الشارع المغاربي – طريقنا‭ ‬الى‭ ‬غدنا‭...‬/ بقلم: حمادي بن جاء بالله

طريقنا‭ ‬الى‭ ‬غدنا‭…‬/ بقلم: حمادي بن جاء بالله

قسم الأخبار

11 مايو، 2023

الشارع المغاربي: اليوم‭ ‬–وقد‭ ‬جد‭ ‬الجد‭ ‬–علينا‭ ‬نحن‭ ‬معشر‭ ‬التونسيين‭ – ‬هوية‭ ‬وهوى‭ – ‬أن‭ ‬نتدرع‭ ‬بالصبر،‭ ‬ونتحلى‭ ‬باليقظة‭ ‬والحزم‭ ‬وجميع‭ ‬الفضائل‭ ‬التي‭ ‬توجبها‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬الراهنة‭. ‬فيا‭ ‬تونس‭ ‬احذري‭ !.‬و‭”‬جزى‭ ‬الله‭ ‬الشدائد‭ ‬كل‭ ‬خير‭”. ‬فما‭ ‬ألمّت‭ ‬بالإنسان–فردا‭ ‬أو‭ ‬جماعة‭- ‬مصيبة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تفنيه‭ ‬إلا‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬فيها‭ ‬خير‭ ‬كثير،‭ ‬إذ‭ ‬تهيئ‭ ‬له‭ ‬فرصة‭ ‬اختبار‭ ‬قوته‭ ‬الذاتية،‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬التحمل‭.  ‬ومن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الصبر‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬غدا‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬النصر‭. ‬ولا‭ ‬ريب‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬بلغ‭ ‬أرقى‭ ‬الدرجات‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬المكابدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ثلاثيته‭ ‬المقدسة،‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬سلامة‭ ‬الوطن،‭ ‬وحفظ‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية،‭ ‬والسعي‭ ‬الجاد‭ ‬الى‭ ‬الارتقاء‭ ‬بها‭ ‬الى‭ ‬مصاف‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬الديمقراطية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬إليه‭ ‬الا‭ ‬بانجاز‭ ‬المطالب‭ ‬العالية‭ ‬التي‭ ‬رفعتها‭ ‬ثورة‭ ‬شباب‭ ‬مدرسة‭ ‬الجمهورية،‭ ‬في‭”‬الشغل‭ ‬والحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬الوطنية‭ ”.‬

‭*‬I‭*‬

أما‭ ‬حفظ‭ ‬سلامة‭ ‬الوطن‭ ‬فأمانة‭ ‬موكولة‭ ‬لجميع‭ ‬قواتنا‭ ‬المسلحة‭ ‬يتقدمها‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني،‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬العهد‭ ‬بإيمان‭ ‬واقتدار‭. ‬وأما‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية،‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬فما‭ ‬زلنا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬حماها،‭ ‬وقد‭ ‬أنجزت‭ ‬الكثير‭ ‬وان‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬عليها‭ ‬انجازه‭ ‬أكثر‭ ‬وأخطر‭.  ‬وفي‭ ‬مقدمة‭ ‬ذلك‭ ‬تجاوز‭ ‬مصاعبها،‭ ‬وتلافي‭ ‬سلبيات‭ ‬مسارها‭ ‬التاريخي،‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالحرية‭ ‬الى‭ ‬مرتبة‭ ‬القانون‭ ‬الاسمي‭ ‬الذي‭ ‬يرأس‭ ‬جميع‭ ‬مؤسساتها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اصطلحنا‭ ‬على‭ ‬تسميته‭ ‬بالانتقال‭ ‬الديمقراطي‭. ‬

