الشارع المغاربي: شكلت المداخلة الحادة لرئيس منظمة الأعراف سمير ماجول يوم أول أمس الأحد في أول ورشات المنتدى الاقتصادي الرابع للمنظمة الفرنكوفونية إحدى مفاجآت “قمة جربة”.
جزيرة الأحلام جربة كانت طيلة الأيام المنقضية قبلة عشرات الوفود الأجنبية التي التقت حول التحديات التي تواجه الفضاء الفرنكوفوني في قمة تأجل تنظيمها أولا بسبب أزمة كوفيد 19 وثانيا بسبب التطورات التي عرفتها البلاد منذ 25 جويلية 2021 ثم تحول التأجيل إلى نقاشات وحتى إلى حملات لسحب التنظيم من تونس لأسباب سياسية أساسيا.
كانت جربة ايضا مسرحا لتصفية حسابات ولتوجيه رسائل سياسية من قِبل رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي ردّ في خطابه الافتتاحي مع انطلاق أشغال المنتدى الاقتصادي على الدول التي كان لها موقف مناهض لانعقاد القمة بتونس وعلى رأسها كندا متناسيا ربما انه سيكون لها قول في مجلس ادارة صندوق النقد الدولي الذي سيجتمع يوم 19 ديسمبر القادم للحسم في ملف اتفاق قرض جديد بقيمة 1.9 مليار دولار.
الامر لم يقتصر على رئيس الجمهورية اذ ان خطاب سمير ماجول رئيس منظمة الاعراف فاجأ الجميع بما في ذلك قيادات المنظمة. انتقادات ماجول اللاذعة لسياسة الدولة والادارة التونسية امام كبار الفاعلين والمسؤولين الاقتصاديين من دول الفضاء الفرنكوفوني في موعد قُدم كفرصة للتسويق لصورة تونس كوجهة للاستثمار لم تمر دون طرح تساؤلات حول خلفياتها.
ماجول أم الاعراف ؟
حاول ماجول امتصاص وقع مداخلته في الورشة يوم أول أمس الأحد من خلال خطاب في اختتام أشغال المنتدى يوم أمس، خطاب كان بمثابة اعتذار عن مداخلة وصفت في أحسن الأحوال بغير الموفقة لاسيما انها كانت أمام أجانب. خطاب ماجول يوم امس المكتوب والرصين يختلف 180 درجة عن خطاب قدمه قبل اقل من 24 ساعة.
ما جاء على لسان ماجول في خطابه الاول متداول بين رجال الاعمال الذين لا يخفون قلقهم من استمرار الأزمة السياسية وغياب أفق لانتهائها بما يتيح استقرارا سياسيا يبدو ضروريا. لكن رغم شبه اجماع على المخاطر المحدقة بالبلاد وتشكيك في كفاءة من يُسيّرونها اليوم لا يبدو أن منظوري المنظمة على استعداد للدخول في أي صدام مع السلطة في خضم الاعداد لقانون المالية تثير التسريبات المتداولة حوله تحفظات واسعة من قبل الأعراف.
ونذكّر في هذا السياق بأن عُهدة سمير ماجول على رأس المنظمة تميزت بتوقف اجتماعات المكتب التنفيذي بشكل تام تقريبا، أمر دفع البعض للدعوة لتوضيح ما إن كانت تصريحات ماجول مُلزمة لشخصه أم أنها تعكس مواقف المنظمة. الاجابة جاءت من خطاب “الاعتذار” أو الخطاب التعديلي مثلما أسماه البعض والذي حمل بصمة جماعية من “أعراف” أكدت النأي بأنفسهم وبالمنظمة عن الدخول في أية تجاذبات سياسية.
تراجع ماجول السريع عن الخطاب الاول كشف عن حالة توجس داخل المنظمة من السلطة القائمة التي تتجه نحو فرض ضريبة على الثروة بات من الواضح انها مرفوضة من قبل الاعراف رغم انها تُقدم كــ”واجب وطني” من قبل وزراء من حكومة بودن يقولون انها ستكون “ضريبة وطنية” لمعاضدة مجهودات الدولة في أحد أحلك الأزمات المالية التي عاشتها البلاد منذ عقود.
في الكواليس يؤكد مقربون من سلطة القرار أن هذا الإجراء يستهدف 50 عائلة وانه سيكون محددا زمنيا. اجراء يذكّر وفق ما اكدت مصادر لــ” الشارع المغاربي” بإجراء مشابه حاولت اقراره حكومة الفخفاخ مع بداية أزمة تفشّي فيروس كورونا وحمل عنوان “مساهمات استثنائية”، الا انه رُفض بقوة بما أجبر الحكومة على التراجع السريع عنه.
بقطع النظر عن هذا الإجراء ينظر الأعراف بتوجس ايضا لمشروع الصلح الجزائي الذي سيتم قريبا تفعيله. وإن يعتبره بعض ممن تعرضوا للابتزاز من قبل الحكومات المتعاقبة حلا سيمكن من طي صفحة الماضي فإنه غير مقبول في المجمل من قبل طيف واسع من المعنيين به بالنظر الى انه في النهاية وصم اجتماعي، مشروع وغابت عنه أية مقومات تؤكد نجاحه في استرداد ما يسميه قيس سعيد بالاموال المنهوبة وصدر في اطار مرسوم بمعطيات غير محيّنة مصدرها تقرير عمره اكثر من 10 سنوات.
احتواء الأزمة
رغم خطاب رئيس الجمهورية وأنصاره الحاد في علاقة برجال الاعمال الذين تم وضعهم في نفس السلة ويوصفون عادة بالفاسدين ولا يُتحدث عنهم الا بلغة التهديد والوعيد، فإن رئيس منظمتهم سمير ماجول يكاد يكون من أكثر الشخصيات التي التقاها سعيد خاصة بعد 25 جويلية.
فخلال هذه المدة كانت لسعيد 4 لقاءات مطولة مع المكتب التنفيذي للمنظمة يقول مصدر موثوق به لــ”الشارع المغاربي” انها كانت لقاءات صريحة سمع خلالها الرئيس وجهة نظر الاعراف الذين قدموا له رؤيتهم للإصلاحات. يضيف المصدر أن اثنين من ضيوف الرئيس كانا “حادين” في حديثهما وأن منهما من دعا الى محاسبة السياسيين عمّا فعلوا بالاقتصاد وبالمستثمرين.
اليوم لا يثير مشهد الاعمال أي تفاؤل مع تواصل الازمة التي رافقتها موجة هروب جماعي من البلاد لم تشمل العاطلين عن العمل فقط وإنما شملت أيضا اصحاب الاعمال الذين انطلقوا في تركيز مشاريعهم بالخارج دون أي تحرك من السلطة لإيقاف هذا النزيف، مما يمثل كارثة حقيقية تنضاف إلى تداعيات ازمة كوفيد وما خلفت وراءها من افلاس عشرات الآلاف من المؤسسات.
اما نصف الكاس الملآن مثلما يقال فتمثله مجموعة من الاعراف ترى ان لرئيس الجمهورية دورا محددا فقط لو استمع الى صوت العقل، دورا ينطلق بتحوير وزاري واسع يتم بمقتضاه اختيار كفاءات عالية لادارة المرحلة واقرار حالة طوارئ اقتصادية. هذه المجموعة ترى ان سعيد قادر على أصعب الحروب وهي الحرب على الاقتصاد الموازي الذي يمثل وفق قولهم الخطر الداهم على الاقتصاد الوطني.
الاعراف غاضبون في المجمل وهو ما تعكسه البيانات الصادرة عن مختلف الغرف والجامعات المنضوية صلب منظمتهم وبعضها يهدد اليوم باعتصام امام مكتب وزيرة المالية في سابقة تاريخية. مع ذلك هناك رفض واسع للدخول في صدام مع السلطة قد يفتح الباب امام اصدار قانون مالية انتقامي مصحوب بإجراءات ألمح سمير ماجول الى انها ستتسبب في هجرة ما تبقّى من رؤوس اموال.
———————————————————————————————————–
مداخلة سمير ماجول المثيرة للجدل
في قمة الفرنكوفونية بجربة
“تعاقبت على بلادنا منذ 12 سنة حكومات متتالية… لماذا لم يتم تحويل جزيرة جربة الى جنة؟ لا اقول جنة ضريبية وإنما جنة للاستثمار؟ لماذا لا تكون جربة منطقة حرة؟ لماذا لا تكون منطقة “أوفشور” OFFSHORE؟ نحن صيادو تنمية وانتم (متوجها بالحديث الى وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد) اول من يستغل ذلك لتحقيق ارباح… الدولة تحصل على الضرائب في آخر السنة دون المساهمة بفلس واحد في المؤسسات الخاصة وعندما تحقق هذه المؤسسات نموا تكون الدولة هي الرابحة… لا تقولوا لي انكم تحققون ارباحا في المؤسسات العمومية التي يجب عليكم تأميمها (قال جملته الاخيرة بنبرة ساخرة). وبخصوص الضريبة على الثروة فقد سبق لفرنسا ان فرضتها فغادر اصحاب الثروات البلاد.. انا مجنون بتونس… اريد ان يقلع بلدي لا ان يتراجع… هناك اخطاء ولسنا نحن من ارتكبها ولكن علينا دفع الفاتورة… لنلق نظرة على العالم… كلنا عشنا فترة انتشار فيروس كورونا ولم تكن هناك حدود بين الدول وتم تدمير اقتصادات ومجتمعات فهل علينا نحن كمستثمرين دفع الفاتورة؟ فليستقظ السياسيون من سباتهم ! والان نحن نشهد حربا في العالم… حرب بصدد تدمير الاقتصاد… حرب ستكون باهظة الكلفة على المجتمعات وخاصة المجتمعات الاقل تقدما… نحن نعلم من شن الحرب… لماذا عليّ انا ان ادفع الثمن؟ عندما يرتفع سعر النفط لا احد يتحرّك. على السياسيين التحرّك واتخاذ القرار… ما الذي يجب القيام به؟ يجب تفكيك الحواجز القمرقية… نحن مسؤولون امام الاجيال القادمة… نحن افضل الحلفاء للسياسيين… عندما نبعث شركة نموت نحن لكن الشركة لا تموت…
انا ضد فرض تأشيرة الاعمال ومن حق اي انسان التمتع بحرية التنقل عبر العالم… وعندما يمتطي الاخرون الطائرة للقدوم الينا لا نفرض عليهم التأشيرة… إذا اردنا النهوض بالاقتصاد فما علينا الا ضمان حرية التنقل على كل المستويات.. حرية تنقل الاشخاص.. حرية تنقل الاموال… حرية تنقل الاستثمار… حرية تنقل الملكية… التخلي عن الضريبة على الثروة… أنا مع حرية السفر… وعندما يخلق الشخص ثروة يكون حرا في انفاقها أينما يريد كأن يتوجه للكازينو او إلى اي مكان آخر… علينا تفكيك الحدود بين الدول وتوفير استقرار بين الدول فالاقتصاد لا ينتعش في ظل مناخ غير مستقر… وما عشناه خلال العشر سنوات الاخيرة من عدم استقرار لم نر له مثيلا وتأثير كوفيد 19 والحرب الدائرة بأوكرانيا كان عميقا… ثم يحدثوننا عن تداين عمومي ضخم… قدمنا للسياسيين نصائح مجانية بأن افضل السياسات الاقتصادية لبلدنا ولشعبنا ولقطاعنا ولفضائنا ان يتفقوا في ما بينهم”.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 22 نوفمبر 2022