الشارع المغاربي – الغنوشي‭ ‬والونيسي‭ ‬أو‭ ‬جدلية‭ ‬‮ "‬العاقل‭ ‬والسفيه"‮‬‭...‬ /بقلم: أنس الشابي

الغنوشي‭ ‬والونيسي‭ ‬أو‭ ‬جدلية‭ ‬‮ “‬العاقل‭ ‬والسفيه”‮‬‭…‬ /بقلم: أنس الشابي

قسم الأخبار

16 يونيو، 2023

الشارع المغاربي: احتفالا‭ ‬بذكرى‭ ‬تأسيس‭ ‬حركته‭ ‬وجّه‭ ‬الغنوشي‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬سجنه‭ ‬في‭ ‬المرناقية‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬أنصاره‭ ‬يحثّهم‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬حكم‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬الذي‭ ‬دأب‭ ‬على‭ ‬وصفه‭ ‬بالانقلاب،‭ ‬واللافت‭ ‬للانتباه‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المكتوب‭ ‬البيان‭ ‬روّج‭ ‬لجملة‭ ‬من‭ ‬المغالطات‭ ‬التاريخيّة‭ ‬والسياسيّة‭ ‬التي‭ ‬سنأتي‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

1) ‬ادّعى‭ ‬الغنوشي‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬سمّاهم‭ ‬شهداء‭ ‬حركته‭ ‬دافعوا‭ ‬دفاعا‭ “‬مستميتا‭ ‬عن‭ ‬استقلال‭ ‬تونس‭ ‬وعزتها‭” ‬وهو‭ ‬كلام‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الصحة‭ ‬لأن‭ “‬شهداء‭ ‬حركته‭” ‬ليسوا‭ ‬إلا‭ ‬مجاميع‭ ‬من‭ ‬المجرمين‭ ‬رشّوا‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬المسالمين‭ ‬بماء‭ ‬الفرق‭ ‬وأحرقوا‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬وهم‭ ‬أحياء‭. ‬أمّا‭ ‬القول‭ ‬بأنهم‭ ‬استماتوا‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬استقلال‭ ‬تونس‭ ‬وعزّتها‭ ‬فقول‭ ‬مكذوب‭ ‬لأن‭ ‬حركته‭ ‬تأسّست‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحقّق‭ ‬الاستقلال‭ ‬بما‭ ‬يقارب‭ ‬15‭ ‬سنة‭. ‬هذا‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬لمّا‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬لأسباب‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬إرادة‭ ‬الوطنيّين‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أمينة‭ ‬على‭ ‬استقلال‭ ‬البلاد‭ ‬فلم‭ ‬تحافظ‭ ‬عليه‭ ‬إذ‭ ‬جرّت‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬أحلاف‭ ‬دوليّة‭ ‬أدّت‭ ‬إلى‭ ‬تصنيفها‭ ‬دولة‭ ‬راعية‭ ‬للإرهاب‭ ‬وصاحبة‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الدول‭ ‬المصدّرة‭ ‬للإرهابيين‭. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تدمير‭ ‬النسيج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لفائدة‭ ‬النظام‭ ‬التركي‭ ‬الذي‭ ‬يرعى‭ ‬التنظيم‭ ‬الدولي‭ ‬للإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جرّ‭ ‬إلى‭ ‬الإفلاس‭ ‬غير‭ ‬المعلن‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬الوطن‭ ‬بجانب‭ ‬الهوان‭ ‬وضياع‭ ‬القيمة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬القريبة‭ ‬والبعيدة‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬سواء‭.‬

2)‬القول‭ ‬بأن‭ ‬جماعته‭ “‬انتصروا‭ ‬لقيم‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬ومبادئ‭ ‬ثورة‭ ‬17‭ ‬ديسمبر‭  – ‬14‭ ‬جانفي‭ ‬2011‭” ‬يحمل‭ ‬مغالطات‭ ‬عدّة‭ ‬تفصيلها‭ ‬كما‭ ‬يلي‭:‬

أ‭- ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬حركته‭ ‬تنتصر‭ ‬لقيم‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬تكذّبه‭ ‬الوقائع‭ ‬وينفيه‭ ‬تاريخها‭ ‬فالحركة‭ ‬لدينا‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬وأبدا‭ ‬تابعة‭ ‬للسلطة‭. ‬ففي‭ ‬الخميس‭ ‬الأسود‭ ‬يذكر‭ ‬الجميع‭ ‬الموقف‭ ‬المخزي‭ ‬الذي‭ ‬ساندت‭ ‬فيه‭ ‬هجمة‭ ‬السلطة‭ ‬على‭ ‬اتحاد‭ ‬الشغل‭ ‬حيث‭ ‬دفعت‭ ‬بأنصارها‭ ‬إلى‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬التيجاني‭ ‬عبيد‭ ‬وشاركت‭ ‬في‭ ‬قيادته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ترشيح‭ ‬أحد‭ ‬رموزها‭ ‬وهو‭ ‬المرحوم‭ ‬مبروك‭ ‬الزرن‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬لي‭ ‬معه‭ ‬بعض‭ ‬المناقشات‭ ‬أيامها‭ ‬لاشتراكنا‭ ‬في‭ ‬تدريس‭ ‬مادة‭ ‬واحدة‭ ‬وانخراطنا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬النقابة‭. ‬لم‭ ‬تنتصر‭ ‬الحركة‭ ‬طوال‭ ‬تاريخها‭ ‬إلا‭ ‬لِما‭ ‬يُمكّنها‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬المواقع‭ ‬ويُخفّف‭ ‬من‭ ‬شناعة‭ ‬جرائمها‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬الحرية‭ ‬أو‭ ‬الديمقراطيّة‭ ‬من‭ ‬أولوياتها‭. ‬ففي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬إشراقاته‭ ‬الفاضحة‭ ‬قال‭ ‬الغنوشي‭: “‬الاستبداد‭ ‬بخلفيّة‭ ‬إسلاميّة‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أقل‭ ‬وطأة‭ ‬من‭ ‬الاستبداد‭ ‬بخلفيّة‭ ‬علمانيّة‭”(‬1‭) ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬الأساسيّة‭ ‬لديه‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬الاستبداد‭ ‬العلماني‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الاستبداد‭ ‬مطلقا‭.‬

ب‭- ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬ثورة‭ ‬بين‭ ‬17‭ ‬ديسمبر‭ ‬و14‭ ‬جانفي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬محلّ‭ ‬اتفاق‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬جُلبت‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬لحكم‭ ‬البلاد‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭. ‬فقيس‭ ‬سعيد‭ ‬ألغى‭ ‬التاريخ‭ ‬الأوّل‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬الثاني‭ ‬التفاف‭ ‬على‭ ‬الثورة‭ ‬وخيانة‭ ‬لها‭. ‬هذا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الرسمي‭ ‬أما‭ ‬شعبيّا‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ “‬الثورة‭” ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬البغيضة‭ ‬للتونسي‭ ‬لاقترانها‭ ‬باغتيالات‭ ‬طالت‭ ‬جنودنا‭ ‬وأمنيينا‭ ‬ومواطنينا‭ ‬العزل‭ ‬الذين‭ ‬ذبح‭ ‬بعضهم‭ ‬وبانتشار‭ ‬الإرهاب‭ ‬وبتسفير‭ ‬شبابنا‭ ‬إلى‭ ‬بؤر‭ ‬التوتروباستهداف‭ ‬الدولة‭ ‬وبإضعاف‭ ‬المؤسّسات‭ ‬الأمنية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأجهزة‭ ‬المناط‭ ‬بعهدتها‭ ‬حماية‭ ‬الوطن‭ ‬ممّا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتهدّده‭ ‬من‭ ‬مخاطر،‭ ‬وإن‭ ‬نسي‭ ‬التونسي‭ ‬فإنه‭ ‬لن‭ ‬ينسى‭ ‬ملحمة‭ ‬بن‭ ‬قردان‭ ‬التي‭ ‬ألقي‭ ‬فيها‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬قياديي‭ ‬النهضة‭ ‬وفي‭ ‬يده‭ ‬هاتف‭ ‬خلوي‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬الثريا،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المذكور‭ ‬أعلاه‭ ‬إلا‭ ‬هجمة‭ ‬جاهلية‭ ‬جهلاء‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وشعبنا‭ ‬اليوم‭ ‬بصدد‭ ‬التعافي‭ ‬من‭ ‬مخلفاتها‭ ‬ولا‭ ‬أدلّ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬رموزها‭ ‬اختفوا‭ ‬عن‭ ‬الساحة‭ ‬فبعضهم‭ ‬في‭ ‬السجون‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬فرّ‭ ‬بما‭ ‬نهب‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬وقسم‭ ‬منهم‭ ‬اختار‭ ‬التخفي‭ ‬داخل‭ ‬السلطة‭ ‬القائمة‭ ‬فتارة‭ ‬تجده‭ ‬في‭ ‬النهضة‭ ‬وأخرى‭ ‬في‭ ‬النداء‭ ‬وثالثة‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬الشاهد‭ ‬ورابعة‭ ‬في‭ ‬حزب‭ “‬المقرونة‭” ‬وخامسة‭ ‬في‭ “‬الشعب‭ ‬يريد‭”… ‬والذي‭ ‬نخلص‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬المؤشرات‭ ‬التي‭ ‬تدلّ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬قوس‭ “‬الثورة‭”‬وعشرية‭ ‬الدمار‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬سيُغلق‭ ‬حتما‭ ‬وقريبا‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭. ‬

3) ‬توجّه‭ ‬الغنوشي‭ ‬في‭ ‬بيانه‭ ‬بـــــ‭: “‬خالص‭ ‬التحيّة‭ ‬والتقدير‭ ‬لجميع‭ ‬شركائنا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭”. ‬والذي‭ ‬يعلمه‭ ‬كلّ‭ ‬متابع‭ ‬لهذه‭ ‬الحركة‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تؤمن‭ ‬بالوطن‭ ‬أي‭ ‬بقطعة‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬عليها‭ ‬مجموعة‭ ‬بشرية‭ ‬وحّد‭ ‬بينها‭ ‬التاريخ‭ ‬وأمال‭ ‬المستقبل‭ ‬بل‭ ‬تؤمن‭ ‬بالأمة‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬التي‭ ‬تتّسع‭ ‬حدودها‭ ‬كلّما‭ ‬اتسعت‭ ‬رقعة‭ ‬الإيمان‭ ‬بالإسلام‭ ‬وتضيق‭ ‬بضيقه‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تتكوّن‭ ‬فيها‭ ‬مشاعر‭ ‬الوطنيّة‭ ‬والانتماء،‭ ‬وممّا‭ ‬يعلمه‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬لا‭ ‬تنشد‭ ‬النشيد‭ ‬الوطني‭ ‬حماة‭ ‬الحمى‭ ‬في‭ ‬اجتماعاتها‭ ‬بل‭ ‬تنشد‭ ‬الأمميّة‭ ‬الإسلامية‭ “‬في‭ ‬حماك‭ ‬ربّنا‭***‬في‭ ‬سبل‭ ‬ديننا‭” ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يترجم‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬العداء‭ ‬الذي‭ ‬يكنّه‭ ‬الغنوشي‭ ‬وحركته‭ ‬للوطن،‭ ‬ففي‭ ‬كتابه‭ ‬عن‭ ‬الحريات‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬قال‭: “‬إن‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلاميّة‭… ‬أن‭ ‬تجتهد‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭… ‬ورشة‭ ‬عمل‭ ‬وفضاء‭ ‬مفتوحا‭ ‬للكفاءات‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أتت‭… ‬وأن‭ ‬تستعين‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬أجهزة‭ ‬الحكم‭ ‬ولو‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬سلم‭ ‬التوظيف‭ ‬بالكفاءات‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الجنسيّة‭… ‬ونحسب‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬الدستور‭ ‬الإيراني‭ ‬بهذا‭ ‬الصدد‭ ‬تشدّدا‭ ‬في‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬إيرانيّة‭ ‬الدولة‭ ‬وكذا‭ ‬في‭ ‬ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬لثورة‭ ‬الإنقاذ‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬من‭ ‬وثائق‭ ‬دستوريّة‭ ‬طافحة‭ ‬بشعور‭ ‬حاد‭ ‬من‭ ‬العزّة‭ ‬الوطنيّة‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬يشهد‭ ‬تليينا‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬المهمّ‭ ‬جدا‭ ‬منح‭ ‬حقّ‭ ‬العضويّة‭ ‬الكاملة‭ ‬لشخصيّات‭ ‬إسلاميّة‭ ‬ذات‭ ‬كفاءة‭ ‬متميّزة‭ ‬أو‭ ‬مآثر‭ ‬عظمى‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الأمّة‭ ‬كسرا‭ ‬لحواجز‭ ‬الجنسيّة‭ ‬وتبشيرا‭ ‬بدولة‭ ‬الإسلام‭ ‬العالمي‭”(‬2‭)‬،‭ ‬بعد‭ ‬كلّ‭ ‬هذا‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نصدّق‭ ‬إخوانيّا‭ ‬لمّا‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬أو‭ ‬يدّعي‭ ‬الوطنيّة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬الغنوشي‭ ‬في‭ ‬رسالته؟‭.‬

4) ‬أمّا‭ ‬عن‭ “‬تعزيز‭ ‬استقرار‭ ‬الوطن،‭ ‬ودعم‭ ‬أواصر‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنيّة،‭ ‬وترسيخ‭ ‬مبادئ‭ ‬المصالحة‭ ‬الوطنيّة‭ ‬الشاملة‭ ‬المنشودة‭” ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬الغنوشي‭ ‬فحدّث‭ ‬ولا‭ ‬حرج،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬بلادنا‭ ‬انقساما‭ ‬إلا‭ ‬بظهور‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬التي‭ ‬قسّمت‭ ‬المواطنين‭ ‬إلى‭ ‬مؤمنين‭ ‬وكفار‭ ‬واستئصاليين‭ ‬ودعاة‭ ‬توافق‭ ‬وذكور‭ ‬وإناث‭ ‬وأزلام‭ ‬وثوار‭ ‬ومتحجّبات‭ ‬وسافراتومجرمين‭ ‬تعوّض‭ ‬لهم‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬مرتبات‭ ‬المواطنين‭ ‬لِما‭ ‬ارتكبوا‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الوطن‭ ‬وأبنائه،‭ ‬بحيث‭ ‬شرذمت‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬الوطن‭ ‬فمن‭ ‬جهة‭ ‬تقف‭ ‬هي‭ ‬وأتباعها‭ ‬وقد‭ ‬اقتسموا‭ ‬بينهم‭ ‬الوطن‭ ‬غنيمة‭ ‬وفي‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة‭ ‬يقف‭ ‬معارضوهم‭ ‬وباقي‭ ‬الشعب‭ ‬الغلبان،‭ ‬ترى‭ ‬أيّ‭ ‬استقرار‭ ‬وأيّ‭ ‬وحدة‭ ‬وأيّ‭ ‬مصالحة‭ ‬عرفناها‭ ‬طوال‭ ‬العشرية‭ ‬الماضية؟‭.‬

5) ‬أما‭ ‬دعوة‭ ‬المنتسبين‭ ‬للحركة‭ ‬بـــ‭: “‬التزام‭ ‬الصبر‭ ‬والهدوء‭ ‬والحكمة‭” ‬فلأن‭ ‬الغنوشي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ضعف‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬حقّه‭ ‬بطاقة‭ ‬إيداع‭ ‬تخصّ‭ ‬الجهاز‭ ‬السري‭ ‬وهو‭ ‬الملف‭ ‬الذي‭ ‬سيكشف‭ ‬حقيقة‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبته‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬صالح‭ ‬الوطن‭ ‬كامتداد‭ ‬لتنظيم‭ ‬دولي‭ ‬كلّف‭ ‬بخدمة‭ ‬أجندات‭ ‬أجنبيّة‭ ‬لا‭ ‬مصلحة‭ ‬لتونس‭ ‬في‭ ‬الانخراط‭ ‬فيها‭.‬

في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬نشرت‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬يتمّ‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬تعيين‭ ‬منذر‭ ‬الونيسي‭ ‬نائبالرئيس‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬مكلفا‭ ‬بتسيير‭ ‬شؤونها،‭ ‬وهو‭ ‬أسلوب‭ ‬اعتمده‭ ‬الغنوشي‭ ‬سابقا‭ ‬في‭ ‬تعيين‭ ‬غيره‭ ‬كلّما‭ ‬حدث‭ ‬له‭ ‬مانع،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬التعيين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرّة‭ ‬كان‭ ‬مصحوبا‭ ‬بخطاب‭ ‬يخالف‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الرسالة‭ ‬حيث‭ ‬ظهر‭ ‬الونيسي‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬داعيا‭ ‬إلى‭ ‬الصلح‭ ‬ومقرّا‭ ‬بأن‭ ‬حركته‭ ‬وقيس‭ ‬سعيد‭ ‬ينتميان‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬الفضاء‭ ‬وأن‭ ‬الخلاف‭ ‬بينهما‭ ‬طارئ‭ ‬بفعل‭ ‬فاعل‭ ‬وطال‭ ‬الزمن‭ ‬أو‭ ‬قصر‭ ‬فإن‭ ‬المياه‭ ‬بينهما‭ ‬ستعود‭ ‬إلى‭ ‬مجاريها،‭ ‬والذي‭ ‬يمكن‭ ‬استنتاجه‭ ‬ممّا‭ ‬ذكر‭:‬

1)‬يعلم‭ ‬الغنوشي‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬منتسبي‭ ‬أي‭ ‬حركة‭ ‬أو‭ ‬تنظيم‭ ‬سياسي‭ ‬يتعرّض‭ ‬للمحاكمات‭ ‬أو‭ ‬المضايقات‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬خطاب‭ ‬جامع‭ ‬وموحّد‭ ‬لهم‭ ‬وليس‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬التصعيد‭ ‬وإذكاء‭ ‬نار‭ ‬الخصومة‭ ‬لأن‭ ‬خطاب‭ ‬المهادنة‭ ‬والوسطاء‭ ‬ليس‭ ‬خطابا‭ ‬جامعا‭ ‬لدى‭ ‬الجموع‭.‬

2) ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الحكم‭ ‬اختار‭ ‬الغنوشي‭ ‬شخصية‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬الحملة‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬حركته‭ ‬على‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أذرعها‭ ‬التي‭ ‬دأبت‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬الوقفات‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬والتظاهر‭.‬

3) ‬كلف‭ ‬السيد‭ ‬الونيسي‭ ‬بالترويج‭ ‬لخطاب‭ ‬مصالحة‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬انتماء‭ ‬الطرفين‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬الفضاء‭ ‬الإسلامي‭ ‬وغاب‭ ‬عنه‭ ‬أن‭ ‬العداوة‭ ‬بين‭ ‬المنتمين‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬المدرسة‭ ‬تكون‭ ‬شديدة‭ ‬وكسرها‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للإصلاح‭ ‬خصوصا‭ ‬لمّا‭ ‬يكون‭ ‬أحدها‭ ‬مالكا‭ ‬للسلطة‭ ‬وتأمّلوا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بين‭ ‬البشير‭ ‬والترابي‭.‬

والذي‭ ‬نخلص‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬الغنوشي‭ ‬يمارس‭ ‬نفس‭ ‬اللعبة‭ ‬التي‭ ‬مارسها‭ ‬سابقا‭ ‬وهي‭ ‬لعبة‭ ‬الوجه‭ ‬والقفا‭ ‬ربحا‭ ‬للوقت‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬تغير‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭.‬

هوامش‭ ‬

1) “‬تجربة‭ ‬نضال‭” ‬راشد‭ ‬الغنوشي،‭ ‬مؤسسة‭ ‬زين‭ ‬المعاني‭ ‬لتجارة‭ ‬الكتب‭ ‬والبرامج‭ ‬والوسائط‭ ‬الألكترونية،‭ ‬سوريا‭ ‬2011،‭ ‬ص121‭.‬

2) “‬الحريات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭” ‬راشد‭ ‬الغنوشي،‭ ‬دار‭ ‬المجتهد‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع،‭ ‬طبعة‭ ‬تونس‭ ‬الأولى‭ ‬2011،‭ ‬ص155‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 13 جوان 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING