الشارع المغاربي – كذبة أيلول : السيارة الشعبوية - ابراهيم بوغانمي

كذبة أيلول : السيارة الشعبوية – ابراهيم بوغانمي

27 سبتمبر، 2018

الشارع المغاربي : كشف رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال افتتاح الندوة الوطنية حول التوجهات الاقتصادية والاجتماعية لمشروع قانون المالية للعام المقبل عن نية الحكومة التخفيض في أسعار السيارات الشعبية من 30 ألف دينار حاليا إلى اقل من 20 ألف دينار.

الإجراء المزمع تطبيقه ابتداء من جانفي المقبل أثار استغراب عديد الخبراء الاقتصاديين والمختصين في المسائل التجارية والمالية. غير أن الإدارة العامة للتجارة الخارجية أكدت أن ذلك ممكن عبر التخفيض في بعض الأداءات التي تشمل أساسا الأداء على القيمة المضافة وحقوق الاستهلاك.

هل تصْدُق “رؤيا” يوسف!

في واقع الأمر وكلاء صانعي السيارات يتمنون أن تصْدق رؤيا رئيس الحكومة يوسف الشاهد إذ يمثل الأمر بالنسبة إليهم هدية تسيل اللعاب, لأن تطبيق هذا الإجراء يعني أن يتم إعفاؤهم من الأداء على القيمة المضافة المقدّر ب 13 بالمائة والتخلص كذلك من ضريبة حقوق الاستهلاك التي تعادل 12 بالمائة. لكن على الدينار التونسي أن يكبح فرامله جيدا لتفادي مزيدا من التهاوي أمام الاورو والدولار, العملتين الرئيسيتين المستخدمتين في توريد السيارات الشعبية,
وبالتالي على ميزاننا التجاري تقليص فارق العجز لديه الذي تجاوز العام الماضي حسب المعهد الوطني للإحصاء 15 مليون دينار تونسي ساهم وكلاء صانعي السيارات فيها ب 3799 مليون دينار أي بنسبة 24.5 بالمائة.

وبعبارة أخرى فإن نصيب نشاط توريد السيارات عام 2017 يقارب ربع الحجم الإجمالي للعجز التجاري للبلاد. وباعتبار أن السيارات تستهلك بالضرورة الوقود فلنا أن نتصور تضخم نسبة العجز التجاري المتأتي من مسألة توريد السيارات من الخارج بشكليْه المباشر )السيارات المُورّدة( وغير المباشر )الوقود المُدعّم( إذ تشير أرقام المعهد الوطني للإحصاء إلى أن واردات مواد الطاقة ومشتقاتها كلفت البلاد ما نسبته 41 بالمائة من القيمة الجملية للعجز التجاري خلال عام 2017 , استهلك منها قطاع النقل أكثر من الربع وتحديدا ما يعادل 27 بالمائة.

وبعملية حسابية بسيطة يتضح أن حصّة قطاع توريد السيارات من الخارج تساوي 35 بالمائة من إجمالي العجز التجاري على المستوى الوطني, وهو رقم يصفه خبراء المال بالمرتفع.

الشاهد والخطاب المزعج

حتى لا نقول إنه “خطاب مقزّز” فيتحامل علينا “إخوان يوسف” ويتهموننا بالعداء المجاني رغم أن العبارة تُستخدم في قاموس العلوم السياسية خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وترجمتها (disgusting) نكتفي بتوصيف خطاب رئيس الحكومة وأعضاده ب”المزعج”. لكن لماذا؟؟ ببساطة لأن الطبقة الشعبية التي يغازلها الشاهد اهترأت وتآكلت ولم تعد قادرة على اقتناء سيارة شعبية وإن كانت بسعر 20 ألف دينار مثلما قال. وإنْ أسعفتها العناية الربانية والقروض البنكية والموازنات المالية العائلية المتهاوية وتمكنت من اقتنائها, فإن عليها أن تواجه مصاريف البنزين الذي ما فتئت أسعاره ترتفع حيث زاد ثمنه خلالالسنة الجارية التي لم تنته بعد في أربع مناسبات.

وترجح الأوساط العالمية أن يلامس سعر برميل النفط المائة دولار خلال الأشهر القادمة )حاليا سعر برميل النفط حوالي 78 دولارا أمريكيا حسب سعر سلة
أوبك(. وهو أمر بالتأكيد سينعكس على سعر الوقود في بلادنا.
يوسف الشاهد.. العبْ غيرها
ألم يكن حريّا بالشاهد إن رام المغازلة أن يدرج إصلاح منظومة النقل العمومي البائسة بمشروع قانون المالية لعام 2019 ضمن أولوياته ؟ عندها ربما تلتفت له الفئات الضعيفة التي تهرول لاهثة صباحا مساء وراء وسائل النقل العمومي منتهية الصلوحية في قسم كبير منها.
وُعود الشاهد الأخيرة حول السيارة الشعبية كانت ورقة رابحة لعبها الرئيس الأسبق بن علي ولكن الظروف والعقليات تغيرت اليوم والميزانيات اهترأت. ومثل هذا الخطاب – حتى إنْ صدق- يؤلم أكثر مما يُحزن عندما نتابع البرامج الحكومية في الدول المتقدمة التي تضع ضمن أولوياتها مستقبل الأجيال القادمة وحقها في بيئة نقية ونظيفة وخالية بالقدر المستطاع من الغازات السامة والكربوهيدرات وثاني أكسيد الكربون وغيرها من السموم. بينما يشجع برنامج حكومتنا على مزيد استيراد السيارات الرخيصة والملوّثة للبيئة التي لا تتطابق بدقة مع المعايير البيئية الدولية والمستوردة أساسا من الهند والصين, وهي
أصناف يمنع الاتحاد الأوروبي مثلا دخولها إلى فضائه. فالعشرون ألف دينار ثمن السيارة الشعبية التي يعد بها الشاهد لن تغطي مصاريف استيراد سيارة من أحد الصانعين الغربيين أو اليابانيين أو الكوريين مهما اتخذت حكومته من إجراءات طالما لم يقفز الدينار التونسي إلى مستويات قياسية في فترة قياسية, وتلك مسألة أقرب إلى المعجزة في ظل الظروف الراهنة.

وهكذا نستخلص أن السيارات الصينية والهندية “الرخيصة” هي التي يقصدها الشاهد خاصة عندما نستحضر تصريحات مدير الإدارة العامة للتجارة بوزارة التجارة الأسبوع المنقضي عندما قال إن نسبة التخفيض التي تتفاوض بخصوصها وزارة المالية والديوانة بالتنسيق مع وزارة التجارة ستتراوح بين 14
و 18 بالمائة في إشارة واضحة إلى أنه في صورة تطبيق هذا الإجراء على سعر سيارة شعبية تباع الآن ب 22 ألف دينار فإن سعرها لن يتجاوز
ال 18 ألف دينار. وأترك لكم متعة التجول بين مختلف قاعات عرض وبيع السيارات في بلادنا لتتبينوا أيّ نوع من السيارات يبلغ سعرها 22 ألف دينار ما عدا تلك السيارات الآسيوية الرخيصة المضرة بالبيئة.

وذلك ملفّ آخر سنفتحه في قادم الأيام.

صدر باسبوعية الشارع المغاربي في عددها الصادر يوم الثلاثاء 25 سبتمبر 2018.

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING