الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: تحاول الحكومة بشتى الطرق تجنب كارثة اقتصادية واجتماعية وشيكة في ظل الكساد الذي تشهده التعاملات المالية في البلاد والتي تؤثر بشكل واضح على المداخيل الاساسية للدولة المتأتية من الجباية المباشرة وغير المباشرة والمنتظر بلوغها 31.8 مليار دينار حسب معطيات ميزانية 2020 قبل أن تتغير المعطيات بالكامل، تبعا لتأثيرات الازمة الصحية.
ورغم “سخاء” جهات وهيئات مالية عديدة لإقراض الدولة التونسية سعيا لإنقاذ “المنظومة” من التردي في هوة التعثر المالي، إذ وصلت قيمة القروض الخارجية المتحصل عليها حاليا الى ما يعادل 8 مليارات دينار وهو مبلغ يقترب من قيمة القروض المرتقب الحصول عليها العام الحالي (8.848 مليارات دينار) ، فان العديد من المؤشرات تبرز أن الحكومة لا يمكنها بأي حال من الأحوال تجاوز النقص في الجباية المؤكد، من جهة والضغط بشكل ناجع على نفقات التصرف والتجهيز (35.4 مليار دينار) ، من جهة اخرى.
مرسوم “الانقاذ”…
وعلى هذا الاساس اقر المرسوم الصادرة في 10 جوان الجاري إجراءات وصفت بأنها تتعلق بدعم أسس التضامن الوطني.ويتمثل أبرز ما جاء فيها في:
- إصدار قرض رقاعي تضامني لتغطية جزء من الحاجات الاضافية لميزانية الدولة لسنة 2020 والمقدرة تقريبا بـ 5 مليارات دينار لمجابهة تداعيات أزمة كوفيد-19 وهو قرض سيكون بمثابة المناورة صعبة التحقيق باعتبار أنه موجه فقط للاشخاص الطبيعيين بـ 100 ألف دينار والمعلوم ان هذا القرض الرقاعي جاء بعد دفع الحكومة اصحاب المؤسسات ورجال الاعمال وغيرهم للإعانات والمساهمات بصفة “تطوعية” على مضض في اغلب الحالات في إطار دعوة الحكومة لها في الفترة الاولى لظهور الجائحة؛
- إحداث معلوم ظرفي لفائدة ميزانية الدولة لسنتي 2020 و2021 يستوجب على البنوك والمؤسسات المالية بنسبة 2% من الأرباح علما ان هذه المنشآت قد ذكرت انها تحملت نقصا كبيرا في إيراداتها و ارباحها بقيمة 600 مليون دينار تبعا لتأجيلها استخلاص أقساط القروض سيما تلك المتعلقة بالأفراد؛
- منح صندوق الودائع والأمانات تمويلات في شكل قروض لفائدة هياكل الصحة العمومية في حدود مبلغ 100 مليون دينار تخصص لاقتناء التجهيزات والمعدات الطبية في إطار مجابهة تداعيات فيروس كوفيد-19 علما ان المردود المالي لهذا الصندوق و طريقة التصرف في أصوله تعتبر غير ناجعة و شبه منعدمة المردودية و ذلك وفقا للعديد من تقارير هيئات حكومية عديدة؛
- إخضاع مداخيل الإيداعات لحرفاء البنوك التي تفوق نسبة تأجيرها معدل نسبة الفائدة في السوق النقدية ناقص نقطة مئوية للخصم من المورد تحرري بنسبة 35%. ويعني ذلك أن اصحاب هذه الحسابات يمكن لهم عدم الكشف عن هوياتهم بمقتضى هذا الاجراء لمصالح ادارة الجباية بحكم ان خصم الأداء من المورد له الطابع التحرري المذكور.
تواصل الاختيارات المرتبكة
عملا على شرح الوضعية، فإنه من الضروري التذكير بأن الحسابات بالبنوك والمؤسسات المالية في تونس تنقسم بالأساس إلى ثلاثة أصناف وهي الودائع تحت الطلب من حسابات شيكات وغيرها (28.4 مليار دينار في 2018) وودائع الادخار بمختلف اصنافه (20.4 مليار دينار) والايداعات لأجل (16.2 مليار دينار) وهي في أغلب الحالات تتعلق بتوظيف أرصدة مالية في البنوك خلال فترات طويلة تتجاوز العام، على أقل تقدير.
وعلى هذا الاساس وباعتبار أهمية قيمة الإيداعات لأجل على نحو خاص، فإن الاتجاه نحو عدم التصريح بهوية المودع لدى احتساب الأداء على الفوائد التي يتحصل عليها، في هذا الاطار، يجعل من مهمة ادارة الجباية على مستوى مراقبة مصادر أموال ضخمة مودعة بالبنوك والمؤسسات المالية أمرا مستحيلا.
وتشكل المسالة خرقا صارخا لمبادئ الحوكمة الرشيدة في الميدان الجبائي وهي العدل والانصاف وشفافية التعاملات وسلاسة الأطر الرقابية. كما ان هذا الاجراء هو في جميع الحالات تكريس، حسب العديد من الاقتصاديين والخبراء، لـ “رسكلة” أموال القطاع الموازي وخزنها بعيدا عما اكدت الحكومة في سياق خطتها الموعودة لانعاش الاقتصاد على صعيد إدماج هذا القطاع الهلامي في الدورة الاقتصادية.
يتفق اليوم عموم المتابعين للشأن الاقتصادي الوطني تقريبا، على أن مجموعة السياسات الاقتصادية التي تسعى الحكومة في إطارها الى تخفيض العجز في ميزانية الدولة العامة عبر تقليص الإنفاق العام او من خلال زيادات ضريبية أو الاثنين معا بالتوازي مع شد الأحزمة تنتهي بتقليل الاستثمار وهو الحل الوحيد لدعم النمو سيما زمن الأزمات.
ويذكر، في هذا الصدد، أن هذه الاختيارات المضرة بالاستثمار لها آثار اقتصادية ضارة في معظم حالات تطبيقها، منها تسببها في الركود الاقتصادي الذي يقود الى الكساد الاقتصادي؛ حيث تسببت مثل هذه الوضعيات بناء على الرجوع الى العديد من التجارب في تونس وخارجها في ظهور التحركات الاجتماعية العنيفة باعتبار ما ينجر عنها من انخفاض للنمو الاقتصادي والبطالة والفقر.
كما يقود الركود الاقتصادي والكساد إلى اضعاف دور الدولة وذلك أساسا في محور الضمان والحماية الاجتماعيين وينهك الحرية الاقتصادية والملكية الفردية ويشجع على الاعتماد على الايادي الخفية للمتنفذين خصوصا من اصحاب المداخيل الريعية والمضاربين والناشطين في الاقتصاد غير المهيكل.
في المقابل، يبدو ان انعدام الكفاءة للساسة في تونس في المجال الاقتصادي والاجتماعي يغيب عن أذهانهم أن زيادة الإنفاق الحكومي وتخفيض الضرائب لمعالجة الكساد وذلك من أجل تعزيز النمو الاقتصادي بزيادة الطلب الكلي الفعال هي عوامل لتحفيز الاقتصاد على دعم التشغيل ومكافحة البطالة والكساد وتوفير السيولة النقدية من خلال تقوية الاستهلاك بشقيه العام والخاص.
http://www.finances.gov.tn/sites/default/files/2019-10/%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9%20%20%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9%202020_1.pdf
http://www.iort.gov.tn/WD120AWP/WD120Awp.exe/CTX_23808-262-xvlFRxvDDc/PageDernierParu/SYNC_-957930526
https://www.bct.gov.tn/bct/siteprod/arabe/documents/RA_ar.pdf