الشارع المغاربي -وكالات: تضمن التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية حول مؤشر مدركات الفساد في العالم، الذي يقيس درجة الفساد في القطاع العمومي والحكومي في 180 دولة حول العالم، وفق مؤشر درجات متكون من مئة درجة محورا خاصا بالعالم العربي، خلص الى أن إجمالي مؤشر الفساد في المنطقة ظل ثابتا عند 34 من أصل مئة درجة للعام الرابع على التوالي، والى ان أيا من دول المنطقة لم تسجل اي تقدم في أوضاع الفساد خلال العقد الماضي واصفا تونس بالمثال المؤسف .
وتقول كندة حتّر، المستشارة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الشفافية الدولية، إن جمود المؤشر وعدم التغير هو رسالة في حدّ ذاتها معتبرة ان ذلك يعكس “مشكلة حقيقة تتمثل في انه مهما التزمت الدول سطحيا بقوانين والقواعد، لن يحدث شيء طالما لا يوجد تغيير حقيقي في المنظومة والثقافة السائدة”.
ويقيس المؤشر كفاءة الدولة في التصدي للفساد بالقطاع العمومي والحكومي، ولا يضم القطاع الخاص، بحيث تكون درجة صفر فاسد جدا، ودرجة مئة نظيف جدا.
وتكمن خصوصية تقرير هذا العام في أنه تابع أوضاع الفساد في العالم خلال السنوات العشر الماضية، وكذلك الرابط بين مؤشرات الفساد وبين ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتقول حتّر انه لم يحدث تغيير فعلي في مكافحة الفساد، رغم مرور عقد كامل على الربيع العربي وان ذلك يشمل حتى الدول التي قدمت وعودا بالتغيير. مبينة انه بسبب ذلك لم يتحقق تقدم ملحوظ في المؤشر وانه حتى إذا حققت دولة تقدما في ناحية ما، يحدث تراجع في أخرى.
وأضافت حتّر أن الفساد السياسي هو الأوسع في المنطقة وان الامر لا يتعلق فقط بسجن الفاسدين وان هناك خوفا من وجود كبش فداء في النهاية، بدلا من تغيير النظام الذي يسمح بوجود الفاسدين.
وذكر التقرير أن “الفساد السياسي الممنهج يعيق التقدم في المنطقة ويزيد من تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان” وأن “الربيع العربي فشل في تحقيق أي من الوعود الطموحة بالتغيير، حتى في الدول التي نجحت في إقامة أنظمة جديدة، والتي يستمر تراجع الديمقراطية فيها كذلك”.
ويعتبر التقرير ان المشاكل المشتركة التي اثرت على أداء الدول العربية بشكل عام، تتمثل اساسا في الوساطة والرشوة والتمييز بأشكاله المختلفة وان هذه المشاكل تؤسس لعدم العدالة في القطاع العمومي، سواء في فرص العمل أو الخدمات وان واحدا من بين كل خمسة مواطنين في الدول العربية يجد نفسه مضطرا لدفع رشاوى مقابل تلقي خدمات أساسية كالصحة والتعليم.
وتطرق التقرير بشكل لافت الى دولتين الاولى هي لبنان التي قال انها تعيش الآن تبعات أزمات متلاحقة خلال العامين الماضيين، منذ انفجار مرفأ بيروت، وعدم وجود حكومة لأكثر من عام، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وتراجع سعر صرف الليرة بشكل كبير أمام الدولار، والاحتجاجات المتتالية المطالبة بتغيير النخب السياسية المسؤولة عن كل هذه الأزمات.
وترى حتّر أن لبنان هو المثال الأوضح الآن على تبعات تداخل السياسة والمال مؤكدة ” نحن الآن نرى نتائج منظومة الفساد السياسي وتداخل عواملها. ولا يقدر اللبنانيون على بناء الدولة لوجود أسس صعب تجاوزها تعيق المساءلة وتعيد إنتاج النظام الموجود”.
واعتبر التقرير ان التراجع السياسي في تونس كان سببا لتراجعها في مؤشر مكافحة الفساد مبينا انها حققت 44 نقطة وان تجميد البرلمان وإقالة الحكومة وغيرها من الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد تسببت في زيادة حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار السياسي في البلاد.
ويصف التقرير تونس بـ”مثال مؤسف” وفسر ذلك بامكانية خسارتها المكتسبات الديمقراطية، مشددا على أن ‘الإجراءات السياسية الأخيرة اضعفت من أنظمة الرقابة والمحاسبة’، وانها تسببت في ازدياد مخاوف الجمهور من التبليغ عن الفساد.
وحسب التقرير “ينضاف تراجع الحريات الشخصية والمدنية بشكل عام إلى أزمة الفساد في المنطقة. فمثلا في مصر (التي حصلت على 33 نقطة)، يستمر اعتقال الصحفيين والمعارضين السياسيين والنشطاء، ويستمر كذلك منع أي تجمعات وحجب منصات حرية التعبير . وفي المغرب كذلك (الذي حصل على 39 نقطة)، صدر قانون الطوارئ الصحية الذي يمنع التجمع والتعبير عن الرأي بحجة مواجهة جائجة كورونا، والذي يعتبره المعارضون غطاء قانونيا لاستهداف المعارضين السياسيين ومنع الناس من انتقاد إدارة الدولة في مواجهة الأزمة الصحية”.
ووفقا لحتّر، “يجب الاستثمار في المجتمع المدني كونه الشعلة التي تدفع بفكرة المساءلة”. وأضافت: “هناك نشطاء ومؤسسات مجتمع مدني وأشخاص يريدون التغيير، حتى وإن كانوا أصحاب الصوت الأضعف أو الأغلبية الصامتة. هذا يجب أن نبني عليه. ويجب أن تكون هناك جهود ليبقى هذا الصوت.”