والوعي‭ ‬السياسي‭ ‬الصحيح‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وعي‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬للحرية‭ ‬وبالتالي‭ ‬للديمقراطية‭ ‬الا‭ ‬بفكر‭ ‬ينشره‭ ‬نظام‭ ‬تربوي‭ ‬متين‭ ‬الأركان‭ ‬عالي‭ ‬الغايات‭.  ‬وعدالة‭ ‬مستقلة‭ ‬قائمة،‭ ‬واقتصاد‭ ‬مزدهر‭ ‬يقوده‭ ‬نمط‭ ‬تنموي‭ ‬يزرع‭ ‬الخير‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬إرجاء‭ ‬الوطن‭.‬فلا‭ ‬مستقبل‭ ‬لشعب‭ ‬لا‭ ‬يأكل‭ ‬من‭ ‬مزارعه،‭ ‬ولا‭ ‬يلبس‭ ‬من‭ ‬مصانعه،‭ ‬ولا‭ ‬يذود‭ ‬عن‭ ‬حياضه‭ ‬بسلاحه‭. ‬وذلك‭ ‬هو‭ ‬المعنى‭ ‬الحق‭ ‬لما‭ ‬نسميه‭ ‬بسيادة‭ ‬الدولة‭ ‬منذ‭ ‬غروتيوس‭ ‬Grotius،‭ ‬كبير‭ ‬علماء‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭.  ‬وما‭ ‬خلا‭ ‬ذلك‭ ‬فهذيان‭ ‬يتخذه‭ ‬العاقل‭ ‬وراءه‭ ‬ظهريا،‭ ‬وعنتريات‭ ‬لا‭ ‬يرجو‭ ‬عاقل‭ ‬منها‭ ‬خيرا‭. ‬

وحين‭ ‬نتدبر‭ ‬هذه‭ ‬المسائل‭ ‬مجتمعة،‭ ‬دون‭ ‬انسياق‭ ‬الى‭ ‬خصومات‭ ‬سياسية‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬شيء،‭ ‬او‭ ‬الاستسلام‭ ‬الى‭ ‬السهولة‭ ‬وقصر‭ ‬النظر،‭ ‬ندرك‭ ‬إدراك‭ ‬اليقين،‭ ‬انه‭ ‬قلّ‭ ‬أن‭ ‬توفرت‭ ‬لدولة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستعمار‭ ‬ما‭ ‬توفر‭ ‬لتونس‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬الرقي‭ ‬الشامل،‭ ‬بفضل‭ ‬جهد‭ ‬وطني‭ ‬خالص‭ ‬يهتدي‭ ‬بقيادة‭ ‬سياسية‭ ‬لم‭ ‬يفل‭ ‬في‭ ‬عزمها‭ ‬تواضع‭ ‬الإمكانات‭ ‬وسوء‭ ‬الأوضاع‭ ‬الموروثة‭ ‬عن‭ ‬العهد‭ ‬الاستعماري‭.‬فقد‭ ‬واجهت‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬وضعا‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬تحت‭ ‬عتبة‭ ‬الفقر‭ ‬المدقع،‭ ‬فنزلت‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬4‭ ‬فاصل‭ ‬6‭ ‬بالمائة‭ ‬سنة‭ ‬2011‭. ‬وكان‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬عند‭ ‬الولادة‭ ‬–في‭ ‬ذات‭ ‬الفترة‭ ‬–‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬40‭ ‬سنة،‭ ‬فارتقت‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬75‭ ‬سنة‭. ‬ويعود‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التحسن‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬الصحي‭ -‬قبل‭ ‬أي‭ ‬كان‭ – ‬إلى‭ ‬بعث‭ ‬مدرسة‭ ‬الجمهورية‭. ‬فقد‭ ‬تطور‭ ‬عدد‭ ‬المعاهد‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬معهدا‭ ‬فقط‭ ‬سنة‭ ‬1960‭ ‬الى‭  ‬1403‭ ‬سنة‭ ‬2011‭. ‬وتبعا‭ ‬لذلك‭ ‬ازداد‭ ‬عدد‭ ‬الأطباء،‭ ‬فمر‭ ‬من‭ ‬430‭ ‬طبيبا‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬التراب‭ ‬التونسي‭ ‬سنة‭ ‬1960‭ ‬الى‭ ‬12932‭ ‬سنة‭ ‬2011‭. ‬وهكذا‭ ‬توفر‭ ‬122‭ ‬طبيبا‭ ‬لكل‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬ساكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬يتجاوز‭ ‬10‭ ‬اطباء‭ ‬فقط‭ ‬لكل‭ ‬100‭ ‬الف‭ ‬ساكن‭ ‬سنة‭ ‬1960‭. ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬فليُقس‭ ‬–دون‭ ‬أي‭ ‬إسراف–‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يُقل‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬الوطنية‭ ‬كما‭ ‬نتبين‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬محاضر‭ ‬القاها‭ ‬الاخ‭ ‬العزيز‭ ‬عفيف‭ ‬شلبي‭ ‬ببيت‭ ‬الحكمة‭ ‬منذ‭ ‬سنتين‭. ‬فهل‭ ‬من‭ ‬دليل‭ ‬أوضح‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬–وغيره‭ ‬كثير‭ -‬على‭ ‬قدرة‭ ‬شعبنا‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬المعجزات‭ ‬الواقعية؟‭ ‬وهل‭ ‬من‭ ‬دليل‭ ‬أوضح‭ ‬على‭ ‬خراب‭ ‬ضمير‭ ‬من‭ ‬ادعى‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬انه‭ ”‬وجد‭ ‬تونس‭ ‬خرابا‭ ‬؟‭”‬لله‭ ‬في‭ ‬خلقه‭ ‬شؤون‭ !‬

وليس‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬ما‭ ‬ذهبنا‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬صمود‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬لعشر‭ ‬عجاف‭ ‬شهدت‭ ‬فيها‭ ‬البلاد‭ ‬ألوانا‭ ‬من‭ ‬التخريب‭ ‬الفكري‭ ‬والأخلاقي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬بتدبير‭ ‬ماكر‭ ‬من‭ ”‬الخوانجية‭” ‬والتائهين‭ ‬في‭ ‬دائرتهم‭. ‬ومما‭ ‬يشير‭ ‬بجلاء‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬نومئ‭ ‬اليه‭ ‬ان‭ ‬مصاريف‭ ‬الدولة‭ ‬بلغت‭ ‬سنة‭ ‬2010‭ ‬مقدار‭ ‬18مليار‭ ‬دينار‭ ‬وانها‭ ‬قفزت‭ ‬الى‭ ‬43‭ ‬الف‭ ‬مليار‭ ‬سنة‭ ‬2020‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬اي‭ ‬تحسن‭ ‬في‭ ‬الخدمات‭ ‬العمومية‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬مستواها‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬نقائص،‭ ‬بل‭ ‬شهدنا‭ ‬تدهورا‭ ‬مفزعا‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬وقفزت‭ ‬كتلة‭ ‬الاجور‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ذاتها‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬فاصل‭ ‬8‭ ‬الى‭ ‬17‭ ‬الف‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬مع‭ ‬الحاق‭ ‬اضرار‭ ‬فادحة‭ ‬بالمرفق‭ ‬العمومي‭ ‬خاصة‭ ‬بحكم‭ ‬اندساس‭ ‬الاف‭ ‬الموظفين‭ ‬غير‭ ‬المؤهلين‭ ‬فيه‭. ‬

‭**‬II‭**‬

لذلك‭ ‬وجب‭ ‬الاعتراف‭ ‬–رغم‭ ‬أنف‭ ‬هواة‭ ‬تقزيم‭ ‬الذات‭ ‬الوطنية‭ – ‬بأن‭ ‬صمود‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬أمام‭ ‬عشرية‭ ‬تخريب‭ ‬الوطن‭ – ‬يعد‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المعجزات‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعوب‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬شاهدا‭ ‬عدلا‭ ‬على‭ ‬متانة‭ ‬الاسس‭ ‬التي‭ ‬انبتت‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬بناتها‭ ‬وابنائها‭ ‬البررة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬الزعيم‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬رحمة‭ ‬واسعة‭. ‬وفي‭ ‬صبرنا‭ ‬دليل‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬ارادة‭ ‬تجنيب‭ ‬الوطن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يسيء‭ ‬اليه‭ ‬والى‭ ‬أمن‭ ‬المواطن‭ ‬عاجلا‭ ‬او‭ ‬آجلا‭.  ‬

لذلك‭ ‬أيضا‭ ‬كانت‭ ‬بادرة‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬تتنزل‭ ‬تلقائيا‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬انقاذ‭ ‬الوطن‭. ‬ويدعو‭ ‬الواجب‭ ‬الوطني‭ ‬الى‭ ‬التنويه‭ ‬بجميع‭ ‬الوطنيين‭ ‬الذي‭ ‬هيؤوا‭ ‬للسيد‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرصة‭ ‬السانحة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬ذلك‭ ‬القرار‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬مناضلو‭ ‬الحزب‭ ‬الحر‭ ‬الدستوري‭ ‬–نساء‭ ‬ورجالا‭ – ‬بزعامة‭ ‬السيدة‭ ‬عبير‭ ‬موسي‭ ‬التي‭ ‬أشهدت‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬فساد‭ ‬حكم‭ ”‬الاسلام‭ ‬السياسي‭ ”‬عامة‭ ‬فسادا‭ ‬لا‭ ‬تدارك‭ ‬له،‭ ‬وعلى‭ ‬بؤس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬المُحلّ‭ ‬بؤسا‭ ‬لا‭ ‬بؤس‭ ‬بعده‭.‬لذلك‭ ‬كنا‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬الاسوأ‭ ‬وراءنا،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نغفل‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الأصعب‭ ‬أمامنا‭.‬

‭***‬III‭***‬

والحق‭ ‬ان‭ ‬أصعب‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأصعب‭ ‬المشار‭ ‬اليه‭ ‬التفرد‭ ‬بالحكم‭ ‬والبقية‭ ‬تفاصيل‭ ‬منجرّة‭ ‬عنه‭.  ‬فحكم‭ ‬الفرد‭ ‬حكم‭ ‬مطلق،‭ ‬والحكم‭ ‬المطلق‭ ‬مفسدة‭ ‬مطلقة‭ ‬ولو‭ ‬تظاهرت‭ ‬له‭ ‬جيوش‭ ‬من‭ ‬النوايا‭ ‬الطيبة‭. ‬فهو‭ ‬الاستبداد‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يدنيه‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬الملكي‭ ‬او‭ ‬الارستقراطي،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭. ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬او‭ ‬الارستقراطي‭ ‬يشتغلان‭ ‬حسب‭ ‬قوانين‭ ‬معلومة،‭ ‬وبموجب‭ ‬معروف‭ ‬سائد‭ ‬يعلي‭ ‬قيمة‭ ‬الشرف‭ ‬والمروءة‭. ‬وقد‭ ‬بين‭ ‬الشيخان،‭ ‬أفلاطون‭ ‬وأرسطو،‭ ‬أنّ‭ ‬الاستبداد‭ ‬دال‭ ‬قطعيا‭-‬عند‭ ‬الفرد‭- ‬على‭ ‬نفس‭ ‬غير‭ ‬سوية‭ ‬ودخيلة‭ ‬شريرة،‭ ‬وفي‭ ‬المدينة‭ ‬على‭ ‬شعب‭ ‬من‭ ‬العبيد‭. ‬وخير‭ ‬ما‭ ‬أثرى‭ ‬به‭ ‬الشيخ‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬اجتهاد‭ ‬الشيخين،‭ ‬ان‭ ‬الحاكم‭ ‬المستبد‭ ‬يحكم‭ ‬عبيدا،‭ ‬فهو‭ ‬إذن‭ ‬سيد‭ ‬العبيد‭ ‬أي‭ ‬أكثرهم‭ ‬عبودية‭ ‬وأغرقهم‭ ‬في‭ ‬حبائل‭ ‬نفسيته‭ ‬اللاسوية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬حاكم‭ ‬شعب‭ ‬من‭ ‬الأحرار‭ ‬هو‭ ‬سيد‭ ‬الأحرار،‭ ‬على‭ ‬معنى‭ ‬انه‭ ‬أبصرُهم‭ ‬بقيمة‭ ‬الحرية،‭ ‬وأحرصُهم‭ ‬على‭ ‬حفظها،‭ ‬حقا‭ ‬مقدسا‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬فردا‭ ‬وجماعة،‭ ‬لا‭ ‬تنازل‭ ‬عنه‭ ‬ولا‭ ‬مقايضة‭ ‬فيه‭.‬

ولما‭ ‬كنت‭ ‬اريد‭ ‬لشعبي–‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬المواطنة‭ ‬وهو‭ ‬دائما‭ ‬أعز‭ ‬المواقع‭ ‬وأبقاعها‭- ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬شعب‭ ‬الأحرار،‭ ‬ولرئيسي‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬رئيس‭ ‬الأحرار،‭ ‬فان‭ ‬الواجب‭ ‬يدعو‭ ‬الى‭ ‬مزيد‭ ‬التمسك‭ ‬بالثلاثية‭ ‬المقدسة،‭ ‬حفظ‭ ‬سلامة‭ ‬الوطن،‭ ‬والذود‭ ‬عن‭ ‬سيادة‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية،‭ ‬واستئناف‭ ‬مسيرة‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬انجاز‭ ‬مطالب‭ ‬شباب‭ ‬مدرسة‭ ‬الجهورية‭ ‬في‭ ‬الشغل‭ ‬والحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬الوطنية‭. ‬ويقيني‭ ‬أننا‭ ‬اقدر‭ ‬شعوب‭ ‬الارض‭ ‬على‭ ‬الارتقاء‭ ‬بانفسنا‭ ‬الى‭ ‬موضع‭ ‬مشرف‭ ‬بين‭ ‬شعوب‭ ‬الدنيا،‭ ‬وحيثما‭ ‬أشرقت‭ ‬شمس‭ ‬الله‭. ‬

ولا‭ ‬بد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬من‭ ‬الاعراض‭ ‬عن‭ ‬المشككين‭ ‬في‭ ‬البديهيات،‭ ‬والكف‭ ‬عن‭ ‬سماع‭ ‬مهاترات‭ ‬المتقيّسين،‭ ‬وغمغمات‭ ‬المتظلمين‭. ‬فمما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه،‭ ‬أن‭ ‬تاريخنا‭ ‬بيّن‭ ‬بما‭ ‬يعلو‭ ‬عن‭ ‬الشبهات‭ ‬والريب،‭ ‬اننا‭ ‬شعب‭ ‬تعود‭ ‬ضرب‭ ‬المواعيد‭ ‬الكبرى‭ ‬مع‭ ‬التاريخ‭ ‬الإنساني‭. ‬ثم‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬لحق‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬أضرار‭ ‬فادحة‭ ‬جراء‭ ‬حكم‭ ‬الخوانجية‭ ‬يلغي‭ ‬جميع‭ ‬معاني‭ ‬تظلمهم‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭. ‬ومن‭ ‬غريب‭ ‬الأمر‭ ‬انه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬ممن‭ ‬يسمعون‭ ‬تظلمهم‭ ‬سأل‭ ‬التونسيين‭ ‬عما‭ ‬يقاسون‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬مآس،‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬مكرهم‭ ‬المباشر‭ ‬طيلة‭ ‬العشرية‭ ‬الماضية،‭ ‬وسعايتهم‭ ‬المتخفية‭ ‬منذ‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭. ‬أما‭ ‬هذيان‭ ‬المتقيّسين‭ ‬وغمغمات‭ ‬المتحلّمين‭ ‬فسحاب‭ ‬كاذب،‭ ‬سواء‭ ‬بحكم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬انتصار‭ ‬البعض‭ ‬للسيد‭ ‬قيس‭ ‬سعيد،‭ ‬من‭ ‬خطأ‭ ‬واضح‭ ‬ووهم‭ ‬مكين‭. ‬وليس‭ ‬لذلك‭ ‬كله،‭ ‬ان‭ ‬يطول‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬طال،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬الواجب‭ ‬يقضي‭ ‬بالتنبيه‭ ‬على‭ ‬مخاتل‭ ‬مواقفهم‭ ‬والتعرية‭ ‬على‭ ‬مكامن‭ ‬أوهامهم‭. ‬

والحق‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتضح‭ ‬خطاب‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬لقارئه‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬جميع‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬بإعلام‭ ‬المواطنين‭ ‬بجميع‭ ‬ما‭ ‬يتخذ‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬وما‭ ‬تأتيه‭ ‬من‭ ‬أفعال،‭ ‬لاسيما‭ ‬حين‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بأمن‭ ‬المواطن‭ ‬وحريته‭ ‬أو‭ ‬بالقضاء‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والتربية‭ ‬والثقافة‭ ‬الخ‭.. ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬التونسي‭ ‬عالة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬المصادر‭ ‬غير‭ ‬الرسمية‭ ‬من‭ ‬اخبار‭ ‬زيفها‭ ‬أحيانا‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬صحتها‭. ‬

وعلى‭ ‬المتقيّسين‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬انه‭ ‬لئن‭ ‬كانت‭ ‬جميع‭ ‬المسائل‭ ‬التي‭ ‬يتحدث‭ ‬عنها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬على‭ ‬طريقته‭ ‬مثل‭ ‬استشراء‭ ‬الفساد‭ ‬أو‭ ‬العبث‭ ‬بقوت‭ ‬الشعب‭ ‬الخ‭ ‬هي‭ ‬مسائل‭ ‬حقيقية‭ ‬وإن‭ ” ‬سبقه‭ ‬إليها‭ ‬عكاشة‭” ‬أي‭ ‬لا‭ ‬فضل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الأمر،‭ ‬فانه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬مسألة‭ ‬واحدة،‭ ‬وقعت‭ ‬معالجتها‭ ‬بطريقة‭ ‬سليمة‭ ‬بحكم‭ ‬التفرد‭ ‬بالحكم‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أولى‭ ‬وبحكم‭ ‬ما‭ ‬يعيش‭ ‬القضاء‭ ‬من‭ ‬أوضاع‭ ‬لا‭ ‬يرضاها‭ ‬الكريم‭ ‬المدرك‭ ‬حق‭ ‬الادراك‭ ‬لمعنى‭ ‬القضاء،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية،‭ ‬وبفعل‭ ‬فساد‭ ‬المناخ‭ ‬السياسي‭ ‬–الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ثالثة‭. ‬

غير‭ ‬أنه‭ ‬كفى‭ ‬الاوطان‭ ‬فخرا‭ ‬ان‭ ‬تعد‭ ‬مصاعبها‭. ‬فلا‭ ‬وجود‭ ‬عندنا‭ ‬لما‭ ‬يسميه‭ ‬البعض‭ ”‬ازمة‭” ‬أو‭ ”‬معضلة‭” ‬اي‭ ‬مصاعب‭ ‬لا‭ ‬حل‭ ‬لها‭. ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬طريقنا‭ ‬الى‭ ‬غدنا‭ ‬واسعة،‭ ‬واضحة،‭ ‬مستقيمة‭. ‬وأول‭ ‬الخطوات‭ ‬إلى‭ ‬غدنا،‭ ‬وعلى‭ ‬منهجنا،‭ ‬ووفقا‭ ‬لما‭ ‬تُوجب‭ ‬الثلاثية‭ ‬المقدسة،‭ ‬تنقية‭ ‬المناخ‭ ‬السياسي‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يوجب‭ ‬ضرورة‭ ‬الشروع‭ ‬اليوم‭ ‬وليس‭ ‬غدا‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬مجتمعي‭ ‬باشراف‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬على‭ ‬ألّا‭ ‬يُمنع‭ ‬منه‭ ‬أحد‭ ‬باستثناء‭ ‬من‭ ‬دمّر‭ ‬الحياة‭ ‬الوطنية‭ ‬خلال‭ ‬العشرية‭ ‬الماضية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفضي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬حق‭ ‬أي‭ ‬كان‭ ‬اعتباطيا‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬مستقبلا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭. ‬ومما‭ ‬يحمل‭ ‬على‭ ‬التفاؤل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬التقارب‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬والاتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل‭ ‬في‭ ‬التمسك‭ ‬المتين‭ ‬بالسيادة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وفي‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المُقرضين‭ ‬الأجانب‭. ‬وثاني‭ ‬تلك‭ ‬الخطوات‭ ‬اتخاذ‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬من‭ ‬تدابير‭ ‬شاملة‭ ‬معمقة‭ ‬لسلامة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬السلطتين‭ ‬القضائية‭ ‬والتنفيذية‭. ‬فلا‭ ‬محاسبة‭ ‬دون‭ ‬قضاء‭ ‬عادل‭ ‬مستقل،‭ ‬تُحترم‭ ‬فيه‭ ‬جميع‭ ‬الإجراءات‭ ‬’الشكلي‭ ‬منها‭ ‬والمادي‭. ‬وثالث‭ ‬تلك‭ ‬الخطوات‭ ‬المبادرة‭ ‬حالا‭ ‬بايقاف‭ ‬التدهور‭ ‬المستمر‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭. ‬فلا‭ ‬اصلاحات‭ -‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬التربوي‭ ‬والثقافي‭ -‬الا‭ ‬بعد‭ ‬درء‭ ‬المضار‭.‬

ذلك‭ ‬طريقنا‭ ‬إلى‭ ‬غدنا‭ : ‬ثلاثية‭ ‬مقدسة‭ ‬موجبة‭ : ‬سلامة‭ ‬الوطن‭ ‬وحفظ‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬ومواصلة‭ ‬مسيرة‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬وثلاثية‭ ‬مؤلمة‭ ‬ولكنها‭ ‬ضرورية،‭ ‬تجاوز‭ ‬الحكم‭ ‬الفردي‭ ‬واصلاح‭ ‬القضاء‭ ‬ووقف‭ ‬تواصل‭ ‬تدهور‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭. ‬وما‭ ‬عدا‭ ‬ذلك‭ ‬يُترك‭ ‬للحوار‭ ‬الوطني‭ ‬ويمكن‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬كلمة‭ ‬سواء‭ ‬اعتبار‭ ‬ما‭ ‬تلا‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬البرلمان‭ ‬الحالي‭ ‬مما‭ ‬اقتضاه‭ ‬الانقاذ‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬مبادرات‭ ‬مؤقتة‭ ‬يقع‭ ‬الاتفاق‭ ‬بين‭ ‬المتحاورين‭ ‬على‭ ‬مستقبلها‭. ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬الامر‭ ‬صعب‭ ‬المنال‭ ‬الى‭ ‬درجة‭ ‬الطوباوية‭. ‬ولكن‭ ‬يقيني‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يعظم‭ ‬على‭ ‬الهمة‭ ‬الوطنية‭ ‬العالية‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬تضحية‭ ‬تثقل‭ ‬على‭ ‬شعب‭ ‬أصرّ‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬المطالبة‭ ‬بالشغل‭ ‬والحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬الوطنية‭.‬

*نشر بأسبوعية”الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 9 ماي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING