الشارع المغاربي: قُبيل مغادرته تونس نهائيّا، أهدى الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش التونسيّين هذه الكلمات: “كيف نشفى من حبّ تونس؟! كيف نشفى من حبّ تونس الذي يجري فينا مجرى النفس.. لقد رأينا في تونس من الألفة والحنان والسند السمح ما لم نر في أيّ مكان آخر.. لذلك نخرج منها كما لم نخرج من أيّ مكان آخر”… هذه كلمات خالدة لأعظم شاعر عربي معاصر، فسّر بها لا فقط حبّه لتونس، بل أيضا عشق التونسيّين لفلسطين. وهو حبّ سطّره تونسيّون كثر بأشكال عديدة. فخلال شهر ماي الماضي رُفع العلم التونسي في كافّة مدارس قطاع غزة إلى جانب علم فلسطين تقديرا لتضامن الشعب التونسي مع نظيره الفلسطيني. جاء ذلك في فترة راج خلالها أنّ القرصان المعلوماتي أو “الهاكر” التونسي الملقّب B13 تمكّن من قرصنة عشرات المواقع الإلكترونية الإسرائيلية الحيويّة والأمنيّة، واخترق في مقدّمتها النظام الدفاعي الجوّي الإسرائيلي أو ما يُسمّى بـ”القبّة الحديديّة” المعتمدة على الأقمار الصناعيّة، رغم ترديد الصهاينة وحلفاؤهم الأمريكان طويلا أنّ تلك المنظومة تحظى بأعلى درجات الأمن السيبراني وأنّها عصيّة عن الاختراق.
هذه المعطيات لم تنشرها طبعا وسائل الإعلام التقليديّة ولم يتمّ تأكيدها رسميّا، بل راجت بالأساس في الشبكات الاجتماعيّة وخاصّة “تيك توك” و”يوتيوب”. فقد روّجت تلك الشبكات أنّ B13، وهو شابّ تونسي لا أحد يعرف هويّته، يُعدُّ أوّل “هاكر” في العالم ينجح في اختراق قمر صناعي عسكري وفكّ شفراته ومدّها للمقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، وفق ما يُروّج، ممّا أدّى إلى تعطيل نظام الإنذار الإسرائيلي الذي تُتيحه القبّة الحديديّة أمام بعض الصواريخ القادمة من غزّة. والمعلوم أنّ القبّة الحديديّة هي منظومة دفاع جوي بالصواريخ أنجزتها شركة “رفائيل” الإسرائيليّة بالتعاون مع الجيش الأمريكي.
وقد سبق للمنظومة المعلوماتية لشركة “ميتا” الباعثة لـ”فيسبوك” و”انستغرام” أن تعرّضت للاختراق، مما تسبّب في تعطيل مختلف تطبيقاتها لعدّة ساعات في كافّة أنحاء العالم. وراج آنذاك أيضا أنّ ذلك العطل يعود إلى هجمات إلكترونية عاصفة انطلقت تحديدا من مدينة تونس، وأنّ منفّذ هذا الاختراق هو كذلك “الهاكر” التونسي B13، باعتبار أنّ شبكة “فيسبوك” تُعتبر من اعتى آليات الدعاية المتعاونة مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي. وإن كان الأمر صحيحا فإنّ لهذا “الهاكر” كلّ الحقّ في الصمت والاختفاء لأنّ اكتشاف أمره يعني التخلّص منه بأيّة وسيلة كانت، مثل عمليّة اغتيال الموساد للمهندس التونسي محمد الزواري أمام بيته في مدينة صفاقس. وعلى الأرجح أنّ هناك تحقيقات مكثّفة حتّى في تونس نفسها من أجل التوصّل إلى مدى حقيقة ما يُروّج هنا وهناك في الشبكات الاجتماعيّة بشأن B13.
ولا يخفى أنّه سبق لمجموعة “هاكرز” تونسيّين، تدعى “الفلاڤة”، أن أعلنوا مشاركتهم في هجمات إلكترونيّة ضد مواقع إسرائيلية دقيقة، وذلك ضمن مجموعة “الهاكرز” العالمية المعروفة باسم “أنونيموس”.
وباعتبار أنّ تونس تزخر بمئات الكفاءات الشبابيّة في مجال تطوير المنظومات المعلوماتيّة الدقيقة، ممّا جعل كبرى الشركات الأوروبيّة والألمانيّة بالخصوص تعوّل على استقطابهم للعمل لديها، فإنّه ليس مستبعدا أن يكون “الهاكر” B13 حقيقة لا مجرّ وهم، لكنّ الإبقاء على صموده أمام تحقيقات عملاء النظام الصهيوني وأذنابه توجب عليه الامتناع عن تسريب معلومات خطيرة قد تُمهّد الطريق إليه. فمن المؤكّد أنّ أجهزة مخابرات أعتى الأنظمة الهمجيّة من تل أبيب إلى واشنطن لن تتردّد لحظة واحدة في إجراء سباقات دؤوبة لتحديد هويّة كلّ من يجرؤ على تهديد مصالحها. ومن ثمّة تأتي مبرّرات إطلاق كنية “الشبح الصامت” على “الهاكر” التونسي B13 لتمتزج الحقيقة بما تحتاجه من خيال…
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 4 جويلية 2023