الشارع المغاربي – مقاولون مُفْرِطون في الغش وإداريون مُفَرِّطون في المال العام !

مقاولون مُفْرِطون في الغش وإداريون مُفَرِّطون في المال العام !

قسم الأخبار

26 سبتمبر، 2021

الشارع المغاربي-محمد الجلالي: من المنستير إلى الكاف مرورا بسوسة وتونس وجندوبة شهد انجاز عديد المشاريع العمومية المفترض مراقبتها من قبل وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية اخلالات شتى على مدى سنوات.

فقد كشفت تقارير تفقّد بوزارة التجهيز، حصلت جريدة «الشارع المغاربي» على نسخ منها، تعمد شركات مقاولات خاصة ارتكاب تجاوزات خطيرة خلال بناء مساكن اجتماعية أو تهيئة وترميم إدارات عمومية أو انجاز طرقات بين 2013 و2017.

تقصير إداري

وقف فريق التفقد التابع للتفقدية العامة بوزارة التجهيز خلال متابعة بعض صفقات انجاز مشاريع سكنية على حزمة من الاخلالات المرتكبة من قبل مقاولين رغم إشراف شركة النهوض بالمساكن الاجتماعية.

وبخصوص انجاز 91 وحدة سكنية بضاحية سيدي داود بالعاصمة لاحظ مراقبو التفقدية إخلالات إدارية من قبيل تباطؤ الإدارة في دعوة المقاول لبدء الأشغال. وسجلوا فارقا ب42 يوما بين تاريخ المصادقة على الصفقة وتاريخ الإذن الإداري لانطلاق الأشغال.

ولاحظ فريق التفقد تعمد إدارة الشركة العمومية إسناد مدة اضافية في آجال التعاقد لم يتم التنصيص عليها بكراس الشروط.

واعتبر المدة الاضافية «امتيازا غير مستحق يخل بمبدأ المساواة بين العارضين امام الطلب العمومي.»

وأكد المتفقدون أن أغلب المشاريع السكنية تشكو من تأخر في إتمام الأشغال في الآجال التعاقدية.

وفسروا التأخر بعدم حرص الشركة العمومية على تجاوز الإشكاليات المطروحة مع أصحاب الصفقات مثل التقصير الواضح للمقاول الخاص بقسط السوائل والذي أوقف الأشغال في عديد المناسبات دون اعتبار التوقف الناتج عن أحداث 14 جانفي 2011.

في هذا السياق لاحظ فريق التفقدية عدم تحرك الشركة العمومية لمطالبة المقاول باستئناف الأشغال إلا في 9 ديسمبر 2011.

وقارن المتفقدون بين تعامل «سبرولس» مع مقاولَين كُلّفا بنفس الصفقة، فلاحظوا انها مكنت احدهما من امتياز تمثل في إسناده مدة اضافية في آجال التعاقد لم يتم التنصيص عليها بكراس الشروط مقابل فسخ عقد الصفقة مع المقاول الثاني.

اجتهاد في التحيّل

وبخصوص جودة الأشغال المنجزة أشار فريق التفقد إلى جملة من النقائص تمثلت في إدخال تغييرات على الخصائص الفنية المنصوص عليها في كراس الشروط من بينها:

ـ طلاء جدران المدارج بمادة مغايرة لما هو مطلوب

ـ استعمال أخشاب أقل جودة مثل الخشب Contre plaque لعوارض الباب الخارجي للشقق وقاعات الجلوس عوضا عن خشب الـ Acajou المنصوص عليه في جدول الأشعار التقديرية واستعمال مرافع خزانات من الخشب MDF عوضا عن الخشب المطلوب.

ـ تركيز نوافذ متعارضة مع أمثلة النجارة وبمقاسات لا تستجيب للمواصفات المطلوبة

ـ انجاز طرقات وشبكات لا تستجيب للمواصفات الفنية الخاصة بالخرسانة الإسفلتية سواء من حيث السمك أو التركيبة.

ـ عدم دهن خزانات العداد بالمادة المضادة للصدأ

ـ غياب مثبت مسار للباب الحديد الخارجي

ـ ظهور الصدأ على بعض السخانات قبل استعمالها.

ـ تسرّب المياه عبر النوافذ نتيجة عدم تثبيتها بطريقة محكمة

وفي مشروع سكني بحي الرياض من ولاية سوسة، لاحظ فريق الرقابة لجوء اغلب المقاولين المتعاقدين مع شركة النهوض بالمساكن الاجتماعية إلى تكليف شركات أخرى لانجاز أجزاء من الصفقة دون الحصول على موافقة الشركة العمومية، وهو ما يتعارض مع القانون المنظم للصفقات العمومية.

تهيئة أم تهرئة

في 15 جوان 2015 أذنت الإدارة الجهوية للتجهيز بولاية نابل بتهيئة دار الثقافة بقليبية بمبلغ جملي قدر بـ ألف دينار 341، وبآجال تعاقدية لا تتجاوز 180 يوما.

وبمراقبة فريق التفقد بوزارة التجهيز تفاصيل الصفقة في فيفري 2017 اكتشف أن الأشغال المنجزة تختلف عما تم الاتفاق عليه وأن عمل المقاول اقتصر على إعادة الشبكة الكهربائية وحماية البناية من الحرائق وتهيئة حجرة القيافة وتهيئة الوحدات الصحية دون إعادة تهيئة الواجهة الأمامية والفضاء الخارجي للبناية.

وسجّل المتفقدون وجود عدة اخلالات في عمل المقاول من بينها:

ـ عدم احترام المواصفات الفنية اللازمة في أشغال تغليف الجدران وتبليط أرضية حجرة القيافة والوحدات الصحية

ـ عدم مطابقة بعض أشغال إعادة شبكة الكهرباء وتركيز شبكة الحماية من الحرائق للمواصفات الفنية.

ـ أغلب أشغال الشبكة الكهربائية تشكل خطرا على رواد دار الثقافة

ـ عدم إخفاء شبكة قنوات المياه لحمايتها من الإتلاف.

ـ عدم مطابقة الوحدات الصحية المخصصة لذوي الاحتياجات الخصوصية للمواصفات الفنية لتيسير تنقلهم داخل المؤسسات العمومية.

وشدّد الفريق المراقب على تحمل مصالح الإدارة الجهوية للتجهيز مسؤولية عدم متابعة المشروع بصفة كافية واتخاذ الإجراءات الفنية والإدارية اللازمة في الإبان.

مشروع سائب ومقاول عابث

إثر مراسلة من المرصد الوطني للصفقات العمومية في شهر جوان 2017 تعلقت بتجاوزات حصلت في مشروع تهيئة وتوسعة السجن المدني بالمنستير، أجرت التفقدية العامة بوزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية بحثا في الموضوع.

وتنقل فريق التفقد إلى الإدارة الجهوية وأجرى زيارة ميدانية لموقع المشروع الذي فاقت ميزانيته 3,6 ملايين دينار ولاحظ أن الصفقة تنص على بناء ثلاثة أجنحة و10 غرف وأربع ساحات فسيحة وقاعة متعددة الاختصاصات وفضائين للاستحمام وفضاء إداري ومصحة وجناح خاص بالزيارات.

ومن بين العيوب البارزة التي عاينها المتفقدون:

ـ تآكل الخرسانة المسلحة مع بروز حديد الأعمدة الحاملة للباب الرئيسي للمبنى مما يؤثر على ثباته

ـ بروز شقوق وتصدعات واعوجاج كبير بالسور الخارجي للمبنى

ـ ظهور شقوق بالطبقة الإسفلتية للطريق الجانبية المحيطة بالمبنى

ـ هبوط في الرصيف الحامي للمبنى

ـ استشراء آثار الرطوبة وتسرّب المياه نتيجة النقص في أشغال العزل المائي لسطح برج المراقبة

ـ نقص في جودة نوافذ الألمونيوم المركزة في أبراج المراقبة

وجود اعوجاج في حديد سقف ساحات المبنى مما يؤثر على ثبات الهياكل المعدنية

ـ بروز شقوق على مستوى بعض الجدران تحت ركائز الهياكل المعدنية

ـ بروز شقوق في الغرف المكيفة وعيوب في انجاز السيراميك

ـ ظهور علامات الرطوبة في بعض الوحدات الصحية نتيجة تسرب المياه من القنوات

وشدد الفريق الرقابي على وجود إخلالات في مختلف مراحل انجاز المشروع ولاحظ أن جدول أشعار العرض الفائز بالصفقة يحتوي تخفيض كبير في قسط الهندسة المدنية الذي يمثل لوحده قرابة 80 بالمائة من قيمة الصفقة.

وأشار المتفقدون إلى أن عديد المسؤولين بالإدارة الجهوية تداولوا على مراقبة ومتابعة مراحل الانجاز والى أن بعض الفترات اتسمت بغياب المراقبة وأن ذلك تسبّب في تسيّب وتجاوزات.

واتهمت التفقدية العامة الإدارة الجهوية بالتخلي عن دورها في التنسيق بين الأطراف المتدخلة في المشروع.

قبول رغم التحفظات

وعرج فريق التفقد على الإجراءات المعتمدة في القبول الوقتي للمشروع، فأكد على وجود تضارب في المعطيات.

وذكر ان صاحب المنشأة (الإدارة العامة للسجون والإصلاح) وصاحب المنشأة المفوض (المجلس الجهوي بالمنستير) صرحا بالقبول الوقتي، وان المهندس المعماري المشرف شدد على وجود 46 تحفظا، وانه رفض التصريح بالقبول الوقتي.

وأضاف فريق التفقد أن المسؤولين الجهويين للتجهيز صرحوا بالاستلام الوقتي للأشغال رغم وجود عديد التحفظات حول هيكل المبنى والبوابة الرئيسية والسور الخارجي مع الاكتفاء بتطبيق خصم من الشركة الخاصة بمبلغ 1600 دينار.

وتساءل «حول جدية الإدارة في التحري في مدى تطابق الأشغال مع المواصفات الفنية المعمول بها وحول مدى سلامة الإجراءات المعتمدة وجدية الأطراف الممضية على وثيقة القبول الوقتي ومدى مقبولية الأشغال المنجزة.»

وفي مرحلة القبول النهائي للأشغال تحفظ ممثل الادارة العامة للسجون والإصلاح على الموافقة مطالبا برفع كل الاخلالات المسجلة.

اخلالات في كل مكونات المشروع

وبانجاز اختبارات معمقة بإذن من ولاية المنستير خلص فريق فني مكون من مصممي المشروع الى وجود 32 تحفظا.

وكَلّف صاحب المشروع (الإدارة العامة للسجون والاصلاح) مكتب مراقبة محايد لاجراء تجارب على الأشغال المنجزة فأكد وجود إخلالات تهم كل مكونات المشروع.

الاخلالات اعتبر الفريق الرقابي انها ناتجة عن نقص في جودة ومتابعة الأشغال التي لم يتم تداركها بالإصلاح سواء عند القبول الوقتي أو عند القبول النهائي.

ولفت المتفقدون إلى وجود تقصير من الإدارة الجهوية في متابعة المشروع ومراقبة الأشغال بسبب تداول عديد المسؤولين على مختلف مراحل الانجاز وغياب الحزم والجرأة في اتخاذ القرارات لإلزام الشركة الخاصة ومختلف المتدخلين باحترام تعهداتهم بحسن تنفيذ الاشغال وضعف التنسيق بين المتدخلين مما أربك نسق الانجاز، وعدم حرص الإدارة على ضمان حقها وتجنبيها مصاريف إضافية كان بالإمكان اقتطاعها من الضمان البنكي.

جرائم دون تحفظ

بين سنتي 2014 و2016 رست أشغال انجاز مسلكين ريفيين بطول 12,6 كلم بمعتمديتي القصور والدهماني من ولاية الكاف على شركتين، شركة أولى للإحاطة الفنية وثانية للانجاز، بقيمة مالية في حدود 1,7 مليون دينار.

ورغم قصر الطريق المنجز فقد شهدت الأشغال أنواعا شتى من الغش والتحيل والتقصير، مما أثار حفيظة احد السكان فبادر بالتبليغ عما اعتبرها شبهات فساد في تنفيذ الصفقة.

وبتدقيق التفقدية العامة لوزارة التجهيز في الصفقتين عاينت ما لا يقل عن 21 إخلالا متفاوتة الخطورة

وأكد فريق التفقد أن الإدارة الجهوية للتجهيز تعمدت تغييب مكتب الإحاطة الفنية طيلة 13 شهرا أي في أغلب مراحل انجاز الطريقين، وأنها حاولت تدارك هذا التقصير بتحرير محضر اتفاق مع المكتب تعهد بمقتضاه بمطالبة شركة المقاولات بتفادي جميع الاخلالات المسجلة في الأشغال.

ولفت إلى ان الادارة تخلت عن تعهداتها وانها سارعت بالتصريح بالقبول الوقتي للأشغال دون أي تحفظ بدل مطالبة الشركة الخاصة بتدارك الاخلالات.

الخلاص بدل فسخ العقد

وأشار فريق التفقد إلى أن الإدارة لم تحرص على مطالبة مكتب الإحاطة الفنية بتقديم تقارير دورية عن متابعة انجاز الأشغال وتدوين الملاحظات والتوصيات اليومية على دفتر الحضيرة.

وبين أن الإدارة تسرعت في خلاص كشوفات الحسابات الوقتية للمكتب دون التأكد من رفع التحفظات المذكورة في محضر الاتفاق.

في هذا السياق أكد المتفقدون في تقريرهم انه «كان من باب أولى قيام الإدارة بالاجراءات اللازمة لفسخ الصفقة مع مكتب الإحاطة الفنية بدل تغييبه والتخلي عن خدماته في مرحلة هامة من مراحل انجاز المشروع ثم خلاصه عن كل مستحقاته.»

للغش وجوه شتى

وخلصت المعاينة الميدانية والاختبارات الفنية للطريقين المنجزين إلى تسجيل الاخلالات التالية:

ـ عدم قيام الشركة بأشغال القطع على جانبي الطريق

ـ معاينة أجزاء من الطريق لا يتجاوز عرضها 8 امتار بدل 12 مترا

وللتثبت في سمك طبقات الطريق وتبين أن:

ـ سمك طبقات الردم في 14 نقطة من مجموع 18 نقطة أقل من السمك المطلوب.

ـ سمك طبقة القاعدة في أغلب النقاط أقل من 15 سنتمترا

ـ عدم تماسك طبقة القاعدة بسبب الغش في الأشغال

ـ وجود عيوب في التغليف السطحي بسبب نقص في الاسفلت

ـ انجاز طبقة الأسس من نفس المادة المستعملة في الردم

ورغم كل عمليات الغش تم خلاص شركة المقاولات عن أشغال حفر لم تنجزها بقيمة مالية تعادل 180 ألف دينار. وتم خلاصها أيضا في أشغال تعويض التربة غير الصالحة للاستعمال.

هكذا إذن تكشف معاينة انجاز صفقات عمومية متصلة بالبناءات والترميم وانجاز الطرقات مدى استهتار عدد من إدارات التجهيز بأمن التونسيين واستخفافها بالمال العام بعدم حرصها على التصدي لعمليات غش موصوفة يقترفها بعض المقاولين اللاهثين خلف الربح السريع على حساب الانصياع للشروط الفنية المنظمة بكراسات شروط واتفاقيات وقوانين.

نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ الثلاثاء 21 سبتمبر 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING