريبي في البلاد وسببا من أسباب تراجع مستوى الادّخار الوطني وتقلّص الاستثمار، والتوجّه نحو “استخلاص الديون الجبائيّة” مؤكدا انها “مستحقّات جبائيّة للدّولة لدى بعض الشّركات ورجال الأعمال الذين شملتهم مراجعات جبائيّة أوّلية ومعمّقة وظلّت حبيسة التردّد الإداري بحيث لم يتم عليها توظيف اجباري أو صلح لأسباب متعددة”.
كما دعا الى وضع الاجراءات العمليّة الملموسة للتسريع في انفاذ الإصلاحات الكبرى التي تتعلّق بالصّناديق الاجتماعيّة ومنظومة الدّعم والمؤسسات العموميّة ذات الصبغة الاستراتيجيّة، والادماج التدريجي للقطاعات والأنشطة المندرجة في القطاع الموازي.
وبخصوص تعبئة الموارد الخارجيّة، يدعو مجلس الشورى الى استئناف التّفاوض مع صندوق النقد الدّولي وبقيّة الشركاء المالييّن الى جانب إطلاق حملة دبلوماسيّة واسعة لجلب الدّعم الدولي من الدّول الصّديقة والشّقيقة في نطاق التعاون الثّنائي ومتعدّد الأطراف وكذلك من المؤسّسات الماليّة الاقليميّة، سواء من أجل الحصول على قروض خاصة أو تأجيل خلاص بعض القروض السّابقة التي حلّ أو سيحلّ أجلها، على غرار الاتّفاق الذي حصل مع الصّندوق العربي للإنماء الاقتصادي.
ودعا الحكومة للتّعجيل بضبط برنامج عملها التّفصيلي والانطلاق في إعداد مخطّط التّنمية للخماسيّة المقبلة الذي ستنتظم في اطاره مختلف الأنشطة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتنمويّة بما في ذلك ميزانيّة الدّولة والإطار العام للإنفاق للسّنوات المقبلة. ويدعوها للتّعجيل بالإصلاحات الضروريّة والتحكّم العقلاني في نفقات التصرف، وفي مقدمتها النفقات العامة لأجهزة الدولة وحجم كتلة الأجور، مع إعطاء الأولويّة القصوى لحلحلة ملف الفسفاط واستعادة نسق انتاج النفط والشّروع فعليّا في معالجة قضيّة الدّعم وإصلاح المؤسّسات العموميّة ومنظومة الحماية الاجتماعيّة ودفع محرّكات النموّ وتفعيل إطار الشّراكة بين القطاع العام والخاص ومشاريع الطاقات المتجدّدة ودعم المشاريع الناشئة والقطاعات المجدّدة ذات القيمة المضافة العالية والاسراع بتفعيل قانون الاقتصاد الاجتماعي والتّضامني.
وحث المجلس على التّرفيع في ميزانيّة وزارة الصحّة بما يحقّق نجاعة أفضل في دعم الامكانيّات الماديّة والبشريّة لمواجهة الأزمة الصحّية.
وذكر بان قطاع الحكم المحلي والدور الموكول للبلديّات يحتاج الى دعم أكبر في الميزانيّة ومرافقة على عديد الأصعدة لتقوم بواجبها البيئي والصحّي والتّنموي على أحسن وجه
ونبه الى ضروة ايلاء قطاع الفلاحة الاهتمام الأكبر دعما واصلاحا وتعصيرا باعتباره الرّكيزة الأساسيّة للأمن الغذائي وقدرته الواسعة في دعم جهود التصنيع والتصدير والاستثمار.