الشارع المغاربي : تستأنف بداية الأسبوع المفاوضات المثيرة للجدل بين تونس والاتحاد الأوروبي بخصوص اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق سيما في ظل الظرفية المحيطة بهذه الجولة التي تصر الحكومة على انعقادها لأسباب تتعلق بتفاهمات وصفقات سياسية وانتخابية غير معلنة مع الجانب الأوروبي الذي يعمل على ايهام الراي العام التونسي بتواصل المفاوضات مدعيا انها تراعي مصلحة تونس والحال انها مجرد غطاء لسياسة الامر الواقع القائمة على ادماج اهم بنود الاتفاق بالتشريعات التونسية وآخرها القانون الافقي للاستثمار المعتمد من قبل مجلس نواب الشعب.
هذه الأساليب التضليلية المستمرة منذ انطلاق التفاوض سنة 2016 تسعى للالتفاف على المعارضة الشديدة التي قوبل بها الاتفاق في كافة الأوساط والتنظيمات المهنية والسياسية والنقابية المدركة لمخاطره الجمة والمنددة بعدم اكتراث الجانب الحكومي بالمخاوف التي عبر عنها المجتمع المدني والقطاعات المستهدفة بالتحرير وخاصة منها قطاعي الفلاحة والخدمات وهيئاتهم التمثيلية المطالبة بإيقاف المفاوضات او تعليقها سيما في ظل موازين قوة تفاوضية مختلة تسمح للمفاوض الأوروبي بفرض شروطه على حساب الشعب التونسي والمصلحة الوطنية العليا.
حقيقة الامر ان الشروط الضرورية لأجراء مفاوضات حقيقية ومجدية لتونس مع الطرف الأوروبي ليست قائمة اليوم مثلما كان نلك الشأن ابان ابرام اول اتفاق للتبادل الحر بين الجانبين سنة 1969 وذلك لاعتبارات عدة تتعلق أساسا بالتفاوت الشاسع في الحجم السياسي والاقتصادي وانعدام الحد الأدنى من التكافؤ في الطاقات الإنتاجية ومستويات التنمية الصناعية والتكنولوجية. ومع ذلك لم يسبق ان بلغ الموقف التفاوضي التونسي حول ملفات مصيرية بهذه الخطورة هذا القدر من الضعف والهشاشة وانعدام الرؤية والتبعية المفرطة إزاء الطرف المقابل مما يجعل تونس غير قادرة عن مقاومة الضغوط الأوروبية والدفاع عن مصالحها.
وبالتالي فان الجانب الحكومي مدعو لتفعيل البنود الوقائية الواردة ببرنامج العمل التونسي الأوروبي التي تخول لتونس، في حالة تدهور أوضاعها الاقتصادية والمالية، تعليق المفاوضات حول آليكا مع التذكير أيضا بالبنود المماثلة لاتفاقية 1995 التي تسمح بإعادة فرض الحماية الديوانية لمواجهة انهيار التوازنات الكبرى للبلاد.
وهكذا يتضح ان المضي في هذه “المفاوضات” المختلة ليس قدرا محتوما خاصة وأننا على أبواب انتخابات مصيرية بتونس والاتحاد الأوروبي قد تؤدي الى مراجعات جوهرية في السياسات الخارجية للجانبين سيما في ظل المأزق الذي بلغته منظومة العولمة التجارية وما افرزته من حرب تجارية مستفحلة وعودة للحمائية التجارية فضلا عن صعود الحركات السياسية الأوروبية المعادية للاتحاد الأوروبي باعتباره خطرا على الديمقراطية وعلى المقومات السيادية للدولة الوطنية بأوروبا.
ولكل هذه الاعتبارات فانه يحق للقوى الوطنية بتونس مطالبة الحكومة بإيقاف المفاوضات وكافة المبادرات التشريعية ذات الصلة التي يتم تمريرها بنسق متسارع بتواطئ واضح من مجلس نواب الشعب وذلك حفاظا على حق الشعب التونسي السيادي في تقرير مصيره ومستقبل علاقاته بالشريك الأوروبي من خلال الآليات الديمقراطية والحوار الوطني المرتقب بمناسبة الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة.
اما الجانب الأوروبي فانه مدعو للكف عن تدخلاته المفضوحة في شؤوننا الداخلية وامعانه في الاستخفاف بمعاناة التونسيين ومزيد اغراقهم في المديونية والفقر والتبعية فضلا عن تماديه في فرض السياسات المدمرة للاقتصاد التونسي وهي التي ساهمت بقسط وافر في عرقلة تحقيق اهداف الثورة و تحقيق الانتقال الديمقراطي الفعلي من خلال التداول السلمي على السلطة في المواعيد الانتخابية السابقة.
صدر بالعدد الأخير من اسبوعية “الشارع المغاربي”.