الشارع المغاربي – واجه نفوذ الجيش وكان أصغر وزير خارجية بالعالم: بوتفليقة "الرئيس العازب" شارك في ثورة التحرير وغادر الحكم من الباب الصغير

واجه نفوذ الجيش وكان أصغر وزير خارجية بالعالم: بوتفليقة “الرئيس العازب” شارك في ثورة التحرير وغادر الحكم من الباب الصغير

قسم الأخبار

18 سبتمبر، 2021

الشارع المغاربي-وكالات: اعلن يوم امس الجمعة 17 سبتمبر2021 في الجزائر عن وفاة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عن عمر يناهز 84 عام وبعد عامين من نهاية حكمه اثر انتفاضة شعبية اطاحت به في شهر افريل من سنة 2019.

غادر بوتفليقة الحكم من الباب الصغير ولكنه ترك وراءه سجلا حافلا ومسيرة سياسية ذات طابع خاص . على مستوى شخصي عُرف بوتفليقة بـ”الرئيس العازب” وان تتضارب الاخبار بخصوص زواجه من سيدة غير معروفة في الاوساط السياسية والاعلامية فان المؤكد ان بوتفليقة لم ينجب ابناء ولم تظهر معه قط ” سيدة اولى” .

ومنذ مغادرته الحكم اثر “حراك 22 فيفري” اقام بوتفليقة رفقة افراد من عائلته باقامة رئاسية غرب العاصمة الجزائرية.

وكان الراحل يعاني من اثار جلطة دماغية تعرض لها سنة 2013 وافقدته القدرة على الحركة والكلام. وبعد مغادرته الحكم في افريل 2019 انهار نظامه تحت وطاة حملة طالت اهم اركان حكمه بتهم فساد وتم سجن العشرات من الوزراء وكبار المسؤولين المقربين منه.

ولئن راجت معلومات عن طلب بوتفليقة للادلاء بشهادته في قضايا فساد مسؤولين في عهده فان القضاء لم يستدعه رسميا.

ولم تكن رئاسة الجزائر أولى مهام عمل الفقيد السياسى والعام، فقد كان بوتفليقة أصغر وزير خارجية سنا في العالم حين تولى المنصب بعد وفاة محمد خميستي، أول وزير خارجية للجزائر عقب الاستقلال عام 1963.

سنة 2012 حطم بوتفليقة لقب اكثر رؤساء البلاد مكوثا في الحكم بعد ان سبق له ان نال لقب اصغر وزير في الجزائر المستقلة لكنه دخل التاريخ ايضا كاول حاكم للبلاد يسقطه حراك الشارع.

وكان بوتفليقة قد نجح خلال سنوات حكمه في تخطي عدة هزات سياسية في بلد خرج لتوه من ازمة امنية خطيرة خلفت عشرات الالاف من الضحايا والمشردين والمفقودين لكن انتفاضة الشارع اسقطته في النهاية.

ويقول مراقبون إن الرجل الذي رفض مزاحمته في صلاحياته من قبل المؤسسة العسكرية لدى وصوله للحكم بعبارة “لا أحب أن أكون ثلاثة أرباع رئيس” وتمنى رئاسة بصلاحيات مطلقة مدى الحياة أسقطته في النهاية انتفاضة شعبية غير مسبوقة في تاريخ البلاد دعمتها المؤسسة العسكرية.

ويقول معارضوه ان صلاحيات الرجل الذي قاوم المرض طيلة 6 سنوات وهو متمسك بالحكم استولت عليها “قوى غير دستورية” تتمثل في أشقائه ومسؤولين في المحيط الرئاسي بشكل جعل البلاد تغرق في الفساد .

وولد الرئيس الراحل يوم 2 مارس 1937 بمدينة “وجدة” على الحدود ويعد من الساسة الجزائريين الذين عايشوا أغلب فترات الحكم منذ استقلال البلاد عام 1962.

والتحق بوتفليقة بصفوف ثورة التحرير ضد فرنسا عام 1956 في سن التاسعة عشر من عمره وكلف بجبهة مالي في أقصى الحدود الجنوبية للجزائر من أجل حشد دعم القبائل حول الثورة ومطلب الاستقلال وهو ما نجح فيه وأصبحت تطلق عليه تسمية “عبد القادر المالي” نسبة لدولة مالي المجاورة جنوبا والتي كان يقود منها نشاطه.

وشغل الرجل الذي قاد الجزائر منذ 1999 لأربع ولايات متتالية منصب وزير الشباب والرياضة في أول حكومة بعد الاستقلال وهو في سن 25 سنة قبل أن يصبح الرجل الثاني في نظام حكم الرئيس الراحل هواري بومدين (1965 -1979) بصفته وزيرا للخارجية في فترة شهدت بزوغ نجم الجزائر في الساحة الدولية كمدافع عن قضايا التحرر وعن نظام اقتصادي عالمي جديد ينصف دول العالم الثالث.

وتلقى نكسة سياسية بعد وفاة الراحل هواري بومدين إذ كان من أهم المرشحين لخلافته لكن مؤسسة الجيش وقفت ضد طموحه ونصبت الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد رئيسا للدولة.

وكانت هذه المحطة منعرجا في حياته السياسية إذ غادر البلاد عام 1980 وكانت وجهته الخليج العربي حيث شغل منصب مستشار لحاكم الإمارات العربية المتحدة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان .

وفي نهاية ثمانينات القرن الماضي حاول العودة إلى الساحة السياسية من بوابة حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم لكن دخول البلاد في ازمة سياسية وأمنية بعد صدام بين الإسلاميين والنظام جعله يغادرها مطلع التسعينات.

