الشارع المغاربي – لطفي ابراهم لن يكون بن علي! / بقلم : كوثر زنطور

لطفي ابراهم لن يكون بن علي! / بقلم : كوثر زنطور

8 مارس، 2018

الشارع المغاربي : لا تزال السلطات التونسية تلازم الصمت التام رافضة أو مُفضّلة عن قصد عدم تقديم اية  إيضاحات  تنهي الجدل المحتدم حول سر استقبال ملك السعودية  سلمان بن عبد العزيز آل سعود وزير الداخلية لطفي ابراهم  ، صمت مريب متواصل بالرغم من خطورة ما يطرح في الكواليس السياسية والامنية ، ومنها بالخصوص أن 7 نوفمبر جديد يدق ابواب تونس .

يومالاحد25 فيفري 2018 وصل لطفي ابراهم إلى المملكة السعودية في زيارة تواصلت 4 ايام كاملة تخللتها لقاءات رفيعة المستوى أبرزها بالتأكيد لقاء صاحب أهم حقيبة سيادية في حكومة الشاهد بالعاهل السعودي وولي العهد محمد بن سلمان ووزيري الداخلية والخارجية السعوديين .

ومنذ وصوله إلى الرياض وحتى مغادرتها ، أصدرت وزارة الداخلية  62 بلاغا (من 25 فيفري الى 28 من نفس الشهر) قدمت فيها معطيات عن كيفية الإطاحة  بسارق مواشي و نجاحها في إيقاف شخص حاول خلاص خطية بنقود مزيفة وغيرها من جرائم الحق العام والجرائم الإرهابية  ،لكن مع حرصها على الكشف عن التفاصيل الصغيرة والهامشية لعملها اليومي والروتيني فإنها استثنت حتى  مجرد الاعلان عن زيارة وزيرها  الى السعودية  من عشرات البلاغات الصادرة  .

وبالتوازي مع الصمت التونسي ، أصدر «مجتهد»  الحساب التويتري ذائع الصيت وصاحب المليوني متابع 13 تغريدة تمحورت كلها حول استقبال العاهل السعودي وزير الداخلية لطفي ابراهم ،واهم ما تضمنته عقد ابراهم لقاء سري مع بن علي» في اطار مخطط سعودي اماراتي  يهدف لإعادة تنصيب بن علي ..».

تلك التغريدات التي قُدمت من قبل شخص يُقال ان له سوابق في نقل أسرار الديوان الملكي السعودي وكان وراء الكشف عن عدة معطيات ابرزت الوقائع فيما بعد صدقها، تم تداولها بكثافة في تونس وايضا من قبل وسائل اعلام عربية واجنبية على حد سواء فيما فُندت مضامينها من قبل طيف واسع من السياسيين في نقاشات داخلية طرحت في المقابل  دخول  ابراهم الى المعترك السياسي بدعم سعودي اماراتي ليس لاعادة بن علي لسدة الحكم بل لافتكاك السلطة في سيناريو شبيه بانقلاب 7 نوفمبر.

رد فعل الشاهد

يومان بعد عودته الى تونس ، فوجئ  لطفي ابراهم ببرقية إقالة المدير العام للامن الوطني توفيق الدبابي صادرة عن رئاسة الحكومة، ابراهم رفض التوقيع على البرقية بسبب عدم استشارته قبل اصدارها وبسبب تحفّظه على المُعيّن الجديد في نفس الخطة رشاد بالطيب مدير عام الامن العمومي الذي هو على ابواب مغادرة شرف المهنة ببلوغه سن التقاعد والاسم المضمن في قائمة اعدها ابراهم للمغادرين.

واقالة الدبابي أسبابها معلومة ولا تتعلق بكفاءة الرجل بل إن خلفياتها تتصل بالصراع القائم بين رئيس الحكومة ووزيره ، فالدبابي الذي بقي لأسابيع رافضا مقترح التعيين واستقدم  للوزارة لطمأنة النهضة التي كانت متوجسة من تعيين ابراهم  ، أصبح من أقرب المقربين من ابراهم وعضده في مطلب تغيير المشهد القيادي وتعيين مديرين عامين جدد.

وجاءت الاقالة للتقليص من نفوذ لطفي ابراهم في الوزارة ، بتعيين مقرب من الشاهد في منصب مدير عام للامن الوطني  في اشارة من رئيس الحكومة للامنيين  وربما لرئيس الجمهورية بأن له القول والفصل في تسيير الوزارة ، وان لا نفوذ مطلق للطفي ابراهم حتى وان هُيء « لمجموعته بأنه مدعوم من الخارج».

