الشارع المغاربي – بقلم فردوس كشيدة: لقد باتت تونس اليوم تعاني من الكثير من المشاكل ما بين مشاكل سياسية من تجاذبات وصراعات وعدم استقرار ومشاكل ٍاقتصادية من نقص الصادرات وعجز الموازنة وانهيار الدينار التونسي وغلاء المعيشة وغيرها ومشاكل ٍاجتماعية من فقر وبطالة وخاصة تزايد لنسبة الأمية لأول مرة منذ الاستقلال في دولة راهنت منذ بناء الدولة الوطنية على أهمية التعليم والعلم والمعرفة والثقافة باعتبار أن التعليم هو أساس أي نهضة وهو السلاح الوحيد القادر على حل كل المشكلات داخل المجتمع . والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي الأسباب الحقيقية لتزايد الأمية في تونس وخاصة خلال هذه السنوات الأخيرة ؟ خطيئة من تفشي هذه الظاهرة لما لها من خطورة على تقدم ونجاح المجتمع التونسي ؟
لاشك أن الأمية خطر يهدد المجتمعات ويحرمها من التقدم والتطور لأنها تحرم الٍانسان من الوصول ٍالى المعارف والعلوم فهي تعد آفة مدمرة تؤذي المجتمع وتهدمه وتعتبر من أكبر أسباب التخلف والجهل في أي مجتمع . لذا سعت أغلب الدول على محاربتها عبر برامج وخطط ورصد الأموال من أجل القضاء عليها .
وليس خافيا على أحد أن تونس تعتبر أول البلدان العربية التي شهدت ٍانخفاضا كبيرا في نسب الأمية منذ الاستقلال من خلال مراهنة الدولة الوطنية على نشر التعليم وتعميمه على كافة الشرائح الٍاجتماعية دون تمييز بين الفتيان والفتيات معتبرة أن الٍانسان هو الثروة الأولى في البلاد لٍادراك التطور والتقدم . وبالتالي استثمرت في العقل البشري وخصصت ثلث ميزانيتها للتعليم حتى أن الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله كان يفاخر بأن تونس لا تشتري سلاحا و ٍانما تستثمر في العقل البشري باعتبار التعليم هو السلاح الأقوى لتغير المجتمع والمحرك الأعظم في التنمية . لهذا وضعت من البرامج والسياسات ما يساعد على محاربة الأمية و ٍاكتساب رأس مال بشري وطني يفخر به .
ٍٍٍِالا أنه بعدما كانت تونس أول بلد عربي يقضي على الأمية وقهرالجهل باتت التقديرات الرسمية تشير ٍالى ارتفاع نسبة الأمية في بلادنا حيث يعاني اليوم مليوني مواطن تونسي من الأمية أي بنسية 179 % من مجموع السكان حيث أن هذه الأمية ليست فقط في صفوف كبار السن بل وأيضا لدى فئة الشباب ٍاذ 70% منها في صفوف الشباب .
وهذه الأرقام تعد مفزعة ومخجلة في آن واحد لدولة كانت لها الريادة عربيا وافريقيا في قهر الجهل وصناعة الفكر النقدي على أيادي رجال تربوا في المدرسة التونسية ومنها تخرجت أحسن الكفاءات في الأدب والفن والطب والقانون والسياسة… وعليه فٍان هذا الرقم لا يليق بنخب تونس وكفاءاتها ولكل سائل أن يتساءل اليوم عن الأسباب الحقيقية التي أدت ٍالى هذه الأرقام المفزعة في بلادنا ؟
الثابت أن من أهم الأسباب هو فشل المنظومة التربوية حيث أن الكفايات الأساسية أثبتت فشلها في مدارسنا لعدة عوامل من أهمها عدم توفر الٍامكانات المادية وضعف البنية التحتية والٍاطار المختص . وهذا أدى ٍالى ضعف مردود المؤسسة التربوية وتراجع المستوى التعليمي للتلاميذ بالٍاضافة ٍالى غياب سياسة تعليمية واضحة بعيدة عن التجاذبات السياسية والٍايديولوجية التي يريد البعض من خلالها توظيف المدرسة التونسية . كل ذلك ولد عند الأطفال عزوفا عن الدرس وقطع صلتهم به بالٍانقطاع المبكر خاصة في المراحل الٍابتدائية بسبب التعثر الدراسي والخوف من الفشل الدراسي وتدني الطموح الدراسي وعدم وضوح المستقبل ٍاضافة ٍالى الٍامكانيات المادية حيث باتت المدرسة العمومية تتكلف غاليا على العائلات محدودة الدخل نظرا لتكلفة الأدوات والدروس الخصوصية !
وهكذا تعود الأسباب الحقيقية لٍارتفاع نسب الأمية ٍالى عوامل كثيرة لعل أهمها غياب الٍارادة السياسية في معالجة هذه الآفة الخطيرة على مجتمعنا وعدم توافق برامج التعليم مع سوق الشغل وفشل المنظومة التربوية و ٍارتفاع نسب الفقر والبطالة وتدهور المقدرة الشرائية للتونسي.
وبالتالي ان تواصل عدم الاهتمام بهذه الظاهرة أو اهمالها من قبل الجهات الرسمية في الدولة سوف تشكل خطرا كبيرا على المجتمع في المستقبل وخطورة ٍارتفاعها لا تقل خطورة عن الٍارهاب وما يفعله بالمنطقة العربية !
فالأمية أساس كل المشكلات في المجتمع لما لها من آثار سلبية على مسيرة التنمية البشرية وبالتالي قد تكون حاضنة دافئة للتطرف والٍارهاب . وهذا ما يفسرربما لتفشي ظاهرة الفكر المتشدد لدى البعض من شبابنا ! لذا في سبيل محاربة هذه الآفة على الدولة وكافة مؤسسات المجتمع المدني أن تتحمل مسؤولياتها في مواجهة تحدي محو الأمية والذي لا يمكن أن يتحقق عبر الأمنيات بل من خلال وضع استراتيجية وطنية شاملة تقوم على أن الٍانسان هو القيمة العليا ضمن مسيرة المجتمع هدفها معالجة القضايا الٍاجتماعية الكبرى على غرار مقاومة الفقر والبطالة والقضاء على التهميش والٍاسراع باٍصلاح المنظومة التربوية والحد من ظاهرة التسرب المدرسي والتشجيع على التكوين المهني دون أن ننسى تعزيز وتفعيل برنامج تعلم الكبار و ٍالا قطعا سيفوتنا الركب لأن من المفروض اليوم أن نقلق بشأن الأمية التكنولوجية والمعلوماتية لا أمية القراءة والكتابة.
- نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 22 اوت 2023