الشارع المغاربي : أحيت حركة النهضة التونسية ذكرى إعلانها يوم 6 جوان 1981 وقد مر عليها الآن أكثر من خمسين سنة منذ تأسيسها وتعد من أعرق الحركات السياسية في البلاد .. وخلال مشوارها الطويل مرت حركة النهضة، التي أنشئت على مزيج من التدين التقليدي و الإخواني والإصلاحي ، بالعديد من المحطات وعاشت مسيرة حافلة بالإرهاصات والتضحيات والتحديات ، والانتصارات والعثرات وتحولت من جماعة دعوية ، اعتمدت على العمل الشعبي التطوعي الجماعي المنظم الذي استهدف كل دوائر التغيير من الفرد إلى الأسرة ،الى حزب سياسي معارض ثم إلى حزب في موقع متقدم في قيادة الحكومة والدولة مضطلع بإدارة الشأن العام ومتفاعل مع إكراهات الحكم وهي اليوم تتطلع إلى أن تكون رقما أساسيا في المعادلات السياسية المستقبلية.
محبوها وأنصارها عندما يذكرون سرديتها ويراجعون تفاصيل المسيرة، يقولون إنّها جسم متحرك وليست حزبا جامدا ودغمائيّا وإنّها ليست معصومة لا من الخطأ ولا من الفشل ، أبدعت حينا وكانت لها قدرات فائقة على امتصاص العديد من الأزمات واستيعاب الكثير من التناقضات وتصريفها وتحويلها إلى مكاسب وعوامل قوّة وأخطأت أحيانا أخرى وكانت أكثر الأحزاب اشتغالا بالنقد الذاتي .وخاضت ببسالة معركة الحرية والهوية وواجهت أطرافا علمانية متطرفة واستبدادا وسجونا وتشريدا وألوانا من العذاب الرهيب وقمعا للحريات. ويضيف مناصروها ومنصفوها أن سر تألقها وجود قيادة راشدة وحكيمة على رأسها، وانّ سرّ استمرارها وصمودها هو وحدتها مع التنوع وايمانها بالشورى والديمقراطية والحوار والانفتاح وبعدالة القضية وشرف الرسالة…ثم السياسة في النهاية هي فن الممكن…. وخصومها يحملونها التفريط في الثورة وتردي الأوضاع خاصة الاجتماعية والاقتصادية وعودة مخازنية العهد السابق للإثم والعدوان على المصالح العليا للوطن والعودة السريعة لقوى التشدد والقمع إلى دائرة الضوء والفعل ويعتبرون أنها كانت أحيانا عنوانا بارزا للتردد والعجز والضعف في محاربة الفساد .
ما هو المطلوب اليوم من حركة النهضة؟
الراصد اليوم للشأن التونسي بصفة عامة يصاب بدهشة كبيرة عندما يدقق في المشهد الإعلامي والسياسي والديني والثقافي فيجده محكوما بأقدار كبيرة من التفاعل مع مواقف حركة النهضة ،ويتم اليوم ضبط الإيقاع في الساحة التونسية على متابعة وملاحقة والتموقع إيجابا أو سلبا من حركة النهضة ومواقفها وقراراتها وسياساتها وتظل الأسئلة والاستفسارات والاتهامات الموجهة لها مرتبطة بطوق نخبوي يبحث الجزء الناشط فيه عن إصابة مقتل ما من الحركة (الجهاز السري ،الاغتيالات السياسية..) ،.والحقيقة أنه ليس هناك حزب أو طرف سياسي يتعرض لما تتعرض إليه حركة النهضة يوميا -وفي كل مجالات الفعل السياسي والإعلامي ولو أصاب بعض الأحزاب شيئا مما اصابها لذهب ريحها وانكسرت شوكتها منذ زمان ، ولكم في النداء وأفاق تونس والمسار والأن الدور على الجبهة بعض العبر ، وهذه المعاني تؤكد في ذات الوقت أنّ حركة النهضة أصبحت جسما سياسيا يصعب تجاوزه .
وعطفا عليه تتعاظم مسؤولياتها في المساهمة في إدارة الشأن العام وما يتطلب موقفها من اتزان وهدوء وروية ولهذا الأمر تتعاظم كذلك مسؤولية هذا الجسم السياسي التاريخي وخاصة لما له من امتداد شعبي ونسوي وجامعي وثقل وطني وإقليمي وحتى دولي بما اكتسبه من تموقع سياسي وازن، وحركة النهضة مطالبة اليوم:
-بأن تظل تعمل -كما حددت لنفسها في الفصل السادس من نظامها السياسي المنقح في المؤتمر العاشر- على تكريس مبدأ سيادة الشعب عبر بناء الدولة الديمقراطية ، المدنية ،العادلة والعمل على تحقيق المساواة بين المواطنين وتطوير بنى المجتمع المدني وتحرير آلياته لأداء دوره الكامل في الإسهام في التنمية الشاملة وبناء اقتصاد وطني قوي ومندمج يحقق التوازن بين الجهات والفئات ويوفر مجالات تشغيلية واسعة وأن تعمل كذلك على تحقيق وحماية الحريات العامة والفردية والعدالة باعتبارها قيما محورية في تجسيد معنى تكريم الله للخلق وتحقيق إنسانية الإنسان وتكريس حقوقه وتأكيد التعددية السياسية وحرية الإعلام والنهوض بواقع المرأة وتفعيل دورها والعمل على حفظ كيان الأسرة ودعمه. هذا بالإضافة إلى إيلاء العمل الاجتماعي والتعاوني ما يستحقّ من أهمية و إعتناء.
– بأن تتحول إلى قوة اقتراح حقيقة باعتبارها جزءا فاعلا في معادلة الحكم –بعض وزرائها لا طعم لهم ولا رائحة – وأن تفعل العديد من الطاقات والموارد البشرية المعطلة لديها في كثير من الأحيان, وان تعمل على استقطاب كل الكفاءات الوطنية وتحتضن كل الأيدي الممدودة للعمل معها.
-وهي معنية اليوم بالمساهمة في حماية الأهداف الكبرى للثورة والانتقال الديمقراطي على بطئه وهناته وحماية كيان الدولة والعمل على الاستجابة لمطالب الشعب في الحياة الكريمة وترجمة همومه وانشغالاته اليومية في الشغل وتحسين ظروف العيش , وهي مدعوة كذلك لاستثمار مناخات الحرية المتدفقة لإعادة ترتيب البيت الداخلي النهضوي على اساس تدعيم التوجهات الاستراتيجية للحركة نحو المصالحة الشاملة مع المجتمع والدولة ودفع الحركة للعب أدوار وطنية أكبر والعمل على تدعيم وحدتها وتماسكها مما يساهم في دعم الاستقرار السياسي في البلاد.
فالوطن في ظل العبث السياسي الذي نشاهده اليوم لازال ينتظر منها الكثير… ينتظر منها أن تحتضن مستقبل تونس وأن تكون رافعة للخير ولتوافقات وطنية جامعة وعامل وحدة وثراء وعطاء ونقطة ارتكاز لتتوسع التجربة وتمدد الممارسة الديمقراطية ..و ينتظر منها أن تعزز كرامة المواطن وعزته وأن تكون ضمانا حقيقيا ضد غلاء الأسعار وانهيار الدينار وان تكون ضامنا محليا وإقليميا ودوليا قويا في استقرار البلاد ومناعتها وعزتها حتى تبقى تونس الثورة شوكة في حلق كل المتآمرين.
د.المنصف السليتي: عضو المكتب السياسي لحركة النهضة