الشارع المغاربي-كوثر زنطور: اثار الاستقبال المُهين لسفير تونس في ليبيا الاسعد العجيلي من قبل رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة نهاية الاسبوع المنقضي تساؤلات حول سر الصمت الرسمي التونسي في ظل حديث في الكواليس عن ان اللقاء خصص للاحتجاج على” اصطفاف السلطات التونسية الى جانب رئيس الحكومة المزكى من البرلمان فتحي باش اغا” ولاستنكار تمكينه من تسهيلات لدخول طرابلس تمهيدا لافتكاك السلطة.
نهاية أسبوع حافلة بالأحداث بين تونس وليبيا كان عنوانها الابرز ” احباط محاولة دخول باش اغا طرابلس عبر معبر ” وازن الذهيبة”. هذه المحاولة كانت بمثابة تأكيد على “خروج تونس عن الحياد” في التعاطي مع الملف الليبي وفق ما تداولت الاوساط القريبة من رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة الذي اشتكى من “عدم رد رئيس الجمهورية قيس سعيد على عدد من الاتصالات الهاتفية” وتجاهله “استفسارت وردته من الجهات ” الشرعية الليبية” حول “الحظوة التي منحتها الدولة التونسية لفتحي باش اغا”.
باش آغا .. واللعب على التناقضات
يقيم رئيس الحكومة المزكى من برلمان طبرق فتحي باش اغا واعضاء حكومته بأحد نزل الضاحية الشمالية للعاصمة تونس الذي تحول الى مقر رسمي يعقد فيه اجتماعاته. وينزل في نفس النزل الفخم العشرات من وزراء ومستشاري ومساعدي باش اغا ينشطون من تونس التي تعد حاضنة لجل السفارات الاجنبية في ليبيا منذ اعوام وباتت وفق توصيف احد المقربين من باش اغا” العاصمة السياسية الفعلية لليبيا”.
رغم النفي القاطع للاوساط القريبة من باش اغا وجود ” اي دعم خاص من السلطات التونسية” فان هذا الاتهام وجه صراحة من الديبية خلال اللقاء الذي جمعه بالسفير التونسي في ليبيا الاسعد العجيلي بتاريخ 16 افريل 2022 وحضره آمر قوة مكافحة الارهاب اللواء محمد الزين وكان خلاله الدبيبة بلباس غير رسمي.
حضور المسؤول الامني في الاجتماع كان لتقديم “معطيات حول تداعيات دخول باش اغا طرابلس عبر الحدود التونسية وما قد ينتج عن ذلك من انطلاق مواجهات مسلحة لن تكون تونس في منأى عنها بعد ان تحولت الى طرف في نزاع الشرعيات القائم بين رئيسي حكومتين”، حسب ما أكد لـ”الشارع المغاربي” مصدر رفيع المستوى.
بالعودة الى تطورات الايام الاخيرة، فقد كشف عبد الوهاب الحجام عميد بلدية تالوت لقناة “فبراير” الليبية المحسوبة على الدبيبة ان قوات المدينة تصدت فجر يوم السبت المنقضي لما اسماه بمحاولة قوة تابعة لرئيس المخابرات الليبية اسامة الجويلي تأمين دخول باش اغا من تونس الى ليبيا عبر معبر وازن ذهيبة الحدودي. وفي نفس اليوم التقى الدبيبة بعميد البلدية بما اعطى تاكيدا على رواية المسؤول المحلي حول ما سمي بمحاولة باش اغا دخول طرابلس.
تجاهلت تونس اتهامات الدبيبة الواردة على الخارجية في مراسلة وجهها السفير العجيلي. تجاهل يمثل ردا قويا وفق ما ذهب اليه عدد من الدبلوماسيين التونسيين ممن اعتبروا ان “ما قام به الدبيبة لا يستحق ردا رسميا” وان “تجاهله اقوى من مطالبته بالاعتذار او دعوة سفير ليبيا في تونس للاحتجاج على الطريقة المهينة التي استقبل بها الدبيبة العجيلي للتسويق لصورة الرجل القوي الماسك بزمام الامور رغم هشاشة سلطاته منذ فشل تنظيم الانتخابات التي كانت مقررة ليوم 24 ديسمبر الماضي ثم سحب برلمان طبرق الثقة منه وتزكية حكومة جديدة يقودها باش اغا.
هذا التوتر في العلاقات بين تونس والدبيبة او بالاحرى بين الدبيبة ورئيس الجمهورية قيس سعيد ليس بالمستجد ويعود الى اشهر مضت. فقد سبق للدبيبة ان بقي ينتظر 4 ساعات حتى يتمكن من دخول تونس فجر زيارته الشهيرة الى العاصمة يوم 9 سبتمبر 2021 والتي التقى خلالها قيس سعيد بعد تدخل من سفيري دولتين ، وفق راوية متداولة بقوة في الاوساط الدبلوماسية الدولية . تلك الزيارة جاءت اثر تصريحات مثيرة للجدل وغير مسبوقة أدلى بها الدبيبة والمح فيها الى ان تونس مصدر الارهاب في ليبيا .
تلك التصريحات انضافت اليها اخرى حول الاموال الليبية المجمدة في تونس اذ طالب الدبيبة باستردادها في أسرع الآجال والمح ايضا الى وجود نوايا للاستيلاء عليها قيمتها تقدر بـ250 مليون دولار. علاوة على ذلك صدم الدبيبة الجميع بنفيه بتهكم حقيقة موافقة حكومته والبنك المركزي الليبي على طلب تونس الحصول على وديعة بـ4 مليارات دولار لتخفيف ازمة المالية العمومية التونسية. اعتبرت تلك التصريحات من قبل داعمي مسار 25 جويلية المقربين من سعيد والمؤثرين في محيطه على انها ” تطاولا” و”اعلان غير رسمي عن غضب من اخراج النهضة من السلطة” وعلى انها تعكس ايضا موقفا سلبيا ورافضا للاجراءات التي اقرها سعيد ضد “حلفاء الدبيبة” القريب من الاخوان ومن تركيا.
في باب سرد سر التوتر في العلاقات، تُذكر ايضا الزيارة التي اداها رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي الى ليبيا يوم 22 ماي 2021 والتي تمت باعداد وتنسيق من حركة النهضة واعتبرتها الرئاسة وقتها ” تشويشا على زيارة سعيد الى ليبيا قبلها باقل من شهرين (16 ماي 2021) والتي وصفت بالتاريخية لاسيما انها كانت الاولى من نوعها لرئيس تونسي منذ 2012.
المعلوم ان سعيد كان اول رئيس جمهورية يزور ليبيا بعد تسلم السلطات الجديدة الحكم وكان عنوان الزيارة “دعم مسار الانتقال الديمقراطي في الجارة ليبيا”. اعتبر استقبال المشيشي وحكومته بتنسيق من اهم مكون في حزامه السياسي (النهضة) في فترة صراع محموم بين الرئاسات الثلاث بتونس على انه “قلة ذوق سياسي” وأمر دُبر بتدخل تركي لغايات سياسية ” معلومة” . وللتذكير ايضا تم تبادل الاتهامات بين القصبة وقرطاج بمحاولات افشال الزيارة. القصبة اكدت عبر ” اذرعتها” ان الرئاسة افشلت مشروع اتفاق حول وديعة ضخمة من ليبيا والقصر نفى ذلك واتهم من جهته عبر اذرعته ايضا المشيشي بالتشويش على الزيارة الأولى وبضرب اتفاقات هامة توصل اليها سعيد خلال لقاءاته في الجارة ليبيا.
كل هذا مثّل مجموعة تناقضات يبدو ان باشا اغا يعمل على حسن توظيفها واستغلالها في ظل قلة خبرة مستشاري سعيد من جهة وارتباك وزير خارجيته عثمان الجرندي من جهة أخرى والذي وإن نجح اثر تدخل “عواصم عربية واجنبية” في كبح ارهاصات فتنة بين الجارتين عند التسويق في خريف 2021 لتخطيط “فيلق من الارهابيين لتنفيذ عمليات نوعية في تونس” فإنه تميز بالغياب في الازمة الجديدة مثله مثل الماسك بملف السياسة الخارجية.
زيارة الدبيبة يوم امس الجزائر واللقاء الذي جمعه بالرئيس عبد المجيد تبون وكان خلاله مرفوقا بمسؤولين امنيين منهم رئيس جهاز المخابرات قد يكون من بين أهدافها الردّ على “الموقف التونسي الداعم لباش آغا.
الحياد
تعددت شهادات لرجال اعمال ومسؤولين سابقين وحاليين وناشطين لييبين عن ” المراقبة اللصيقة” التي يتعرضون لها خلال زيارتهم تونس منذ 25 جويلية 2021. ومنهم من وجه تشكيات رسمية للسلطات التونسية والى جهات نقابية (منظمة الاعراف) حول ما اعتبروه “تجاوزات” و”انتهاكات” لحقت بهم خلال اقامتهم في تونس ومنهم من صنفها بـ”اهانة لهم ” بسبب معاملتهم كذوي شبهات . وتأتي ما يسميه البعض بـ”التضييقات” بعد عشرية تميزت بالتلاعب بقائمات الليبين الممنوعين من دخول تونس والتي وصلت الى اكثر من 400 اسم.
فمنذ انطلاق مسار 25 جويلية تم ايقاف العمل بتلك القائمات المعدة بـ”حسابات سياسية تونسية ليبية”. مما مكن العديد من الليبيين من العودة لدخول تونس بعد سنوات عديدة من المنع لا يقل جلها عن 7 سنوات . رغم الترحيب بهذا القرار الذي اعاد الى السلطات التونسية “جديتها” في التعاطي مع قائمات الممنوعين من دخول اراضيها بـ”تجرد” وبعيدا عن أية ضغوطات خارجية، فان التطور الجديد يبدو انه لا يقل خطورة عن الممارسات السابقة باعتبار ان التعامل بات يتم مع كل حامل للجنسية الليبية من اصحاب الاموال او المسؤوليات كـ” شخص مشبوه” الى ان يأتي ما يخالف ذلك.
هذا التعاطي “الاستخباراتي” مع الليبيين بمن في ذلك المستثمرين ، نفاه بتحفظ مسؤول امني قال لـ”الشارع المغاربي” ان “هناك مبالغات في التوصيف” وان” تونس تتعاطي مع كل الفاعلين الليبيين مهما كانت انتماءاتهم على نفس المسافة” وانها “حريصة في نفس الوقت على امنها القومي دون مس من كرامة اي طرف او من خصوصية حياته” مشددا على “ان ما يتناقل مبالغ فيه”.
ما سبق سرده يعيد التساؤل حول كيفية ادارة السلطات التونسية الملف الليبي وما يستدعي ذلك من مراجعات تحول دون نجاح محاولات جرها لأي اصطفاف في الصراعات القائمة في الجارة الجنوبية وما يتطلب ذلك من التصدي اولا لبذور فتنة سواء كانت قادمة من حكومة الدبيبة او من حكومة باش اغا والترفع من قبل الجانب التونسي عن التعامل مع التطورات في ليبيا بنزعة ذاتية تهدف لتصفية حسابات شخصية من منطلق خصومات سابقة لا يمكن ان تكون باي حال من الاحوال بوصلة المصلحة العليا للدولة.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 21 أفريل 2022