الشارع المغاربي – قيسيّات... / بقلم عمر صحابو

قيسيّات… / بقلم عمر صحابو

قسم الأخبار

5 فبراير، 2020
الشارع المغاربي: بدا رئيس الدولة، في جلّ المواضيع التي تطرّق إليها مؤخّرًا على “القناة الوطنية الأولى”، سجينَ ثنائيّةٍ تعتمدُ تنظير الأستاذ في القول وسفسطة التلميذ السياسي في العمل. يُخيّل له أنّ التعهدات القيميّة التي أخذها على عاتقه كافية بذاتها لذاتها، وأنها تقيه من التفرّعات العمليّة التي تستوجبها. ومن ثمّة، تولَدُ اقتراحاته لحلّ المعضلات العالقة في البلاد ميّتةً وحاملةً في رحمها قصورها وتقصيرها.
للتدليل على ذلك، يكفي الوقوف عند مثالين فقط، (لا أُخفي هنا أنّ طاقة الانتباه والتركيز قد خانتني بعد 20 دقيقة من متابعة الحوار، الله غالب هذاك حدّ الجهيّد، والضعف منّي طبعًا لا نتيجة الضعف الاتّصالي للرئيس):
• المثال الأوّل: يتعلّق بقضيّة يحلو للرئيس سعيّد وصفها بالمركزيّة، ولا أدري إلى حدّ الآن في أيّ بعد من الأبعاد تربض هذه المركزيّة، وهي القضيّة الفلسطينيّة. تحصّن الأستاذ قيس سعيّد مرّة أخرى بخطابه العاطفي الطوباوي، رغم أنّ ممارسته صلاحيّاته على رأس الدولة تفرضُ عليه اكتشاف عدد من الضرورات الجيوسياسيّة. دولة لها رصيدها الدبلوماسي ولها ارتباطات مصيريّة بقوى عالميّة، خفيّة وظاهرة، ترفض قطعيًّا الخطاب الإنكاري للدولة الإسرائيليّة (Négationniste).
سقط الرئيس، مرّة أخرى، إذن في ثنائيّة فرضها على نفسه نتيجة تمزّقه بين الفيض الحماسي المرغوب والإكراه الجيوسياسي المكروه. فلم يبق له للتحرّر من ذلك سوى مخرجات قانونيّة تُبقي على ما يكتنف هذا الإشكال من ضبابيّة وانسداد أفق: موضوع “صفقة القرن” أنموذجًا. فحتّى يتنصّل من مسؤوليّة بيان وزارة الخارجيّة التونسيّة بشأن هذه القضيّة الذي لم يحمل لا في سطوره ولا بينها أيّة ذرّة من تلك الشعبويّة العاطفيّة، سمعنا الأستاذ قيس سعيّد بذهول وهو يشجب هذا البيان ويعتبره دون المستوى المطلوب، وكأنّ بيان الخارجيّة التونسيّة قد صيغ بمعزل عنه ولم يحظ باستحسانه مسبقًا، مع أنّه صاحب القول الفصل في نحت وتسويق مواقف السياسة الخارجيّة للبلاد!. أمر لا يُصدق والله! فهل سيُشفع بيان وزارة الخارجيّة ببيان آخر يرضاه ويباركه؟ سؤال وجيه مرّ عليه مرّ الكرام…
وفي المحصلة، سيبقى موقف بلادنا من مسألة “صفقة القرن” التي هزّت الكرة الأرضيّة هزّا، يتراقص بين شطحات الرئيس ونغمات الدبلوماسيّة الناعمة! ولا حول ولا قوة إلّا بالله…وماذا عن مبادرة تشريعيّة تُجرّم التطبيع؟ من الواضح أنّ الرئيس قد استعدّ لهذا السؤال وأعدّ له إخراجًا يحميه من خيانة قُدسيّة القضيّة الفلسطينيّة من جهة، ومن التداعيات الجيوسياسيّة الخطيرة المنجرّة عن هذا المشروع لو صودق عليه من جهة أخرى. “لا تُختزل القضيّة المركزيّة الفلسطينيّة في مبادرة تشريعيّة”. هكذا اختزل هو بدوره القضيّة المركزيّة، وحصّنها من فكر المخاتلة ومن الفكر العميل. إلى متى؟ إنّه سؤال عبثي في نظر الرئيس، ما دامت فلسطين ستُحرّر بحول الله والقدس عاصمتها الأبديّة. طيّب، وكيف ذلك؟ فقط بالابتعاد عن ثقافة الهزيمة، حسب الرئيس!.
• المثال الثاني: المعايير التي اعتمدها الرئيس في اختيار إلياس الفخفاخ رئيس حكومة تُشكّل المثال العجيب الثاني. “اتخذت قراري بيني وبين ربّي”. هكذا استنجد الأستاذ قيس سعيّد بالغيب لإقناع التونسيين بحسن اختياره… أيجوز الشك في حسن الاختيار، وقد استأنس في اتخاذه بالمولى عزّ وجلّ؟ وعليه، فإنّ المآخذ، البشريّة الدنيويّة، المتعلّقة بانعدام شرعيّة الفخفاخ الشعبيّة وفشله الذريع عند توليه مسؤوليّة وزارة المالية في عهد الترويكا، تنتفي تمامًا نظرًا إلى ضعفها النسبي أمام هالة القداسة التي وُلد فيها قرار الاختيار هذا!.
ومن ثمّ، كيف لدوائر الرئيس السياسيّة ولمصالحه الاستشاريّة وحتّى لمحيطه العائلي أن يكون لها أيّ رأي في الموضوع أو مساحات من المشورة والمناورة، والحال أنّ القرار قد اتُخِذ في غار حراء جديد، لكن من دون حضور سيّدنا جبرائيل!!! ربّي يقدّر الخير، بالمِجَدّ ربّي يقدّر الخير…
نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة يوم الثلاثاء 4 فيفري 2020

اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING