الشارع المغاربي: إن رقعة التضامن مع ”غزة العزّة” خاصّة والشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة عامّة تتسع لتشمل غالبية العواصم العربية. وإذ يكتسي هذا التضامن، سواء في أقطارنا أو في العالم، أهميّة كبرى في هذا الظرف الاستثنائي الذي جُنّ فيه جنون حكومة الصهاينة التي هزمتها المقاومة وأذلّتها فاندفعت نحو ارتكاب حرب إبادة جماعية مدعومة من أبشع الكواسر الاستعماريّة المذعورة، وعلى رأسها الامبرياليّة الأمريكيّة وحكومتها المُجْرِمة، فإنّه من المهم أن تكون لهذا التّضامن في أقطارنا أهداف سياسية واضحة ليكتسي النجاعة المطلوبة.
إن مهمّتين اثنتين، أساسيتين، ملحّتين، تفرضان نفسيهما على شعوبنا للإنجاز دون تأخير نظرا إلى أهميّة عامل الزّمن:
الأولى: توجيه الجماهير المتظاهرة الغاضبة نحو محاصرة السفارات الأمريكية في أقطارنا والمطالبة، كل حسب أوضاعه وجهده، برحيل سفراء هذه القوة الظالمة، المجرمة التي لا تكتفي بدعم العدوان بل تشارك فيه بمختلف الوسائل العسكرية والسياسية والماليّة والإعلامية والدبلوماسية وتوفّر له الغطاء الدولي: بايدن يصرّح ”أنا صهيوني”. وبلينكن ”أنا يهودي…” وهو يتنقّل من عاصمة إلى أخرى لإدارة العدوان. ووزير الدفاع أوستين، تنفيذا لهذا الانخراط السافر والمجرم في العدوان، يرسل حاملتي طائرات إلى المنطقة ويقيم جسرا جويا مع الكيان لمدّه بأكثر الأسلحة دمارا. “لا تستعملوا في تصريحاتكم عبارات: ”خفض العنف في غزّة، وقف التصعيد، وقف إطلاق النار، إنهاء العنف وسفك الدماء، استعادة الهدوء…”، هكذا توجّه وزارة الخارجية الأمريكية تعليماتها إلى دبلوماسيّيها في العالم لتوفير الوقت لتنفيذ حرب الإبادة. وعلى خطى هذه التوجيهات تسير مختلف أدوات الدعاية الخاضعة للكواسر الاستعمارية لتوفر من ناحيتها الغطاء الإعلامي، على طريقة ”غوبلز” النازيّة، لتنفيذ الجريمة.
غزة التي لا تتجاوز مساحتها 360 كلم مربع وعدد سكانها المليونين و200 ألف نسمة يتجند من أجل مواجهتها، إلى جانب الكيان الصهيوني المدجج بالأسلحة بما فيها السلاح النووي، أكبر الكواسر الاستعمارية وأبشعها في العصر الحديث وعلى رأسها هولاكو القرنين العشرين والواحد والعشرين، الامبريالية الأمريكية. إن ضمان الفاعلية لتضامننا يقتضي طرد سفراء رأس الأفعى من بلداننا دون أن يعني ذلك صمتا على بقية الكواسر أي حكومات اليمين في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا التي تتذيل لواشنطن. كلّ هؤلاء ترعبهم المقاومة ويخيفهم الانهيار المحتوم للكيان الغاصب ممّا يؤشّر لنهاية مواطن نفوذهم في المنطقة. ولكن شعوبهم بصدد اكتشاف الكذبة كما حصل في حروب الجزائر وفيتنام والعراق وأفغانستان وغيرها وقد بدأت ترتدّ عليهم وتخرج إلى الشوارع.
الثانية: توجيه الجماهير الغاضبة في البلدان المطبّعة أنظمتها مع الكيان المجرم، وخاصة جماهير شعوب المغرب ومصر والأردن التي خرجت بَعْدُ إلى الشارع للاحتجاج، إلى إلغاء اتفاقيات التطبيع فورا. إنّ أنظمة التطبيع كشفت عن عورتها بمحاولة إدانة المقاومة والاصطفاف وراء الصهيوني في اجتماع وزراء الخارجية بالجامعة العربية المنعقد أخيرا في القاهرة. ولكن أمام بشاعة العدوان وتعاظم دعم المقاومة في المنطقة وفي العالم يحاول بعض هذه الأنظمة الآن، كذبا وبهتانا التظاهر بمساندة قضية الشعب الفلسطيني، فليكن الضغط على كلّ هذه الأنظمة المطبّعة بالشكل الذي لا يترك لها متنفّسا فلا شيء أقلّ من إلغاء اتفاقيات التطبيع وتجريمه. إن شعب مصر العظيم هذا وقت تدخّله ليكتب صفحة جديدة من صفحات تاريخه المجيد. أما في البلدان التي لم يشملها التطبيع أو التي بدأت تفكر في/ أو تخطو خطوات عملية نحو/ التطبيع ومنَعَها هول الجريمة في غزّة عن التقدم أكثر وإعلان «تجميد» ما بدأت فيه فالمطلوب الآن وهنا فرض التراجع عن أي خطوة معلنة أو غير معلنة نحو التطبيع كفرض سنّ قوانين/تشريعات لتجريم التطبيع على طريق عزل كيان الجريمة وتفكيكه وإنهائه كما انتهى كيان «الأبارتيد» في جنوب إفريقيا وإقامة دولة فلسطين الحرّة والديمقراطية والعلمانية من النهر إلى البحر، ليتعايش فيها، على أنقاض ذلك الكيان الغاصب، أتباع كافة الأديان بسلام.
إن اللحظات الاستثنائية تتطلب مواقف استثنائية. ليس فيما نطرح مزايدة ولا نزعة غير واقعية. إن حرب الإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة واقع وليست خيالا، ومشاركة الحكومة الأمريكية في هذه الحرب واقع أيضا وليست ادعاء أو اتهاما. إن الوهم هو في الاعتقاد في أن الكيان الغاصب وشريكه الامبريالي الأمريكي سيتوقفان عن حربهما الإبادية دون قوة رادعة. كما أن الوهم هو في الاعتقاد بأن ماكرون فرنسا وميلوني إيطاليا وسوناك بريطانيا وشولتز ألمانيا، الذين يمنعون التظاهر نصرة لفلسطين ويجرّمونه أو يمنعون رفع العلم الفلسطيني ويلجّمون كل إعلام حرّ ومستقل كي لا ينقل الحقيقة للشعب، ويسعون سعيا محموما إلى إلغاء الهوية الفلسطينية، لهم أدنى حسّ إنساني لكي يرتدعوا دون ضغط.
إن المقاومة المسلّحة، في نقلتها النوعية الجديدة التي تمثّل هي أيضا واقعا ملموسا لا وهمًا، تؤدّي واجبها وقد تتّسع لتشمل ساحات أخرى في المنطقة، فلتقم المقاومة الجماهيرية، الشعبية (السياسية والحقوقية والنقابية والنسائية والشبابية والثقافية…) بدورها في الإسناد الفعّال الذي لا ينبغي أن يتوقف عند التظاهر وتجميع التبرّعات. إن معركة طوفان الأقصى التحررية تحتاج إلى طوفان شعبي عربي وعالمي من أجل وضع حدّ لإحدى أكبر المظالم في عصرنا الحديث.
إن ما حققته المقاومة في الأرض غير مسبوق في جرأته وتخطيطه ونتائجه العمليّة، وقد تجاوز سقف التوقّعات وهمّش اتفاقات الخيانة والعمالة ورذّلها. وهذا المكسب النّوعي للمقاومة في مسار مراكمة القوى على طريق التحرير الوطني الكامل، غير قابل للتبخيس مهما كانت مآلات المعركة الحالية ولا بدّ من البناء عليه لتطوير استراتيجية المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني في الداخل والخارج.
إن مسار الثورات وحركات التحرّر متشعّب، ولكنّه ينتهي دائما بالنّصر.
إن الوقت لتحمّل المسؤوليّة.
إن حزبنا، حزب العمال في تونس، طرح في نشاطه الدعائي والميداني مهمات:
-طرد السّفير الأمريكي
-إلغاء اتفاقية الشراكة مع الناتو
-إصدار قانون لتجريم التطبيع
وهو عازم على تحويلها إلى مهمات مشتركة مع القوى الديمقراطية التقدمية بل إلى مهمات شعبيّة.
نداء:
يا أيها الشعب التونسي ويا أيتها الشعوب العربيّة وشعوب العالم المسكونة بالحرية والكرامة والعزّة، ويا حرائر العالم وأحراره لا تستهينوا بقدرتكم على دعم القضايا العادلة وحركات المقاومة مهما كانت موازين القوى المختلّة حاليا لفائدة قوى الظلم والعدوان… فذلك هو الدرس البليغ الذي تلقّنه لنا المقاومة الفلسطينية اليوم التي تحركت رغم شراسة الكيان الغاصب وشركائه ورغم تواطؤ أنظمة «التطبيع» الخائنة…قاوموا بحناجركم وأيديكم واملأوا الشوارع والسّاحات وقاطعوا كيان الميز العنصري وحاصروا داعِميه من حكامكم وأنظمتكم، قوموا بذلك بسرعة وبصرامة فإنّكم ستوقفون بذلك حرب الإبادة التي يتعرض لها شعب فلسطين العظيم وتنتصرون إلى الحق …
”إنّ حرّيتنا لن تكتمل دون حرّية الشعب الفلسطيني” – نلسون مانديلا.
تونس في 15 أكتوبر 2023-ذكرى عيد جلاء آخر جندي فرنسي من تونس( 15 أكتوبر 1963).
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 17 اكتوبر 2023