الشارع المغاربي- العربي الوسلاتي : عاشت البلاد ولازالت على وقع أسبوع صعب تخلّله سيل عارم من الاحتجاجات والمظاهرات التي أوقدها قانون المالية ونار “الفتنة” المتقّدة بغلاء الأسعار… وكادت الأمور تتطوّر نحو الأسوأ لولا يقظة أبناء الدار ولطف الربّ الذي أنعم علينا بالبرد والأمطار… الحراك الاجتماعي المتدفّق انفلت من بين الأًصابع ليعلو جدران الدار… والكلّ ينادي بالرفض القاطع… والصوت العالي لم يستثن أحدا وضجيج الغضب المتصاعد أيقظ كلّ الثوّار… جماهير الترجي المنشغلة باحتفالية المأويَة ثارت هي الأخرى على العرف السائد الساكن فينا أناء الليل وأطراف النهار…ليس لنفس القضيّة… والعنوان هذه المرّة كان نصرة القضيّة الفلسطينية.
ترجي تونس كان سيلاقي يوم السبت الفارط فريق ترجي واد النيص الفلسطيني في إطار دعم القضيّة الأمّ فلسطين قبلة الأوّلين…وموعد المباراة كان مبرمجا مسبقا والجميع كان يترّقب موعد الاحتفالية الترجيّة بين فريق الدم والذهب وفريق الدمّ والتعب… الأمور كانت تسير على أحسن ما يرام وجماهير الترجي استعدت لهذا الموعد وجهّزت “الدخلة والفلام“… فجأة بدأت التضييقات وتمّ تغيير موعد المباراة في أكثر من مرّة وتمّ التخفيض في عدد الجماهير قبل أن تقرّر وزارة الداخلية مصادرة “الدخلة” وتدخلها إلى “ڤلبو“…
قرار دفع الترجي هيئة وجماهيرا إلى إلغاء المباراة بسبب ما اعتبروه تضييقات وتراكمات وخشية أن تخرج المباراة عن طورها الاحتفالي وتتحوّل إلى رقعة جديدة من الاحتجاجات التي قد لا تخمد فلا صوت يعلو على صوت المدرّجات…
قد يكون قرار وزارة الداخلية مفهوما إلى درجة ما فالوضع في تونس لا يتحمّل مزيدا من التجييش ومن الحشد الجماهيري… وحالة الانفلات الشعبي التي تتعاظم يوما بعد يوم في تونس لم تكن تسمح ببرمجة مباراة من هذا الحجم تفيض شعارات وآهات لا قيود لها ولا محرّمات… كان يمكن أن نتفهمّ قرار إلغاء المباراة برّمتها أو تأجيلها إلى حين أن تهدأ الخواطر والنفوس ويعود الليل الصاخب إلى سكونه وينتهي الشارع من “تخميرته” وجنونه… لكن ما حصل لم يكن في ظاهره موضوعيا… فقرار مصادرة “الدخلة” لم يكن لدواع أمنية… فقد كان لحسابات سياسية غفلت عن حسابات الشارع وأهملت لبّ القضيّة…
“دخلة” جماهير الترجي اكتسحت شبكات التواصل الاجتماعي وتصدّرت كلّ الصفحات وكما شاهدناها جميعا لم تكن تحمل شعارات مسيئة بل فقط بعض الرسائل والتلميحات… لم نكن نعلم أنّ تونس الرافضة للتطبيع والمصوّتة ضدّ قرار الرئيس الأمريكي يخيفها أن توشّح صورتا الشهيدين صدام حسين وأحمد ياسين مدرّجات ملعب رادس… لم نكن ندرك أنّ صورة أيقونة المقاومة الفلسطينية عهد التميمي ولوحة الأسير البطل مروان البرغوثي تهدّدان أمن الوطن… لم نكن ندري أن القدس قضيّة تباع وتشترى على الرصيف وعلى جنبات “العفن“… اتّضح أننا نبيع الوهم وأنّنا نتاجر بكلّ القضايا حتى تلك لا تتقادم بمرور الزمن… اتّضح جليّا أنّ الله فقط عليم بذات الصدور وبأنّ كلّ فلسطين “في ڤلبو“…