الشارع المغاربي – صراع استراتيجي وحربي طاحن بين روسيا و"الناتو" امتدادا للصراع الجزائري-المغربي

صراع استراتيجي وحربي طاحن بين روسيا و”الناتو” امتدادا للصراع الجزائري-المغربي

قسم الأخبار

11 ديسمبر، 2021

الشارع المغاربي-الحبيب القيزاني: ماذا تدبّر القوى الغربية للجزائر؟ السؤال بات مشروعا بعدما تعدّدت المؤشرات على أن شيئا يُطبخ ضدّ دولة تدرك قيادتها أنها التالية في قائمة الدول العربية المستهدفة بعد ليبيا وسوريا.

فبعد انقضاء 5 أشهر على مناورات “الأسد الافريقي” بالمغرب والتي كشفت مجلة Military watch أنها حاكت بشكل ملحوظ هجوما على بلدين مفترضين هم روان ونيهون يقعان بالأراضي الجزائرية، أجرى الحلف الأطلسي منذ أيام مناورات “بولاريس21” حاكت حربا في غرب المتوسط.

استعراض عضلات تشير كل الدلائل إلى أنه لم يأت صدفة في ظل توتّر غير مسبوق بين باريس والجزائر وتزامن مع حضور عسكري إسرائيلي بالمغرب وأنباء عن صفقات تسلّح قياسية في الجارتين المغاربيتين.

بين 18 نوفمبر المنقضي و3 ديسمبر الجاري أجرى الجيش الفرنسي تحت لواء الحلف الأطلسي (الناتو) أكبر المناورات العسكرية البحرية في السنوات الأخيرة بعنوان “بولاريس 21” كان مسرحها مياه فرنسا واسبانيا وإيطاليا ومياه المتوسط الدولية بهدف “الاستعداد لاشتباكات كثيفة مع قوى متشابهة على مستويات متعددة عسكرية وديبلوماسية وفضائية وتجارية ومعلوماتية”.

وحسب وكالة الأنباء الفرنسية شاركت في المناورات الى جانب فرنسا الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا واسبانيا واليونان وضمت حول حاملة الطائرات الفرنسية “شارل ديغول” 25 سفينة حربية و13 فرقاطة إضافة الى سفن حربية كانت راسية عند مدخل مضيق جبل طارق و60 طائرة مقاتلة وعشرات المروحيات وغواصات منها واحدة نووية فرنسية وأخرى تقليدية وكذلك حاملة الطائرات البريطانية الملكية “اليزابيت” وطائرات إنذار امريكية “أواكس” و”أوريون 8″.

ويحاكي سيناريو المناورات هجوم قوات دولة تسمى “ميركور” (الزئبق)أما الهدف المُعلن عنه فهو حسب ما نقلت وكالة الانباء الفرنسية عن ضابط شارك في المناورات “اظهار حجم الردّ ومستوى التنسيق اللذين تملكهما فرنسا ودول الحلف في مواجهة قوى معادية”.

الملاحظ أن المناورات حملت عنوان “بولاريس” أي النجم الساطع في السماء وفي ذلك رسالة الى “تواصل قوة الغرب” اذ أن “بولاريس” هو أوّل صاروخ باليستي اطلقته الغواصات الامريكية خلال ستينات القرن الماضي – في أوج الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي – ومثّل أيضا الدعامة الأساسية لقوة الردع النووية البريطانية طيلة سبعينات وثمانينات القرن العشرين قبل استبداله بصاروخ “بوسيدون” الذي كان مصمّما لاختراق دفاعات الصواريخ الباليستية السوفياتية.

روسيا أم… الجزائر؟

ركّزت الصحافة الأوروبية على أن المقصود بالمناورات هي روسيا. وكتب موقع télégrammes Les المتخصص في القضايا الاستراتيجية أن نوعية الأسلحة التي ضبط السيناريو التعامل معها تتمثل أساسا في الغواصات ومنظومات دفاع جوي متطوّرة إضافة الى امتداد رقعة المناورات الى الواجهة الأطلسية خالصا بذلك الى أن “العدوّ” هو روسيا باعتبار انها القوة الوحيدة التي تملك القدرات الحربية والتواجد العسكري قبالة الشواطئ الأوروبية والأطلسية.

لكن المنطق السليم لا يقبل ذريعة مماثلة باعتبار أن اندلاع حرب مع روسيا يعني حربا عالمية نووية تُعرّض العالم الى دمار شامل خصوصا اذا انضمت الصين الى خندقها من منطلق أن الوقوف موقف المتفرج وفي حال انهزام روسيا لا شيء يضمن ألاّ يكون الدور القادم عليها تحت اية حجة يتم اختلاقها خصوصا بعد صفقة “أوكوس” التي ستزوّد بها الولايات المتحدة استراليا بـ12 غواصة نووية سيتم نشرها بالمحيط الهادئ غير بعيد عن السواحل الصينية.

كما أن الترويج الى أن “الغرب غير مرتاح الى التطورات العسكرية التي تشهدها منطقة المتوسط ومنها النفوذ المتصاعد لتركيا الذي يقلق فرنسا واليونان – حسب موقع أوبكس 360” لا يعدو ان يكون سوى محاولة لذر الرماد على العيون لسبب بسيط هو أن تركيا عضو بالحلف الأطلسي اللهم الاّ اذا قرّر الحلف “أكل أحد أبنائه” منعا لما يرى فيه “تغوّلا غير مسموح به” على حساب قوى أوروبية نووية مثل فرنسا وبريطانيا في اطار الصراع على ثروات المتوسط النفطية والغازية.

تبقى الجزائر التي تشير كل الدلائل الى أنها باتت في منظار الدول الغربية.

وقد أعلن عن ذلك صراحة منذ اشهر الرئيس تبون عندما قال ان بلاده مستهدفة بالتآمر عليها وإنها على قائمة الاستهداف بعد سوريا لأن قرارها مستقل ولأنها غير مديونة ولا تابعة للغرب.

الرئيس تبون لم يتكلم من فراغ اذ أنه سبق لمعهد البحوث الامريكية American Entreprise institute ان كشف عام 2016 عن وجود قائمة أمريكية بـ10 دول منها الجزائر قال أنه سيتم تدميرها. أمّا الأسباب فكثيرة لعلّ أبرزها:

– أن دول الحلف الأطلسي التي توظّف قوتها العسكرية لتأبيد استراتيجية التوسّع والهيمنة الاقتصادية باتت ترى في الجزائر تهديدا لنفوذها لأنها تملك النفط والغاز والماء والزراعة ولأنها تشكّل قارة في حدّ ذاتها (مساحتها مليونا كلم مربّع) ولأنها غنية بالثروات المعدنية ولها نفوذ هام في شمال افريقيا وفي منطقة الساحل الافريقي.

– ان الجزائر أبلغت منذ أشهر الاتحاد الأوروبي رفضها تمديد اتفاق الشراكة معه الموقّع عام 2002 والذي دخل حيز التنفيذ عام 2005 ومطالبتها بمراجعته على أساس تعامل عادل gagnant-gagnant يضع حدّا لاختلال توازن فاضح في المبادلات التجارية لصالح اوروبا ويسمح ببناء بنـى تحتية صناعية جزائرية. والثابت أن هذا الكلام لم يعجب فرنسا التي ما زالت نخبها الحاكمة تتعامل مع الجزائر بعقلية استعمارية لا ترى فيها سوى سوقا لمختلف منتوجات شركاتها الصناعية خصوصا أن تعداد سكانها يناهز 45 مليون نسمة.

– ان الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا تحاول التصدي للاختراق التجاري الذي حققته الصين بدخولها السوق الجزائرية وتحاول التلويح بتدخل عسكري لمنع تركيز بوابة جزائرية لـ “طريق الحرير” الصينية لما يمثل ذلك من تهديد لمصالحها الاقتصادية.

– ان دول الحلف الأطلسي لا تنظر بعين الرضاء الى التحالف العسكري الجزائري-الروسي في منطقة تعتبر انها حديقة نفوذها التقليدية خصوصا بعد الاختراق الاستراتيجي الذي حققته موسكو بالتدخل في سوريا والتسلّل الى مياه البحر الأبيض المتوسط الذي ظل لعقود بحيرة أمريكية بامتياز يحكمها الاسطول السادس.

– ان هذه الدول لا يُعجبها رؤية جيش جزائري قوي يمتلك أحدث المنظومات العسكرية وتعتبر ذلك في اطار نظرية “استباق الخطر” تهديدا لمصالحها في المنطقة وخطرا على أجنداتها المستقبلية.

روسيا : أنا هنا

منذ أشهر، أدى رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة زيارة الى موسكو تمخّضت عن صفقة تشتري بموجبها بلاده احدث الطائرات الحربية الروسية وعلى رأسها “سو35″ و”سو34” الى جانب منظومات صواريخ “اس400″ و”اس500”.

الأهمّ من الزيارة في حدّ ذاتها هو تصريح صادر عن الكرملين أكد فيه أن روسيا ستتدخل في حال أي اعتداء على أي من حلفائها بما ذكّر العواصم الغربية بتدخل روسيا في سوريا وقضاء طيرانها على فلول الإرهابيين والمرتزقة الذين جنّدتهم دول غربية وأخرى خليجية في محاولة للاطاحة بالنظام السوري. بعد ذلك بأسابيع اجرت غواصات روسية وجزائرية مناورات مشتركة تأكيدا للتحالف القائم بين الدولتين.

لكن المثير هو أنه قبل موعد اجراء مناورات “بولاريس 21” بيوم، نظمت روسيا والجزائر مناورات شاركت فيها مجموعة من السفن والغواصات بما يعني ان الروس كانوا على علم مسبّق بمناورات الدول الغربية وبأن التنسيق الاستخباراتي مع الجزائر فعليّ سواء عن طريق أقمار التجسس أو من خلال الإشارات التي تلتقطها بواخر الروس الحربية وغواصاتهم.

ومعلوم أنه كلما أجرى الغرب مناورات بحرية إلاّ وحضرت روسيا في المياه الدولية للمراقبة مثلما فعلت في مارس الماضي عندما راقبت عبر غواصة “الثقب الأسود” المناورات الحربية التي جرت بين المغرب والولايات المتحدة في المحيط الأطلسي.