واشارت السيرة الرسمية لبوتفليقة والمنشورة سابقا على الموقع الرسمي للرئاسة الى أنه “رفض منصب وزير-مستشار لدى المجلس الأعلى للدولة وهو هيئة رئاسية انتقالية تم وضعها من 1992 إلى 1994 ثم منصب ممثل دائم للجزائر بالأمم المتحدة” والى انه “رفض سنة 1994 منصب رئيس الدولة في إطار آليات المرحلة الانتقالية” وهي فترة كانت تعيش فيها البلاد فراغا دستوريا بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف عام 1992 بعد أشهر من توليه الحكم.

وأكد سياسيون جزائريون في مذكراتهم أن بوتفليقة المعروف بـ”حنكته السياسية ” رفض تولي الرئاسة التي اقترحتها عليه مؤسسة الجيش بعد “رفض شروط عرضها للحصول على صلاحيات في تسيير الأزمة السياسية”.

وعام 1998 عاد بوتفليقة كمرشح للسلطة الحاكمة لرئاسة البلاد كخليفة لليامين زروال الذي قرر الاستقالة ليعتلي الحكم شهر افريل 1999 في انتخابات انسحب منها ستة من منافسيه واتهموا السلطة الحاكمة “بتزويرها لصالح المرشح عبد العزيز بوتفليقة”.

لكن بوتفليقة رفض تلك الاتهامات وقال ان “انسحاب منافسيه مناورة سياسية فقط لا تستند إلى دلائل ملموسة حول التزوير”.

ونجا بوتفليقة بأعجوبة من محاولة اغتيال نفذها انتحاري من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الارهابي استهدفت موكبه في 6 سبتمبر 2007 في “باتنة” جنوب شرقي الجزائر وذلك بعدما اكتشف أمره واستعجاله تفجير حزامه قبل وصول الرئيس.

وتعرض بوتفليقة في 27 أبريل 2013 لجلطة دماغية سميت رسميا “نوبة إقفارية عابرة” نقل على إثرها للعلاج بفرنسا .وهي الوعكة الصحية الثانية التي ألمت به في فترة حكمه بعد تلك التي أدخلته المستشفى الباريسي عام 2005 إثر إصابته بـ “قرحة معدية” لينجو بأعجوبة من الموت مثلما صرح هو شخصيا.

وبعد عودته الى الجزائر في جويلية من سنة 2013 مارس بوتفليقة مهامه في شكل قرارات ورسائل ولقاءات مع كبار المسؤولين في الدولة وضيوف أجانب يبثها التلفزيون الرسمي دون الظهور في نشاط ميداني يتطلب جهدًا بدنيًا بحكم أنه كان يتنقل على كرسي متحرك.

وصمد بوتفليقة امام دعوات وحتى احتجاجات من المعارضة تدعوه لترك الحكم بسبب وضعه الصحي الصعب وترشح في افريل 2014 لولاية رابعة فاز فيها بأصوات 82 بالمائة من الناخبين رغم طعن بعض منافسيه في الاقتراع بدعوى وجود تزوير.

ويختصر وزير الخارجية الجزائري الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي والذي عمل مع بوتفليقة في فترة السبعينات مرحلة حكم الأخير في جملة واحدة “لا ينكر أحد أن البلاد عرفت في عهده إنجازات في البنى التحتية والمنشآت لكنها في المقابل عرفت انهيارا كبيرا في الأخلاق والممارسة السياسية” في إشارة إلى انتشار الفساد وتمييع الساحة السياسية.

أما الرئيس الفرنسي جاك شيراك (1995 -2005) فيصف بوتفليقة في مذكراته الصادرة عام 2011 بأنه “شخص ظريف وذكي وواقعي أيضا والجزائر نادرا ما عرفت مسيّرا متفتحا ولديه كل هذه الرغبة من أجل خدمة بلاده مثله”.

وأطلق بوتفليقة مع وصوله الى الحكم أهم مشروعين الأول للمصالحة الوطنية لحل أزمة أمنية وسياسية عاشتها البلاد خلال التسعينات وكان وراء نزول آلاف المسلحين من الجبال والثاني هو إعادة البلاد التي كانت محاصرة بسبب الأزمة إلى الساحة الدولية.

وردّ الرئيس على انتقادات طالت فترة حكمه في تصريحات عام 2012 بالقول: “التاريخ والشعب الجزائري وحدهما سيحكمان على الجهود التي بذلت لعودة السلم الاجتماعي والنمو الاقتصادي وعودة الجزائر إلى مكانتها الطبيعية بين الأمم”.

ويقول مراقبون إن بوتفليقة الذي قال مع وصوله الحكم العام 1999 أنه يرفض أن يكون “ثلاثة أرباع رئيس” بسبب نفوذ المؤسسة العسكرية في الحكم تمكن من بسط سلطته الكاملة على مؤسسات الحكم بإبعاد اغلب الجنرالات النافذين في البلاد.

ومنذ عام 2013 قام الرئيس السابق بحملة تغييرات طالت المؤسسة العسكرية ومؤسسة المخابرات الواسعة النفوذ بالدرجة الأولى انتهت عام 2015 بإبعاد قائدها السابق الفريق محمد مدين المدعو توفيق والذي قضى 25 سنة في المنصب وكان يسمى “صانع الرؤساء” لنفوذه الكبير خلال السنوات الماضية. كما تم حل هذا السلك الأمني وإلحاق فروعه بالرئاسة.

لكن مساعي بوتفليقة للسيطرة على مؤسسة الجيش منذ وصوله الحكم عام 1999 أظهرت فشلها في نهاية المطاف بعد أن اصطفت القيادة العسكرية في صف الحراك الشعبي المطالب برحيله.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING