الشارع المغاربي – كوثر زنطور : دخلت الحملة الانتخابية للسباق الرئاسي السابق لأوانه اسبوعها الثاني والاخير، وانطلقت معها ” تكتيكات” “من سينسحب لفائدة من؟ ،بمشاورات هنا وهناك قد يقلب نجاحها المعادلة رأسا على عقب ، ويلخبط الحسابات داخل المعسكرين على حد سواء ” العائلة الوسطية من جهة” و”الاسلاميون والثوريون” من جهة اخرى ، ومن جملة 26 مترشحا يراهن ثنائي فقط على ” جوكر الفوز” بانسحاب مرشح أو مرشحين لفائدتهما ..
خمسة ايام فقط تفصلنا عن موعد تاريخي جديد ستعيشه تونس ، هو الخامس في اجندة التجربة الديمقراطية التونسية بعد انتخابات 2011 و2014 الرئاسية والتشريعية وبلدية ماي 2018 ، واتضحت مع اقتراب تاريخ 15 سبتمبر2019 ،هوية أهم المتراهنين على المرور للدور الثاني . المفاجآت تبقى عنصرا قارا في كل استحقاق انتخابي ، فيما تشكل الحسابات والتكتيكات “لاسيما في المشهد الانتخابي الذي يسجل فيه لأول مرة وجود مترشح قيد الايقاف ، ومراهنة رئيس حكومة ووزير دفاعه ورئيس البرلمان المؤقت في السباق الرئاسي ، من الاليات الكلاسيكية في المنافسات الانتخابية ، وهي شكل من أشكال الصفقات السياسية .
وتشير المعطيات المتوفرة الى ان فريقا الحملة الانتخابية لثنائي دخل في مشاورات على مستويات متعددة ، هما عبد الكريم الزبيدي المترشح المستقل ، والمنصف المرزوقي مرشح حزب “الحراك” ، الاول يعوّل على انسحاب عبير موسي او المهدي جمعة ، والثاني على انسحاب قيس سعيد واستدراج القاعدة الانتخابية للنهضة مقدما نفسه كالأجدر بأصواتها من مرشحهم عبد الفتاح مورو …
المشاورات
أول من انطلق في مشاورات بعنوان “انسحب لفائدتي” هو المترشح يوسف الشاهد، الذي دخل حزبه ومدير حملته سليم العزابي ابان فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية ، في مفاوضات لإقناع كلا من المهدي جمعة ومحسن مرزوق وسلمى اللومي وسعيد العايدي بالانسحاب لفائدة الشاهد ، وخوض حملة مشتركة بتقديم الشاهد كمرشح “العائلة الوسطية التقدمية”، لكن المشاورات فشلت وفشلت قبلها مفاوضات مع النهضة ليكون مرشح تحيا تونس “عصفورها النادر” .
هذا الفشل ، حوّله الشاهد وحزبه كالعادة الى نجاح ، وكدليل قاطع على قطيعة مع النهضة ، رغم كل الدلائل الاخرى التي تشير الى العكس تماما ، وانغمس الشاهد وجماعته في الحملة الانتخابية مُعوّلين على “قوة الدولة” ونجاعة اجهزتها التي تحولت الى ” ماكينة انتخابية” ، وشاهدنا كيف استُعملت لايقاف نبيل القروي ، وفق ما جاء على لسان اعضاء من هيئة الدفاع عنه، وعلى لسان المترشح عبد الكريم الزبيدي ايضا الذي قدم في كل إطلالته الاعلامية شهادات عن توظيف اجهزة الدولة في حملة الشاهد ، قال انها انطلقت منذ 6 اشهر .
وبخلاف اتهامه بتوظيف اجهزة الدولة ، بدأت اتهامات اخرى تُتناقل داخل حملات المتنافسين أخطرها توجس من امكانية تدليس الانتخابات والتلاعب بنتائجها ، والتعويل على “المباح وغير المباح” للمرور اولا إلى الدور الثاني ثم الفوز بمنصب الرئيس ، والمحافظة بذلك على السلطة في استحقاق يصفه الشاهد بالتاريخي والمحدد للعشر سنوات القادمة ، بما جعل مترشحين ، جلهم من خصومه، يدقون ناقوس الخطر ويدعون لالتفاف حول مرشح واحد يواجه ” خطرا داهما” على الديمقراطية يتمثل في الشاهد وحزبه .
اهم داعمي هذا التوجه ، هما – كل من جهته طبعا – الزبيدي والمرزوقي ، اللذين يعولان على انسحابات لفائدتهما تمكن من قلب المعادلة رأسا على عقب ، بالنسبة للمترشح الزبيدي دخل افراد من حملته في مشاورات مع الثلاثي نبيل القروي وعبير موسي والمهدي جمعة ، فيما دخلت جماعة” المرزوقي” في مفاوضات مع المترشح قيس سعيد وقيادات من النهضة.
الزبيدي
تعتبر مجموعة الزبيدي ان مترشحين اثنين فقط قادران في صورة قررا الانسحاب لفائدته على ازاحة نهائية للشاهد منذ الدور الاول ، هما المهدي جمعة وعبير موسي ، بالنسبة للمهدي جمعة ، فانه كان “منفتحا” على الحوار ولم يقدم في مرحلة اولى رفضا قاطعا للانسحاب لفائدة الزبيدي ، قبل ان تتغير المعطيات خاصة مع الظهور الاعلامي الباهت للزبيدي و”تواضع” امكاناته الاتصالية ، وتوسع دائرة منتقديه ورافضي ترشحه ، الى رافض بشكل بات الانسحاب ودعا مقربون منه الى انتظار نتائج الدور الاول.
اما عبير موسي ، فهي رافضة بشكل بات وقاطع منذ بداية الاتصالات بها اي انسحاب لفائدة أي طرف كان ، بل وتعتبر ان ترشح الزبيدي استهداف مباشر لها ، بتدبير من حركة النهضة القريبة منه، وفق تقديراتها ، وتلمح الى انه “غواصة من غواصاتها” اذ انه كان وزيرا في حكومتها وقبلت به وصوت نوابها لفائدته عند تعيينه وزيرا للدفاع من جديد في حكومة الشاهد الثانية ، واكثر ما تعهدت به موسي ، وفق مصادر قريبة منها ، عدم استهداف الزبيدي خلال الحملة الانتخابية .
بقي “جوكر” ، يراهن عليه احد المقربين من الزبيدي ، وهو رجل الاعمال المثير للجدل “كمال اللطيف” ، القريب ايضا من المترشح الموقوف منذ 23 اوت 2019 ، نبيل القروي ، ويقضي بانسحاب تكتيكي من القروي لفائدة الزبيدي وتسخير ” ماكينته الانتخابية” الضخمة لصالح هذا الاخير . مقربون من القروي يرفضون حتى التطرق الى هذه الفرضية ويرفضون حتى الرد عليها ويعتبرونها من “باب الخيال السياسي” وفق تعبيرهم.
لكن لا يبدو ان الامر محسوم بشكل نهائي في اتجاه الرفض مثلما يؤكد فريق رئيس حزب قلب تونس ، فالقروي الخبير في “فنون الصفقات” ليس ممن يحشرون أنفسهم في ” الزاوية” ، فهو يعلم ان الدخول في منطق ” الكل في الكل” قد يؤدي به في النهاية الى خسارة كل شيء ، وقد تكون “صفقة ” مع الزبيدي حلا ممكنا لإزاحة خصمه “الشاهد” الذي ترى مجموعة “القروي” ان فوزه يعني تمديدا ربما طويلا في مدة اقامته بسجن المرناقية ، مقابل امكانية المراهنة على التشريعية وربح “شرعية” بفضل مساندة الزبيدي له الذي يبقى لدى طيف واسع ” رجل دولة” .
هذا الانسحاب قد يشكل المنعرج في انتخابات 2019 الرئاسية ، ويفسح المجال امام الزبيدي للمرور للدور الثاني ، الا انه يبقى ايضا صعبا رغم دخول اكثر من طرف في مفاوضات لاقناع حزب قلب تونس بالتحرك في هذا الاتجاه ، لكن الاخبار القادمة من سجن المرناقية تؤكد ان نبيل القروي متمسك بالمنافسة الانتخابية ومزهوّ بتحوله الى ” زعيم” تحول الى موضع اهتمام كبير في الخارج وقد يكون اول رئيس يفوز وهو في حالة ايقاف .
المرزوقي
المنصف المرزوقي بلا حظوظ تقريبا للمرور الى الدور الثاني ، بظهور قيس سعيد المترشح المستقل الموصوف بالظاهرة ، وبترشيح حركة النهضة نائب رئيسها ، مع مرشحين آخرين ينافسونه على نفس القاعدة الانتخابية هم أساسا مرشح التيار الديمقراطي محمد عبو والمترشح المستقل حمادي الجبالي والمترشح سيف الدين مخلوف .
يقدم المرزوقي نفسه كالمترشح الوحيد القادر على منافسة مرشح “المنظومة التجمعية والثورة المضادة” ، ويقول افراد حملته الانتخابية على غرار عماد الدايمي بشكل علني انهم في اتصال مع قيادات من النهضة لتوجيه اصوات ” جمهور النهضة” لفائدة مرشح “الحراك” . الدايمي الذي لا يخجل من الاقرار بمحاولة خلق شرخ داخل النهضة ، يرى ان مورو بلا حظوظ ان مرّ للدور الثاني وان الحل في مساندة المرزوقي.
هذا الحراك “الحراكي” ، تجاهلته النهضة التي تحث في كل البيانات الصادرة عن مختلف مؤسساتها انصارها على ” التصويت فقط لمرشح الحزب” عبد الفتاح مورو ، وتؤكد قيادات الصف الاول منها على غرار عبد الكريم الهاروني ان مورو هو الأوفر حظا وانه سيفوز في الاستحقاق الانتخابي السابق لاوانه منذ الدور الاول ، فيما شدد رئيسها راشد الغنوشي على ان النهضة ستكون موجودة في القصبة وقرطاج وباردو .
خطاب الانتصار الذي تتحدث من منطلقه النهضة يشير الى صعوبة الانسحاب لفائدة المرزوقي ، وهو الذي اسقطته من حساباتها منذ فترة وبات ذكرى من ذكريات ” الترويكا” ، والحركة التي لا تهزها الا التوازنات السياسية وثقلها ، تعلم ان المرزوقي لم يعد بنفس الثقل السياسي والجماهيري الذي كان عليه سنة 2011 . ويقول مصدر منها لـ “الشارع المغاربي” ان محرك وصوله ( المرزوقي) للدور الثاني في اشارة الى عبد الحميد الجلاصي لم يعد له نفس نفوذ تلك الفترة ، وان تزكية الغنوشي مرشح ( مورو) محسوب على المعارضة داخل حزبه سيقيها من أية اختراقات كانت.
هذا يعني فشلا مؤكدا لأية محاولة لاستمالة النهضة على المستوى المؤسساتي ، لذلك يلعب المرزوقي على اختراق قاعدتها الانتخابية والتحذير من سيناريو ” 2014″ جديد ، وبمساندة مرشح المنظومة السابقة مثلما تم مع الرئيس الراحل الباجي ، وذلك ما يجعلنا نفهم مغازلاته المتتالية لهذه القاعدة على غرار رفضه مشروع قانون المساواة او التقليل من أهمية ملف “الجهاز السري” .
انسحاب آخر وازن يعول عليه المرزوقي ، يتمثل في انسحاب المترشح قيس سعيد الاكثر حظوظا في معسكر الاسلاميين والثوريين لفائدته . هذا الامر طرح قبل تقديم الترشحات ، واكد مصدر قريب من سعيد لـ “الشارع المغاربي” انه رفضه بشكل قاطع وانه عرض عليه ترؤس قائمة” الحراك” في تونس 1 التي قد تكون بوابة لترؤس البرلمان . طبعا العرض رفضه سعيد خاصة انه بعيد عن الواقع السياسي ، من حزب لا حظوظ له ولا يمكن له ان تكون له كتلة وازنة في البرلمان تمكن سعيد من رئاسته.
هذه المعطيات تشير الى صعوبة الاعلان عن انسحابات خلال ما تبقى من عمر الحملة الانتخابية ، وإلى ان كل مترشح سيُعوّل على نفسه في الدور الأول من الانتخابات ، في انتظار الدور الثاني الذي ستكون النقاشات فيه اكثر جدية ، وتمنح لـ26 مترشحا امكانية ان يعرف وزنه الانتخابي الذي قد يكون بعيدا عن الارقام المقدمة من مؤسسات سبر الآراء.
صدر بأسبوعية”الشارع المغاربي” في عددها الصادر يوم 10 سبتمبر الجاري.