روسيا ومن منطلق حماية حليفتها الجزائر نزلت أيضا بليبيا حيث أفادت انباء صحفية منذ ما يربو عن العامين بأن قوات “فاغنر” الروسية تموقعت في ما لا يقل عن قاعدتين عسكريتين بالبلاد في احواز أهمّ آبار النفط. كما نزلت نفس القوات بمالي في المدن التي أخلتها قوات فرنسا التي كانت متمركزة بالبلاد في اطار عملية “برخان”. وجاء النزول الروسي بمالي بعد اتهام رئيس وزراء البلاد شوغويل مايغا في أكتوبر الماضي فرنسا بتدريب جماعات إرهابية قال إنها “وصلت من ليبيا بعدما دمّرت الدولة الليبية على أيدي فرنسا وحلفائها في الناتو”.

وأضاف مايغا أن حكومة بلاده عندما وافقت على التعاون مع الطرف الفرنسي لمحاربة الإرهاب في مالي طلبت من باريس مساعدتها بالمعلومات الاستخباراتية والاسناد الجوي لا غير وأن الحديث لم يدر حول نشر قوات على الأرض مؤكدا أن باريس التزمت بهذا الاتفاق في مدن كونا وغاو وتمبكتو وأنها منعت على الجيش المالي بعد انسحابها من عملية “برخان” دخول مدينة كيدال وسلّمتها الى حركة “انصار الدين” المرتبطة بتنظيم “القاعدة” الإرهابي بما حوّل المدينة الى جيب خاضع لسيطرة فرنسا مؤكدا ان لدى حكومته ادلّة على قيام ضباط فرنسيين بتدريب تنظيمات إرهابية.

كلام مايغا يأتي تأكيدا لهواجس كانت تتملّك الجزائريين منذ عدوان “الناتو” على نظام العقيد الراحل معمر القذافي ليتأكد مع مرور الوقت وتعدّد الشواهد ان وراء الرائحة دخان وأن لا دخان بلا نار بما يرجح وجود دور فرنسي قذر في إعداد بؤر من المرتزقة والإرهابيين لسيناريو عدوان على الجزائر للقضاء على دولتها الوطنية. ولعل الريبة من وجود هذا الدور هي التي حدت بالرئيس تبون الى اصدار أمر بمنع الطائرات الحربية الفرنسية “المتوجهة في مهمة الى مالي” من عبور أجواء بلاده.

الدور الإسرائيلي

لا يمكن الحديث عن استهداف الجزائر بعيدا عن الدور الإسرائيلي في محاصرتها. فقد تلت الإعلان عن التطبيع مع المغرب زيارتان : الأولى لوزير الخارجية الإسرائيلي اتهم خلالها الجزائر بالوقوف في خندق ايران والثانية لوزير الحرب الذي وقّع على اتفاقيات أمنية وعسكرية يشتري بموجبها المغرب معدّات حربية إسرائيلية وخصوصا منها الطائرات المسيّرة الى جانب السماح لتل أبيب ببناء قاعدة عسكرية بمدينة مليلية وفق ما كشفت عن ذلك صحيفة “ال اسبانيول” الاسبانية مع ما يعني ذلك من موافقة مدريد على ذلك باعتبارها عضو بـ”الناتو” وصاحبة السيادة على مدينتي مليلية وسبتة وشاركت في مناورات “بولاريس21”.

وحول آخر اخبار التسلّح المغربي، كشف موقع ActudefenseMaroc المتخصص في أنباء الجيش المغربي أن الرباط تستعد لبدء اشغال تهيئة القاعدة الجوية الواقعة بضواحي مدينة خريبكة لتكون جاهزة لاستقبال 24 مروحية عسكرية من نوع AH-46 APACHE. وأضاف الموقع ان المغرب يعمل حاليا على تهيئة قاعدتين جويتين أخريين الأولى بسيدي سليمان والثانية في منطقة بن جرير لاستقبال سرب جديد من مقاتلات F16 Block 72 يتكون من 25 طائرة ليصبح بذلك عدد طائرات سلاح الجو المغربي منها 48.

اما إسرائيل فتسعى عبر تواجدها العسكري بالمغرب للضغط على الجزائر في محاولة لترويضها وجرّها الى التطبيع ولو بالإكراه.

وفي انتظار ما قد تحمل الأيام من تطورات خصوصا في ظل تشبّث القيادة الجزائرية برفض تطبيع مجاني لا يسبقه قيام دولة فلسطينية مستقلة، يدرك الجزائريون ان الإسرائيليين يتحرّقون لتصفية حسابات مع بلدهم وأن مخطط “بن غريون” لاحتلاله وتقسيمه “نام ولم يمت”. والسؤال أمام التحرشات الأطلسية – الإسرائيلية هو: هل ينزلق الوضع نحو حرب مدمّرة تنتهي بتدخل روسي مباشر يُجهض تدمير الدولة الوطنية في الجزائر تماما مثلما كان الأمر مع السيناريو السوري؟

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 7 ديسمبر 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING