الشارع المغاربي: في نداء أرادوه تاريخيا وجّهوه لرئيس الدولة تفضّل خمسة من قيادات الجيش العليا المتقاعدين – من بينهم جنرال واحد في حقيقة الأمر – بطرح ما يرونه سبل الخلاص لتونس لأن “اللحظة على غاية الخطورة… ولم يعد يُسمح بمزيد إهدار الوقت”.
النداء يُختزل في أركان فكرية أو سياسية ثلاثة:
– لا مناص “من وحدة التونسيين وتظافر جهود كل التونسيين مهما كانت مواقعهم ومهما اختلفت توجهاتهم، لأن الوضع لا يحتمل تشتت الأصوات”.
– لا مناص “من وحدة التونسيين وتظافر جهود كل التونسيين مهما كانت مواقعهم ومهما اختلفت توجهاتهم، لأن الوضع لا يحتمل تشتت الأصوات”.
– رئيس الدولة مطالب بتقديم بديل للاقتراحات المصرّ إلى حد الآن على رفضها، خاصة مبادرة الاتحاد من أجل حوار وطني.
تتجلى بوضوح من خلال هذه الأركان الثلاثة، الغاية السياسية – ولا أقول الوطنية – التي يستبطنها البيان، غاية تهدف إلى النأي بالمسؤولين الحقيقيين عن انهيار تونس وانحلال دولتها عن المساءلة والمحاسبة والمقاضاة إذا اقتضى الأمر. بعبارة أوضح من حكموا البلاد من 2011 إلى اليوم وهم النهضة أساسا وحلفاؤها : نداء تونس، تحيا تونس، حزب المشروع الذي تحالف مع النهضة في آخر حقبة من حكومة يوسف الشاهد وقلب تونس الذي سمح، بعد أن نكث بعهده للناخبين، للغنوشي وحزبه بالتحكم في السلطة التشريعية وبالتالي في ميكانيزمات الحكم في البلاد.
لا يا سادة يا كرام! حاشا الله أن أشكك لحظة في سعيكم المشكور، إنما نداؤكم هذا لا يمكن أن يعدّ مساهمة في انقاذ تونس وإنما يفضي في نهاية التحليل إلى التعجيل بانهيارها. فكيف لبلد أن ينهض من جديد من تحت أنقاض الخراب بمشاركة الأحزاب والرجال الذين أسسوا الخراب؟ ثم إنكم تعتبرون أن الوضع لم يعد يسمح بإهدار مزيد من الوقت وتقترحون في نفس الوقت جملة من الإجراءات التي وإن كتب لها أن تحقق – وهو من باب شبه المستحيل – ستستهلك زمنا مهدورا طويلا. ثم أيعقل أن تجهّز خارطة طريق للإنقاذ يساهم في رسمها من حكم البلاد إلى اللحظة المنادية للإنقاذ؟ لاسيما أن خريطة الطريق هذه جاهزة من زمان، منذ مشاورات قرطاج 1 وقرطاج 2 والموقّع عليها من قبل كل الأطراف السياسية والاجتماعية الفاعلة دون استثناء، اجماع من الصعب جدا أن يتحقق لو تم اعتماد مبادرة الاتحاد. وأول أولياتها : تطبيق القانون بعدل وحزم دون تمييز ثم مقاومة جذرية للفساد لا تستثني أحدا وثالثها تشكيل حكومة كفاءات لا تخضع لسلطان الأحزاب الكريه ولا لآليات المحاصصة الأكثر كرها! أتستوجب هذه الضرورات المستعجلة حوارا وطنيا جديدا وأنتم على علم بأن أول حزب اليوم في البلاد (الحزب الدستوري الحر) لا يقبل ولا يرضى بشكل من الأشكال الجلوس على نفس المائدة – وهو على حق – مع مدمّري البلاد ودولتها.
أما في يتعلق باتهامكم المبطن لقيس سعيد بأنه لا يكتفي فقط برفض أو تعطيل الاقتراحات المقدمة له بل أكثر من ذلك بالتقصير أو بالعجز عن تقديم البديل، فتشوبه إما سوء النية أو الجهل! قيس سعيد قدّم بديله منذ حملته الانتخابية وجدّد التأكيد عليه في أكثر من مناسبة، سعيد يعتبر أنه لا خلاص لتونس إلا بتقويض النظام السياسي الحالي وقانونه الانتخابي العبثي اللذين أفضيا إلى المشهد السياسي الحالي المرفوض بفساده ورداءته واستخفافه بهموم الشعب وقضايا الأمة. فمن الطبيعي والمنطقي إذن أن يرفض كل مبادرة لا تنصهر صلب تصوره لخلاص تونس كمثل مبادرتكم التي لا ترمي في حقيقة الامر مثلما قلت لخلاص تونس وإنما لخلاص من تسبب في انهيارها. من ذلك أن الاقتراحات العملية التي جاءت في بيانكم لا تسعى جملة وتفصيلا إلا إلى تركيز النهضة كرقم أساسي في المعادلة السياسية الوطنية لا مجال لإقصائها ولا لاستبعادها دون أن نرتهن استقرار البلاد وأمن شعبها. وهنا يكمن مربط الفرس! لنتحدث دون لف ودوران : النهضة حكمت البلاد طيلة عشر سنوات إما مباشرة بحكومات ترأستها قياداتها التاريخية (الجبالي والعريض) وإما بطريقة غير مباشرة بفضل خيانة من أثثوا شرعيتهم على مناهضة النهضة ثم تحالفوا معها طمعا في السلطة ومكّنوها من التمكّن من الدولة تمكينا! فالمنطق السياسي المجرد يقتضي أن تبتعد النهضة بطريقة أو بأخرى سياسية أو ثورية – والفرضية الثانية ممكنة جدا – عن الحكم بعد أن أفضى حكمها مع حلفائها إلى ما تونس عليه اليوم من دمار شامل. لست شخصيا من دعاة إقصائها أو استئصالها وقد كنت خلال الثمانينات من أول الذين دافعوا عن حقها في التعبير والوجود، غير أن فشلها الذريع في الحكم يفترض ابعادها منه.
إذا كان الفشل والنجاح في الحكم يقاسان بالنتائج، فالنتائج بعد عشر سنوات من حكمها ناطقة بذاتها : تونس أفلست على جميع المستويات. نعم أفلست! حسابيا تونس أفلست منذ حكم حليف النهضة الاستراتيجي الفاشل يوسف الشاهد! كل ما أقدمت عليه حكومته لا يعدو أن يكون سوى إجراءات ترقيعية مغلوطة عمّقت الأزمة وأجّلت حدوث الكارثة دون أن تمتص أسبابها، بلادنا تعيش منذ 2016 تحت نظام الإنعاش المفتعل، انعاش التداين المتعاظم سنويا إلى أن تبخّرت مصداقية تونس المالية على الساحة العالمية، ناهيك أننا لم نعد نجد من نتسوّل منه ونتوسّل اليه!
مكان النهضة اليوم الطبيعي – لا أتحدث عن حلفائها المنتهية صلوحياتهم عاجلا أم آجلا – هو المعارضة. فقط ولا غير! وفرضية ألاّ تنعم مستقبلا حتى بموقع المعارضة ليست من باب الوهم…
بيان الجنرالات في نهاية الأمر يحتوي الأزمة الأخطر في تاريخ البلاد الحديث خدمة لنظام فاسد وأحزاب أفسد، عوضا عن استثمارها شعبيا لاجتثاث جذورها وإحلال محلّها نظام يستجيب إلى تطلعات الأغلبية الساحقة من التونسيين – حسب نتائج سبر الآراء – لنظام رئاسي يكون فيه الاقتراع على الأشخاص لا على “قطاطيس في شكارة”. والرئيس قيس سعيد الذي استدرجتموه بخبث محمّلين إياه بين الأسطر مسؤولية الشلل المجمّد لتماسك وتكامل أجهزة الحكم لن يبارك أبدا حوارا مع مخرّبي البلاد… هكذا أراه شخصيا في تناغم مع ما قال وما يقول وما سيقول. لو كان يؤمن بجدوى هذا الحوار لدعا اليه منذ أشهر.
الحل مثلما أراه وكما وضّحت ضروراته في أكثر من فيديو يكمن في الحل الجماهيري، عن طريق حشد شعبي جبّار بالملايين يدعو إليه قيس سعيد بوصفه رئيس الدولة ورئيس مجلس الأمن القومي والقائد الأعلى للقوات المسلحة يضع حدا للنظام السياسي السائد ويبعد المنتفعين منه من الحكم، يتبعه تشكيل حكومة انقاذ وطني حقيقية بشرفاء وشريفات تونس تعدّ في مدة زمنية محددة مسبقا دستورا جديدا وقانونا انتخابيا جديدا وتسهر على تصريف الأعمال وإرجاع الثقة في الدولة داخليا وخارجيا.
دون ذلك لا انقاذ ولا خلاص!
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 1 جوان 2021