الشارع المغاربي: فاروق بوعسكر رئيس هيئة الانتخابات في مرمى انتقادات واسعة بعد ان تحوّل ، حسب طيف واسع من الفاعلين الى مقاول بناء فوضوي لعملية انتخابية ستكون وفق مختصين في الشأن الانتخابي الاسوأ منذ الثورة. بوعسكر القاضي العدلي المرابط في الهيئة منذ تأسيسها مُتهم بتغليب طموحاته على جوهر عمل هذه المؤسسة وفلسفة ارسائها.
زاد قرار مجلس هيئة الانتخابات القاضي بالتمديد في آجال تقديم الترشحات للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها يوم 17 ديسمبر القادم من حدة الانتقادات الموجهة لهذه الهيئة ولرئيسها فاروق بوعسكر الذي فشل في تعليل قراراتها وفي مُحاججة مقاطعي السباق التشريعي الذين يشكّكون صراحة في استقلالية الهيئة ونزاهتها .
فالهيئة التي كانت تمثّل مكسبا من مكاسب الانتقال الديمقراطي ونقطة تحول في تنظيم الانتخابات التي كانت مرجع نظر وزارة الداخلية طيلة عقود، باتت مجرّد هيكل فقد استقلاليته منذ تغيير التركيبة يوم 21 افريل 2022 بمرسوم رئاسي وسقطت عنه المصداقية بسبب الانحرافات التي رافقت تنظيم الاستفتاء على دستور جوان 2022 لينتهي مع تراكم الاخطاء والبداية المتعثرة لمسار تنظيم الانتخابات التشريعية الى طرف في الازمة السياسية.
بوعسكر.. كيف تحول الى رجل الرئيس ؟
عرفت تونس أول هيكل مستقل يشرف على تنظيم الانتخابات سنة 2011 وتحديدا يوم 18 افريل 2011 وحلّت بذلك هيئة الانتخابات محل وزارة الداخلية التي ظلت تشرف على الانتخابات طيلة أكثر من نصف قرن ( منذ 1956) . اول رئيس للهيئة كان كمال الجندوبي وكان فاروق بوعسكر انذاك رئيسا للهيئة الفرعية بسوسة ثم تحصّل على عضوية صلب مجلسها سنة 2017 وفشل في جوان 2019 في الفوز برئاستها التي تنافس عليها مع نبيل بافون.
بوعسكر من طلبة رئيس الجمهورية قيس سعيد عندما كان استاذا مساعدا في كلية الحقوق بسوسة. يقول خصومه ان ذلك كان مدخلا مكّن بوعسكر من حظوة لدى سعيد الذي لا يخفى تبجيل “طلبته” و”زملائه” السابقين في كعكعة التعيينات. في خفايا تغيير تركيبة الهيئة، يُطرح دور لعبه بوعسكر لـ” تشويه صورة زميله نبيل بافون” رئيس الهيئة انذاك ومنافسه السابق على رئاستها وتقديمه في صورة ” خادم سابق للنهضة ومنسق حالي مع عبير موسي”.
لا يمكن تأكيد هذا الدور الذي لا يبدو محوريا في كل الأحوال استنادا على الاقل الى ما كان يدلي به الرئيس سعيد من تصريحات تجاه الهيئة ومن تشكيك في استقلاليتها ونزاهتها وكان الامر يتجه وقتها لاعادة عملية تنظيم الانتخابات لوزارة الداخلية قبل ان تحول الضغوطات الخارجية دون تثبيت هذا التوجه. تلاقت المصالح بين سعيد وبوعسكر، الاول يبحث عن رئيس لهيئة رئاسية موالية ومطيعة والثاني وجد الفرصة سانحة لتحقيق طموح رئاسة الهيئة.
انْتُقِدَ سعيد لاختيار نائب رئيس لهيئة يتهمها بالتزوير ويشكك في نزاهتها لقيادة مسار اصلاحي وانتُقد بوعسكر لقبوله بمبدأ تعيين يُفقده والهيئة اية استقلالية. الا أن حسابات الثنائي مكّنتهما من التلاقي. لسعيد سلطة اصدار المراسيم التي تمنحه اليات تشريعية لـ “تحصين” الهيئة حتى لا تخرج عن دائرة الولاء التام. اما بوعسكر فقد راى في المد الشعبي المساند للرئيس غطاء لقبول المهمة الجديدة والتي قال في حوار في برنامج ” جاوب حمزة” على اذاعة ” موزاييك” بداية شهر سبتمبر المنقضي انه تردد في قبولها.
هكذا اصبح بوعسكر رجل الرئيس الذي قد يكون اختاره لعدة اعتبارات منها تجربة سنوات صلب الهيئة تُمثل ضمانة لحسن تنفيذ خارطة الطريق التي كان قد اعلن عنها سعيد يوم 13 ديسمبر 2021 من سيدي بوزيد وأيضا صفة سابقة “نائب لرئيس الهيئة” التي تعد رسالة للخارج مفادها المحافظة على استقرار صلب الهيئة. ينضاف الى ذلك طابع بوعسكر “المهادن” وطموحات كبيرة لن تترك له مجالا لرفع لاءات مهما حدث من انحرافات.
خفايا خطيرة
تحول بوعسكر الى خصم اساسي لمعارضي رئيس الجمهورية لخطورة الدور الذي يلعبه. دور اخرجه من دائرة ظل كانت تخفي تفاصيل سنوات قضاها في الهيئة. معطيات ثابتة تؤكد ان شكاية مرفوعة بفاروق بوعسكر من زميلته السابقة في الهيئة حسناء بن سليمان التي كانت تتقلد ايضا منصب وزيرة مكلفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة والناطقة باسم حكومة هشام المشيشي. القضية الجزائية ضد بوعسكر تتعلق بعنف لفظي وهرسلة وتمييز وتم ايداعها بتاريخ 6 جوان 2022.
شكاية بن سليمان والوقائع التي نقلتها لا ينفيها اعوان واطارات واعضاء بالهيئة ممن دعوا الى النبش في محاضر الهيئة وفي “المعارك” التي كان يقودها اساسا بوعسكر حول “الامتيازات” والاطلاع على بيان ترشحه لعضوية المجلس الاعلى للقضاء سنة 2016 والتساؤل عن سبب عدم صدور التقرير النهائي لانتخابات 2019 حتى اليوم. نبش يحيل وفق تقديراتهم الى “انعدام كفاءة وانتهازية سياسية وسوء علاقاته بزملائه” .
الى ذلك يعيب “قدماء من الهيئة” على بوعسكر تحوله الى واجهة يقولون انها ستمكن من تبييض ما يسمونه بـ”جرائم خطيرة ” شهدتها الهيئة. لا يُتهم رئيس الهيئة بالفساد المالي لكنه بالنسبة للعديدين اداة الرئيس لتوظيف الهيئة في تنزيل مشروعه السياسي واقصاء خصومه من جهة واداة من جهة اخرى لمجموعة نافذة في الادارة تتحكم في جميع مفاصلها واوصدت الباب امام فتح ملفات وصل بعضها للقضاء وتتعلق بشبهات فساد مالي خاصة في عدد من الصفقات.
والجدل القائم حول الهيئة بشقيه السياسي والاجرائي مثل بوابة للبحث في سجل الهيئة التي وان كانت ضمانة من ضمانات عدم العودة الى ماض اسود في تزوير الانتخابات فإنها كانت ايضا الدجاجة التي تبيض ذهبا لعدد ممن مروا عليها وممن لازالوا نافذين تحميهم الحصانة السياسية وصفتهم الادارية وتسبب تعدد وتشعب ازمات البلاد في خروج الهيئة عن دائرة الاهتمام الوطني مع غلق قوس كل استحقاق انتخابي.
ذلك ان عدد الشكايات المرفوعة وشهادات اعضاء سابقين حول ” منظومة” كاملة تتحكم في الهيئة تدعو للتسريع بفتح الملفات التي قد تكون اليوم محل مساومات داخلها ستتسبب في مزيد تعثرها. وبوعسكر الذي يتصدر اليوم المشهد بصفته رئيسا للهيئة قد يكون اول ضحايا هذا المسار المختل والمحفوف بمخاطر عدم القبول بنتائج الانتخابات ورفضها ان لم يتم في الاخير تأجيلها.
فاروق بوعسكر هو اختيار خاطئ اخر لرئيس الجمهورية وتأكيد لفشله في ملف التعيينات وفي فلسفة الاصلاح التي اثبتت انها غطاء لتمرير قوانين على المقاس تبين قصورها خاصة في التعديلات المدخلة على القانون الانتخابي التي وضعت الهيئة في ورطة قد تتحول الى مهزلة ان قرر رئيس الجمهورية ادخال تعديلات جديدة على القانون الانتخابي بعد ان عجز عدد من مساندي مسار 25 جويلية عن اتمام اجراءات الترشح المعقدة خاصة في علاقة بالتزكيات.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 25 اكتوبر 2022