الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: يقف قطاع الطاقة العالمي حاليًا عند مفترق الطرق، حيث بدأت العديد من البلدان بشكل فعلي في التحول إلى الطاقات المتجددة التي يرى عدد كبير من الخبراء أنها طاقة المستقبل. وتتمتع تونس، في هذا المجال، بإمكانات كبيرة للتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة غير أن تحديات كبرى تجابه هذا المسار مما يتطلب تغييرات هيكلية في مجال إنتاج الطاقة والتحكم فيها.
عجز متزايد في إنتاج الوقود الأحفوري
يتّسم وضع الطاقة الحالي في تونس بتراجع في موارد الطاقة الأولية. فمن 2010 إلى 2019 انخفضت هذه الموارد بنحو 7٪ سنويًا، من 7.8 ألف طن مكافئ نفط في عام 2010 إلى 3.9 ألف طن مكافئ نفط في عام 2019.
وشهد هذا الوضع تضاعف عجز الطاقة تقريبًا 10 مرات في ظرف لا يتجاوز الثماني سنوات، حيث انتقل من 0.6 مليون طن نفط مكافئ في عام 2010 إلى 5.7 ملايين طن في عام 2019، وطرح هذا الوضع إشكالات عميقة في علاقة بتأمين ما يقرب من نصف احتياجات البلاد من الطاقة الأولية عن طريق الواردات، مما يجعل أمن التزويد أكثر هشاشة، فضلا عن الآثار الثانوية الأخرى في ما يتعلق بارتفاع نفقات دعم الدولة لقطاع الطاقة ومزيد استنزاف الرصيد الوطني من العملة الأجنبية بسبب الاستيراد المكثف.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مزيج الكهرباء الحالي في تونس وهو ما يعبر عنه بالـ Mix électrique غير متنوّع بسبب الاعتماد المفرط على الغاز الطبيعي الذي يمثل حاليًا حوالي 97 ٪ من استهلاك قطاع الكهرباء، مما يشكل خطرا على أمن إنتاج الكهرباء بالنظر إلى محدودية إنتاج موارد الغاز الطبيعي الوطنية والتي لا تمكّن حاليًا من تغطية سوى حوالي نحو ثلث الاحتياجات الوطنية فيما تأتي البقية من الجزائر في شكل واردات.
ولمعالجة هذا الوضع المقلق، وضعت تونس منذ عام 2013 استراتيجية جديدة للانتقال الطاقي تهدف بشكل أساسي إلى خفض عجز الطاقة من خلال مجموعة من الاجراءات بما في ذلك تطوير الطاقات المتجددة وتسريع مشاريع الاستخدام المجدي للطاقة.
الاستراتيجية التونسية للطاقات المتجددة
وضعت تونس خطة لخفض انبعاثات الكربون بنسبة 45٪ بحلول عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 وذلك من خلال حزمة من اجراءات كفاءة الطاقة وتوسيع نطاق إنتاج الطاقات المتجددة. وتهدف تونس إلى إنتاج 30٪ من احتياجاتها من الطاقات المتجددة بحلول عام 2030. وسنّت السلطات التونسية منذ سنة 2015 قانونا جديدا ينظم إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة ويحدد أنظمة الإنتاج المختلفة وتفويض القطاع الخاص للعب دور أكبر في تحقيق الأهداف التي حدّدتها الدولة عبر مخططات الإنتاج التالية: نظام اللزمات للمشاريع التي تتجاوز طاقتها 10 ميغاواط للطاقة الشمسية و30 ميغاواط لطاقة الرياح، و15 ميغاواط للكتلة الحيوية و5 ميغاواط للأشكال الأخرى ونظام التراخيص للمشاريع التي لا تتجاوز قوتها الحدود المذكورة ونظام الإنتاج الذاتي لكافة أصناف الحرفاء.
الطاقة الشمسية
تم تحديث الخطة التونسية للطاقة الشمسية التي تهدف إلى زيادة معدل تكامل الطاقات المتجددة في مزيج الكهرباء الوطني إلى 30 ٪ في عام 2030 وتسريع إجراءات ترشيد استخدام الطاقة بهدف تقليل الاستهلاك الوطني للطاقة الأولية بنسبة 30٪ في عام 2030 مقارنة بعام 2010.
وفي هذا الصدد، بدأت الشركة التونسية للكهرباء والغاز في عام 2017 بناء أول محطة للطاقة الكهروضوئية في توزر بطاقة 10 ميغاواط والتي تم تشغيلها في الثلاثي الأول من سنة 2021. فيما دخلت محطة ثانية الخدمة بقدرة 10 ميغاواط في نفس الموقع خلال نوفمبر 2021.
طاقة الرياح
بدأت الشركة التونسية للكهرباء والغاز تطوير طاقة الرياح منذ عام 2000 من خلال أول مشروع لطاقة الرياح في تونس بسيدي داود بولاية نابل. وتم تنفيذ هذا المشروع على ثلاث مراحل: 10.65 ميغاواط في سنة 2000 و8.72 ميغاواط في سنة 2003 و34.32 ميغاواط في سنة 2009، وبذلك يبلغ إجمالي الانتاج 54.5 ميغاواط مع حجم استثمار إجمالي يبلغ حوالي 162 مليون دينار.
كما تم تنفيذ المشروع الثاني من قبل الشركة التونسية للكهرباء والغاز في 2012-2013 في الكشابطة وماتلين في ولاية بنزرت بطاقة إجمالية تبلغ 190 ميغاواط وباستثمار بقيمة 580 مليون دينار.
الطاقة الكهرومائية
شرعت الشركة التونسية للكهرباء والغاز في بناء محطات الطاقة الكهرومائية في عام 1956 وكانت آخر محطة طاقة تم بناؤها في عام 2003. وبالنظر إلى الإمكانات المنخفضة في الموارد الهيدروليكية، فإن السعة الإجمالية المركبة لا تتجاوز 62 ميغاواط.
الهيدروجين الأخضر
يرى خبراء أنه على عكس الهيدروجين الرمادي، الذي يتسبب إنتاجه في افراز كميات كبيرة من الغازات الدفيئة، فان إنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يتم عن طريق التحليل الكهربائي، يشكل عملية اقل تلوثا بحكم استخدام الطاقة المتجددة لتفكيك المياه في إطار مختلف مراحل الإنتاج.
ويعتقد الخبراء ان الهيدروجين الأخضر هو مصدر طاقة فعال للغاية لدرجة أن كيلوغراما واحدا من الهيدروجين الأخضر ينتج طاقة تزيد بأربعة أضعاف عن كيلوغرام واحد من البنزين. ورغم أن الإنتاج العالمي للهيدروجين الأخضر يمثل حاليًا 5 ٪ فقط من جملة 94 مليون طن تم إنتاجها في عام 2021، فإنه من المتوقع أن تزداد هذه النسبة بشكل كبير بفضل خطط التعافي الاقتصادي المختلفة بعد الجائحة وكذلك استراتيجيات التوريد الطاقي البديلة للغاز الروسي.
وفي هذا السياق تعمل تونس حاليًا على تطوير استراتيجيتها الخاصة لاستغلال هذا المصدر المبتكر للطاقة. وسيتم الانتهاء من الدراسات الأولية، التي بدأت سنة 2022، في سنة 2024. وقد أعلنت السلطات التونسية عن نيتها التركيز على تصدير الهيدروجين الأخضر بدلاً من استهلاكه على المستوى الوطني. وهكذا، في وقت تتشكل فيه سوق الهيدروجين الأخضر في العالم، تتخذ تونس خطواتها الأولى لوضع نفسها كلاعب رئيسي في هذا المجال.
ويرى خبراء أنه لا يمكن إنتاج الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع في تونس إلا بالاعتماد على قدر كبير من الموارد من جميع الأنواع، خاصة الطاقات المتجددة. وذلك يتطلب إنشاء محطات لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح ومشاريع الطاقة الشمسية العملاقة الضرورية لإنتاج الهيدروجين الأخضر إضافة إلى تعبئة مالية كبيرة في شكل استثمارات في البنية التحتية الضرورية.
التحديات
نبّهت الدراسات الحديثة إلى تداعيات هذه المشاريع على الموارد الطبيعية للبلدان المنتجة، المهددة بشكل خطير جراء تغير المناخ. بالإضافة إلى ذلك، تظهر شكوك حول المساهمة الحقيقية لهذا القطاع الجديد في مواجهة الالتزامات المناخية التونسية. فرغم الاعتماد الحالي بنسبة 97٪ على الغاز الجزائري لإنتاج الكهرباء، تخطّط البلاد لإنتاج الهيدروجين الأخضر لتصديره إلى الخارج، ولا سيما إلى أوروبا. ويثير هذا الاختيار مشكلة أساسية أخرى تتمحور حول إعادة صياغة النموذج الاستخراجي القائم على الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية المعدة للتصدير إلى الأسواق العالمية.
ويبدو أن تطوير الهيدروجين الأخضر في تونس يمثّل أولوية بالنسبة للشركة التونسية للكهرباء والغاز. فقد أعلن الرئيس المدير العام للشركة عن تكوين فريق من المهندسين، الذين يخضعون حاليًا لتكوين خاص في دول أوروبية، للعمل على تطوير قطاع الطاقة المتجددة. ورغم أن البلاد لا تزال تعتمد بنسبة 97٪ على الغاز الجزائري لإنتاج الكهرباء، فمن المتوقع أن يتم تصدير معظم الهيدروجين الأخضر المنتج في تونس إلى الدول الأوروبية. ويثير هذا المشروع الطموح، أيضًا تساؤلات حول مساهمته الحقيقية في التزامات تونس المناخية بالإضافة إلى آثاره الاجتماعية والبيئية.
وباختصار، لا يمكن اعتبار الهيدروجين الأخضر سلعة بسيطة يمكن تصديرها، ولكن بالأحرى طاقة متجددة تجعل من الممكن تلبية احتياجات الطاقة المحلية مع احترام الموارد الطبيعية ومكافحة تغير المناخ.
حتى ينجح الانتقال الطاقي
لضمان أمن الطاقة وسيادة البلاد في هذا القطاع الحيوي، يجب على الدولة التونسية تعزيز وتجسيد نهج التحول الأخضر والانتقال الطاقي العادل بتبني استراتيجية وطنية شفافة وفعالة في مجال الطاقة وتعزيز الأنظمة اللامركزية كلما كان ذلك ممكنًا، لا سيما في المناطق الريفية، وتحقيق التوازن بين مصالح مختلف الجهات الفاعلة لضمان تنمية مستدامة حقيقية.
وبالتالي، يعد تطوير البرامج الجهوية والهياكل المؤسسية ونماذج الأعمال لدعم انتقال الطاقة أمرًا حيويًا لاستدامة المبادرات الحكومية بمشاركة القطاع الخاص لإنشاء استراتيجية لانتقال طاقي ناجح.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 16 ماي 2023