الشارع المغاربي- العربي الوسلاتي: نجح المنتخب التونسي لكرة السلّة في التتويج ببطولة افريقيا أفروباسكات رواندا 2021 بعد فوزه يوم الأحد الماضي في المباراة النهائية على حساب المنتخب الايفواري بنتيجة 78 مقابل 75 في مواجهة أرهقت كثيرا أعصاب الجماهير التونسية بحكم أنّ التنافس والتشويق على اللقب الغالي تواصل الى حدود الثانية الأخيرة من عمر المواجهة الصعبة والمثيرة.
تتويج مكّن تونس من المحافظة على لقبها القاري الذي فازت به منذ 4 سنوات في تونس بالذات وهو التتويج الثالث في تاريخ المشاركات التونسية بعد بطولة 2011 ليضع عناصرنا الوطنية على قمة المجد القاري خارج دائرة المنافسة والمقارنة. تتويج جديد ينضاف لتتويجات باهرة وشحت صدر عشرية خالدة من النجاحات والانجازات الرياضية غير المسبوقة جعلت تونس تكون سيدة افريقيا الأولى دون منازع كونها تمكنت من التتويج بثلاث بطولات افريقية بالتمام والكمال في ظرف عشر سنوات فقط. عشرية أهمّ ما يميزها ويفرّدها أنها جاءت في وقت تعيش فيه البلاد على وقع هزات ونكسات سياسية متتالية ومتعاقبة أعادت تونس سنوات وسنوات الى الخلف ولكنها في المقابل لم تمنع هذا الجيل الاستثنائي من كتابة تاريخ جديد لكرة السلّة العربية والافريقية.
عوامل النجاح والتميّز عديدة وكثيرة ذلك أنّ المنتخب التونسي يملك بين صفوفه مجموعة من اللاعبين المتميزين فنيا وتكتيكيا وبدنيا والأهم من ذلك أن هذا الجيل هو مزيج وخليط بين لاعبي الخبرة الذين خبروا جيّدا ثنايا القارة السوداء وعرفوا خارطة الطريق الى البوديوم وبين لاعبين شبان يتقدون حيوية ونشاطا ورغبة جامحة في الوصول الى منصة التتويجات.
توليفة مميّزة ومتجانسة قادتها قامات فنية محترمة جدّا في لعبة العمالقة عرفت كيف توظّف هذه الطاقات الواعدة والكبيرة لبناء منتخب قوي وعتيد أحكم قبضته على كلّ قاعات القارة الافريقية. البداية كانت بصانع هذا الجيل وباني نواته الأولى ونعني المدرّب القدير عادل التلاتلي الذي قاد بنفسه ملحمة الصعود الصاروخي لهذا المنتخب نحو القمّة بعد أن كانت مقاعد منتخبنا الوطني حكرا على الصفوف الثانية بعيدا عن الواجهة. التلاتلي بدأ رحلة الصعود الى أعلى والبقية قدّموا على مهل وأمسكوا بالمشعل وواصلوا المسير بنفس الثبات ونفس الحكمة فكانت النتيجة تتويجات تتلوها تتويجات ومنتخب يصدع صوته واسمه في عنان السماء.
النجاح جماعي وكل فرد ينتمي لعائلة كرة السلّة يعتبر مساهما بشكل مباشر أو دونه في حصول هذا التتويج. وكل طرف مهما كان حجمه أو وزنه سواء كان ينتمي للطاقم الفنّي أو الإداري يعود له الفضل في ما وصلت اليه السلّة التونسية اليوم. ولكن مهما كانت قيمة المساهمة الجماعية ومهما كان النجاح مدينا لمنطق المجموعة والجماعية فإنّ الفضل كلّ الفضل في هذا النجاح الباهر يعود أوّلا وكثيرا وأخيرا لباني هذه الامبراطورية الرياضية الشامخة علي البنزرتي رئيس الجامعة التونسية لكرة السلة الذي لم ينس وهو بصدد تشييد أسوار دكتاتوريته العالية أن يبني قلعة كبيرة لرياضة كانت بالأمس القريب ماركة محلية لا نقوى على تصديرها خارج الحدود الى أن جاء اليوم الذي تطأ فيه أقدام تونسية القاعات الأمريكية الصاخبة.
علي البنزرتي مهندس هذا النجاح ومصحّح حروفه تحوم حوله عديد الألسن والتوصيفات. فهو رئيس الجامعة منذ أكثر من 15 سنة وسيبقى رئيسا لها على الأقلّ لثلاث سنوات قادمة… هو دكتاتور بكل ما في الكلمة من معاني وتأويلات… هو الفاعل والآمر والناهي والجميع يتوسمون فيه خيرا حتى لو كان شرّا… أندية ومسؤولون ولاعبون يسبحون في فلكه لا يعصون له أمرا ولا يطيقون عنه صبرا. يتدخّل في كل كبيرة وصغيرة ولا أحد يقول كلمة أو يحرّك كرة أو حجرة دون مشورته وهذه التفاصيل ليست مخفية عن العائلة الرياضية والبنزرتي نفسه لا يتحرّج من الاعتراف بذلك والاقرار بكونه الدكتاتور السعيد الذي يرسم ملامح العهد الجديد.
قد نتفق جميعا على أنّ صورة علي البنزرتي رئيس الجامعة التونسية لكرة السلّة الجاثم على صدر الجامعة منذ أكثر من 16 سنة تتقاطع وتتعارض مع رمزية الدولة الحداثية الثائرة. وقد نتفق كذلك على أنّ طول المقام يشرّع لنموّ بذور الفساد والخراب. وقد يكون من البديهي التسليم بأنّ أحادية القرار والانفراد بالحكم يؤدّي حتما الى السقوط والانهيار ولكن لكل قاعدة شذوذ لا يحجب الاستثناء وما يقوم به البنزرتي اليوم وما قام به سابقا يؤكّد أنه استثناء جميل في الإدارة الرياضية التونسية.
هو دكتاتور محبوب وناجح وسط دكتاتورية حميدة يتعاظم نفوذها وشموخها يوما بعد يوم. لذلك لم يعد من المحرج الاعتراف بأنّ علي البنزرتي هزم كل النواميس والأعراف والشعارات البالية. نعم نجح علي البنزرتي في تحقيق نهضة رياضية كبيرة تعجر عن صياغة ومجاراة منوالها أعتى الديمقراطيات المتمايلة على صراط التداول السلمي للسلط والتشاور الفولكلوري على تحوّز كلّ العناوين ومجرّد التقاط الصور. نجح علي البنزرتي وهو الدكتاتور الذي يحكم قبضته على كل مفاصل اللعبة في وقت فشل فيه البقيّة في صياغة نفس عناوين المجد القاري. نجح البنزرتي لأنّه يضع نجاح كرة السلة ضمن أولويات نجاح دكتاتوريته الناشئة التي تشرف على الاحتفال بعقدها الثاني. نجح هو في حين فشل البقية لأنّهم يقدّمون مصلحتهم الشخصية على حساب المصلحة العامة. البنزرتي يحب نفسه ويحب غروره ويتباهى بزعامته الصامدة في وجه كل المتغيّرات وهو يعرف كيف يوظف كل الطاقات الفنية والبشرية لفائدته ولفائدة جامعته. يضع يده في يد مدربين محترفين لا يخشى تعاظم نفوذهم ولا خروجهم عن طوعه وهو لميزة فيه يعرف متى وكيف ينهي وجودهم ويستعين بغيرهم فلا الجامعة تتأثّر ولا المنتخب يتعثّر. وحتى خصوماته المتواصلة مع بعض الفرق والمسؤولين وحتى اللاعبين يعرف متى يقدمها وكيف يؤخرها… هو ذكيّ لدرجة الخبث لذلك رغم صمته المتعمّد بقي صامدا ثابتا في قلب العاصفة. يحتل واجهة العناوين الرئيسية رغم أنه بعيد عن اللعبة السياسية التي تكاد تبتلع كل رموزها.
بالمحصّلة نجح علي البنزرتي في تحصين نفسه وفي تحصين امبراطوريته الرياضية لأنّ الأرقام والتتويجات تنصفه ولا نخال أحدا اليوم سواء كان وزيرا بالصدفة أو معارضا للحظة يقدر أن ينادي بالتغيير في جامعة تلتهم النجاحات الواحد تلو الآخر مثلما تلتهم الدكتاتوريات أوكسجين الحياة في وقت تغرق فيه بعض الجامعات الأخرى في مستنقع الخصومات والبيانات وتتخصّص في تفسير النصوص والقوانين أكثر من تخصصها في تفريخ الرياضيين… جامعات موازية تعاني من وهم الدكتاتورية ومن سراب الامبراطورية فلا هي نجحت في نشر العدالة الرياضية ولا هي توفقّت في حماية أسوارها من براثن الفتن والمحسوبية.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 7 سبتمبر 2021