الشارع المغاربي-منير الفلاح: يعرض في القاعات التّونسيّة بداية من 20 سبتمبر الجاري الفيلم التونسي “بنات ألفة” لكوثر بن هنيّة، وهو أوّل شريط طويل تونسي شارك في المسابقة الرّسميّة لمهرجان كان السّينمائي منذ 50 سنة.
والفيلم من بطولة كلّ من هند صبري، نور القروي، إشراق مطر، مجد مستورة، ألفة حمروني، آية شيخاوي وتيسير شيخاوي.
وتمّ اختيار “بنات ألفة” لتمثيل تونس في مسابقة الأوسكار 2024 في صنفي أفضل فيلم دولي وأفضل فيلم وثائقي.
ويقدم الناقد سعد المسعودي فيلم ” بنات ألفة ” قائلا: “ألفة سيدة تونسية لها من البنات 4 اشتهرت قصتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع موسم هجرة الشباب الذي التحق بالدواعش في سوريا والعراق، كانت حياة الفتيات الأربع حياة عادية وهنّ يعشن رغم حالة الفقر لكنهن سعيدات مع والدتهن ومن هذا الفقر دائما يدخل التطرف بكل مسميات فوقعت ابنتيها رحمة وغفران في قبضة التطرف وهنا أصبحت الأجواء العائلية كارثية وغابت الضحكات واللعب البريء وأصبح الهم الشاغل للأم كيف تستطيع تخليص بناتها من أنياب التطرف وإعادة الألفة إلى عائلتها، فكانت تتحدث بصوت عال عبر المحطات الفضائية وكانت صرخاتها أشبه بناقوس الخطر الذي يهدد جيل الشباب الباحث عن مخرج لأزمة بلاده السياسية.
رحبت الأم في بادئ الأمر بارتداء بناتها النقاب ولم تعارض كثيرا واعتبرت أن التحولات السريعة في تونس وتغيير المزاج العام في الشارع التونسي بسبب التغييرات والتطورات السياسية في تونس تستدعي الحذر والابتعاد عن مراكز التوتر في المدن التونسية، ولم تغب المواقف الكوميدية للممثلات الست في الفيلم بمن فيهن والدة المخرجة الحقيقية، وكانت ضحكات الجمهور في بعض مشاهد الفيلم رغم الوجع العائلي في الفيلم”.
بنات ألفة قصة داخل قصة عرضتها المخرجة بن هنيّة وكشفت معاناة الأم مع الإرهاب واستطاعت أن تشرك المشاهد بخوض تجربتها التي باتت تهدد جيلا بأكمله، وبات حاجز الكاميرا مختفيا بين المتلقي ومخرجة الفيلم وأصبحنا نعيش في خندق واحد والعمل مع الأم لتخليص فلذات أكبادها من خطر التطرف.
ويذكر أن مخرجة الفيلم كوثر بن هنية أوضحت كوثر بن هنية في حوارها مع موقع “فارايتي”: “كان هناك اهتمام إعلامي بهذه القصة والعديد من القصص المماثلة، وسمعت الأم تجري مقابلة عبر الراديو، والطريقة التي كانت تتحدث بها كانت رائعة بالنسبة لي”.
وأضافت: “قلت نفسي إنها يمكن أن تكون شخصية سينمائية حقًا لأنها كانت مليئة بالعيوب والتناقضات، اعتقدت أن كل هذه العناصر يمكن أن تصنع قصة رائعة، وكانت قصة ابنتها بمثابة لغز لنا جميعًا. لذلك أعتقد أن رغبتي الأولى كانت أن أفهم لماذا”.
وعن المزج ما بين الأسلوب الروائي والتسجيلي في الفيلم، قالت المخرجة كوثر بن هنية: “قمت بتصوير فيلم وثائقي عام 2016 مع الأم وابنتيها الصغيرين في منزلهم، لكن الأمر لم يكن رائعًا لأن الأمر الأكثر إثارة بالنسبة لي هو ما حدث بالفعل في الماضي، لذلك أوقفت كل شيء وقلت لنفسي دعونا نضع هذه القصة جانبًا حتى أجد طريقة ممتعة لروايتها”.
وتذهب الناقدة هويدا حمدي ان حكايات “ألفة” وبناتها تضم تناقضات بشريةً كثيرةً أدهشت النجمة هند صبري، فكانت تقلّدها أحياناً، وفي أحيان أخرى تنظر إليها بدهشة، تتأملها بعفوية صادقة، وتتأمل البنات اللواتي اندمجن مع الحكايات وتوحّدن معها، وتحولاتهن من الشيء إلى نقيضه. وما بين ضحكاتهن الجميلة واعترافاتهن الموجعة، ودموعهن الصادقة، خاصةً حين يأتي ذكر أختيهما الغائبتين، كان السرد طويلاً. ربما كان التمهيد المقصود من المخرجة ضرورياً وأساسياً، للغوص في بحر “ألفة” العميق، وكشف جذورها. لكن التمادي في الثرثرة أضاع الهدف والمعنى، وأدى إلى تسرب المشاهدين من القاعة بعد شعورهم بملل من الإسهاب في السرد، وربما فاتهم الجزء المهم، ولم يصلوا معنا إلى نهاية طريق سلكته الأم مختارةً أو مجبرةً، فالنتيجة واحدة وهي ضياع البنات، واستسلامهن لفكر مسموم، هرباً من حياة بائسة بقسوة الأم وعنفها، أو كما تقول “ألفة”: لقد أكلهم الذئب!
لكن لدى كوثر بن هنية تفسيراً أو تسويغاً للسرد الطويل جداً. تقول: “الفيلم كان بمثابة مختبر علاجي، أردت كشف طريقة انتقال العنف من الأم إلى الابنة، والذي لا يقتصر على المجتمع التونسي فقط”.
هذا الفيلم، كما الحياة، يحتاج إلى إعادة مونتاج للجذور ذات المنبت الشيطاني التي لا تحاصر الأم التونسية العنيدة وحدها، لكنها تحاصرنا جميعاً.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 19 سبتمبر 2023