هذا الدعم اصبح محل تداول واسع في الأوساط الأمنية والسياسية ، اذ ان ابراهم الذي زار الجزائر منذ فترة وتحول بعدها الى ايطاليا اين التقى نظيره الايطالي ثم الى السعودية في زيارة مطولة  لم تكن لرئاسة الحكومة كامل تفاصيلها، بات  في نظر مقربين من الشاهد منافسا محتملا على منصب رئيس الحكومة.

لكن الأخطر من المنافسة التي جعلت الشاهد يتحرك تماما مثلما فعل مع فاضل عبد الكافي ، هو الحديث عن مخطط ابراهم لافتكاك الحكم، فالوزير لا علاقة تجمعه برئيس الحكومة «تقريبا»، وأصبح يشبه ببن علي  بسبب ما يعتبره البعض نجاحه الغريب في اقناع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بتعيينه وزيرا في سابقة لم تعهدها تونس ، وخالف بها قائد السبسي العرف الجاري والقاضي بعدم تعيين أمني على رأس الداخلية .

وجاء رفض ابراهم التوقيع على قرار إقالة الدبابي الذي اعتبر «تمردا» من الوزير على رئيس الحكومة ، ليعيد الى الأذهان حادثة استبعاد ابراهم عندما كان في منصب آمر للحرس الوطني وزير الداخلية آنذاك الهادي مجدوب من الاعداد لعملية امنية نوعية بسيدي بوزيد ، واسفر، ما سمي وقتها بتمرد وتطاول ابراهم على وزيره، عن تعيينه وزيرا للداخلية.

من «الحكم الفردي» الى غرابة العلاقة التي تجمعه برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، الى التعيين بمبدأ  القرب ، نجح ابراهم في كل معاركه بما فيها تعيين مقرب منه على رأس الحرس الوطني، ونجح ايضا في توسيع دائرة  خصومه من منظمات واحزاب ورئاسة الحكومة وبعض الوزراء أيضا ، لكن مع هذا لن يكون الرجل الذي لا يؤمن الا بـ «سياسة القوة» بن علي جديدا.

كيف ذلك؟

اليوم تحركت القصبة لاقالة ابراهم، عبر إيهام القصر الرئاسي بأن مواصلة الوزير مهامه بطموح تقوده خلفية أمنية ودعم اجنبي «مشبوه « يعني خلق «بن علي جديد» مع ما يعني ذلك من مخاطر على المسار برمته ،  وان كان البعض يصدق مثل هذه السيناريوهات فان تونس بالمشهد السياسي الحالي وبمؤسساتها وبصلابة مجتمعها المدني وبالواقع الجديد لوزارة الداخلية لن يحرج منها بن علي اخر ولن يكون اي شخص قادرا على افتكاك السلطة الا بالصندوق.

والتخوف من ابراهم قد يكون له ما يبرره ، لكن من يسمح لآمر حرس وطني بتجاوز وزير الداخلية ليس له اية مشروعية في انتقاده والتنديد بمحاولته تجاوز رئيس الحكومة عبر رفض
«مؤقت» التوقيع على قرار اقالة الدبابي قبل التراجع واحتواء ازمة كان سيكون لها اثر كبير في استقرار الحكومة.

الاستقبال اللغز

زيارة ابراهم الى السعودية هي لغز فعلا، واللغز لا يتعلق فقط باسباب استقباله من قبل العاهل السعودي بل ايضا بطول مدتها  والتكتم الشديد الذي رافقها، وبالنظر الى الوفد المرافق للوزير ابراهم الذي لا يضاهي في ثقله مع احترامنا طبعا للأشخاص المسؤولين الذين التقاهم ابراهم الذي كان مرفوقا بمدير البروتوكول فوزي حمودة ومدير عام العلاقات الخارجية بالوزارة رضا بالرابح والناطق الرسمي خليفة الشيباني وبحضور سفير تونس بالسعودية لطفي بن قايد.

والاقرب للظن ان ابراهم فضّل تشريك فريقه المتكون من مقربين منه  في زيارته الى السعودية ، التي كانت له خلالها جلسات عمل جمعته بكبار المسؤولين حضرها وزير الداخلية السعودي ورئيس امن الدولة عبد العزيز بن محمد الهوليني ووكيل وزارة الداخلية ناصر بن عبد العزيز ومساعد وزير الداخلية لشؤون العمليات المشرف على الامن العام سعيد بن عبد الله القحطاني ووكيل وزارة الداخلية للشؤون الامنية محمد بن مهنى.

تركيبة الوفد الامني المرافق لبراهم كانت محل انتقادات صلب الوزارة ، والنقد وجه بالخصوص بسبب تشريك كل من الناطق الرسمي ومدير البروتوكول في الزيارة وتغييب إطارات أخرى كان من المهم حضورها بالنظر للملفات التي طرحت في اجتماعات السعودية، وفقا لما يتداول في الوزارة بالطبع ، على غرار مدير عام الامن العمومي (قبل ترقيته الاخيرة)  ومدير عام المصالح المختصة .

لهذا أساسا عاد ابراهم لمواجهة تهمة تهميش سلك على حساب آخر وليُلّقّب من جديد بـ”وزير الحرس”. اما خارج الوزارة  فقد شّكل اختيار ابراهم  مقربين منه للمشاركة في زيارة السعودية عنصرا من العناصر التي أثثت روايات حول وجود خلفيات سياسية شخصية طرحت في السعودية ، فيما يرى آخرون ان للوزير الحق التام في تشريك من يريد في زياراته .

ولأن هناك المهم والاهم، يبقى الاهم بالنسبة للمتابعين للشأن الوطني هو سرّ استقبال العاهل السعودي الوزير مخالفا بذلك الأعراف الديبلوماسية والملكية، المعطيات المتوفرة تؤكد ان اللقاء لم يكن مبرمجا وان الملك سلمان استقبل ابراهم في ختام زيارته للسعودية  « مجاملة لتونس» و «تأكيدا على حسن العلاقات بين البلدين».

والمعطيات تقول انه تم إعلام رئاسة الجمهورية بتغيير طرأ على أجندة لقاءات الوزير وبرنامج زيارته، وان حضور السفير التونسي بالسعودية وبيان الديوان الملكي ينفي اي طابع سري للقاء، وان استقبال العاهل السعودي  وفدا امنيا تونسيا يترأسه وزير يُقدم كخصم لـ «اخوان تونس» مغازلة من الملك للسلطة السياسية ممثلة في الباجي قائد السبسي ورسالة موجهة للداخل التونسي ولـ «خصم المملكة» دولة قطر تُفيد باصطفاف تونس في المحور السعودي الاماراتي.

والبيان الملكي الذي تضمن تنصيصا على نقل الوزير ابراهم تحيات الرئيس قائد السبسي للملك سلمان يؤكد لوحده ان الرئاسة كانت على علم باللقاء عكس ما يتداول ، ذلك اللقاء الذي اصبح الأشهر داخليا وخارجيا أثار ضجة واسعة في تونس تبدو بالنظر إلى الصمت الرسمي المتواصل مفهومة ومقبولة ومشروعة بكل المقاييس.

وتفيد المعطيات المتوفرة ان التنسيق السعودي مع تونس في ملف محاربة الارهاب عرف تغييرا جذريا منذ تعيين لطفي ابراهم وزيرا للداخلية الذي استقبل بعد أقل  من شهر من تعيينه ( 11 سبتمبر 2017) سفير السعودية بتونس محمد بن محمود العلي يوم 5 اكتوبر 2017 ، وقبلها حافظت المملكة على تحفظ كبير ازاء كل وزراء الداخلية بسبب «قربهم من النهضة « واقتصرت علاقتها بالمؤسسة على مغازلة بعض الاطارات الكبرى ممن تعتبرهم غير محسوبين على حزب الغنوشي.

ووفقا لما اكد مصدر رفيع المستوى لـ«الشارع المغاربي» فان السعودية قد تكون قدمت للوفد الامني التونسي  ملفا حول شخصيات ومنظمات وجمعيات تحصلت على تمويلات مشبوهة ، وانها قد تكون طالبت بتصنيفها كمنظمات إرهابية . الى ذلك اكد نفس المصدر ان الملف الليبي طرح على النقاش، وان للمملكة مبادرة حول الجارة الليبية تضمها هي والسعودية ومصر

ويبدو ان الجدل الذي صاحب الزيارة والتأويلات التي رافقتها ووصلت حد الحديث عن اعداد السعودية خليفة في الحكم أو لإعادة بن علي الى تونس لا يمكن ان يطرح لولا تعدد سوابق التدخل الاجنبي في البلاد ، وانقسام الفاعلين فيها بين المحورين الاماراتيالسعودي من جهة والقطريالتركي من جهة أخرى.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING