الشارع المغاربي – تفاقم‭ ‬الأمية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ...‬خطيئة‭ ‬من‭ ‬؟

تفاقم‭ ‬الأمية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ …‬خطيئة‭ ‬من‭ ‬؟

قسم الأخبار

27 أغسطس، 2023

الشارع المغاربي – بقلم فردوس كشيدة: لقد‭ ‬باتت‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مشاكل‭ ‬سياسية‭ ‬من‭ ‬تجاذبات‭ ‬وصراعات‭ ‬وعدم‭ ‬استقرار‭ ‬ومشاكل‭ ‬ٍاقتصادية‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬الصادرات‭ ‬وعجز‭ ‬الموازنة‭ ‬وانهيار‭ ‬الدينار‭ ‬التونسي‭ ‬وغلاء‭ ‬المعيشة‭ ‬وغيرها‭  ‬ومشاكل‭ ‬ٍاجتماعية‭ ‬من‭ ‬فقر‭ ‬وبطالة‭ ‬وخاصة‭ ‬تزايد‭ ‬لنسبة‭ ‬الأمية‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال‭  ‬في‭ ‬دولة‭ ‬راهنت‭ ‬منذ‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬التعليم‭ ‬والعلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬والثقافة‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬التعليم‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬أي‭ ‬نهضة‭  ‬وهو‭ ‬السلاح‭ ‬الوحيد‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬كل‭ ‬المشكلات‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ . ‬والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الأسباب‭ ‬الحقيقية‭ ‬لتزايد‭ ‬الأمية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وخاصة‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬؟‭ ‬خطيئة‭ ‬من‭ ‬تفشي‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬على‭ ‬تقدم‭ ‬ونجاح‭ ‬المجتمع‭ ‬التونسي‭ ‬؟‭ ‬

لاشك‭ ‬أن‭ ‬الأمية‭ ‬خطر‭ ‬يهدد‭ ‬المجتمعات‭ ‬ويحرمها‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬والتطور‭  ‬لأنها‭ ‬تحرم‭ ‬الٍانسان‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬ٍالى‭ ‬المعارف‭ ‬والعلوم‭  ‬فهي‭ ‬تعد‭ ‬آفة‭ ‬مدمرة‭ ‬تؤذي‭ ‬المجتمع‭ ‬وتهدمه‭  ‬وتعتبر‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬أسباب‭ ‬التخلف‭ ‬والجهل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ . ‬لذا‭ ‬سعت‭ ‬أغلب‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬محاربتها‭ ‬عبر‭ ‬برامج‭ ‬وخطط‭ ‬ورصد‭ ‬الأموال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القضاء‭ ‬عليها‭ . ‬

وليس‭ ‬خافيا‭ ‬على‭ ‬أحد‭  ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬تعتبر‭ ‬أول‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬ٍانخفاضا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬نسب‭ ‬الأمية‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال‭  ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مراهنة‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬التعليم‭ ‬وتعميمه‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬الشرائح‭ ‬الٍاجتماعية‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬بين‭ ‬الفتيان‭ ‬والفتيات‭  ‬معتبرة‭ ‬أن‭ ‬الٍانسان‭ ‬هو‭ ‬الثروة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬لٍادراك‭ ‬التطور‭ ‬والتقدم‭ . ‬وبالتالي‭ ‬استثمرت‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬وخصصت‭ ‬ثلث‭ ‬ميزانيتها‭ ‬للتعليم‭  ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الزعيم‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬كان‭ ‬يفاخر‭ ‬بأن‭ ‬تونس‭ ‬لا‭ ‬تشتري‭ ‬سلاحا‭ ‬و‭ ‬ٍانما‭ ‬تستثمر‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭  ‬باعتبار‭ ‬التعليم‭ ‬هو‭ ‬السلاح‭ ‬الأقوى‭ ‬لتغير‭ ‬المجتمع‭ ‬والمحرك‭ ‬الأعظم‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ . ‬لهذا‭ ‬وضعت‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬والسياسات‭ ‬ما‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬محاربة‭ ‬الأمية‭ ‬و‭ ‬ٍاكتساب‭ ‬رأس‭ ‬مال‭ ‬بشري‭ ‬وطني‭ ‬يفخر‭ ‬به‭ .‬

ٍٍٍِالا‭ ‬أنه‭ ‬بعدما‭ ‬كانت‭ ‬تونس‭ ‬أول‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬يقضي‭ ‬على‭ ‬الأمية‭ ‬وقهرالجهل‭  ‬باتت‭ ‬التقديرات‭ ‬الرسمية‭ ‬تشير‭ ‬ٍالى‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬الأمية‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭  ‬حيث‭ ‬يعاني‭ ‬اليوم‭ ‬مليوني‭ ‬مواطن‭ ‬تونسي‭ ‬من‭ ‬الأمية‭ ‬أي‭ ‬بنسية‭ ‬179‭ % ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬السكان‭  ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأمية‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬بل‭ ‬وأيضا‭ ‬لدى‭ ‬فئة‭ ‬الشباب‭  ‬ٍاذ‭ ‬70‭% ‬منها‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الشباب‭ . ‬

وهذه‭ ‬الأرقام‭ ‬تعد‭ ‬مفزعة‭ ‬ومخجلة‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭  ‬لدولة‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬الريادة‭ ‬عربيا‭ ‬وافريقيا‭ ‬في‭ ‬قهر‭ ‬الجهل‭ ‬وصناعة‭ ‬الفكر‭ ‬النقدي‭ ‬على‭ ‬أيادي‭ ‬رجال‭ ‬تربوا‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬التونسية‭  ‬ومنها‭ ‬تخرجت‭ ‬أحسن‭ ‬الكفاءات‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬والفن‭ ‬والطب‭ ‬والقانون‭ ‬والسياسة‭… ‬وعليه‭ ‬فٍان‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬بنخب‭ ‬تونس‭ ‬وكفاءاتها‭  ‬ولكل‭ ‬سائل‭ ‬أن‭ ‬يتساءل‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬ٍالى‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬المفزعة‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬؟‭ ‬

الثابت‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأسباب‭ ‬هو‭ ‬فشل‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭  ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬الكفايات‭ ‬الأساسية‭ ‬أثبتت‭ ‬فشلها‭ ‬في‭ ‬مدارسنا‭ ‬لعدة‭ ‬عوامل‭  ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬عدم‭ ‬توفر‭ ‬الٍامكانات‭ ‬المادية‭ ‬وضعف‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والٍاطار‭ ‬المختص‭ . ‬وهذا‭ ‬أدى‭ ‬ٍالى‭ ‬ضعف‭ ‬مردود‭ ‬المؤسسة‭ ‬التربوية‭ ‬وتراجع‭ ‬المستوى‭ ‬التعليمي‭ ‬للتلاميذ‭  ‬بالٍاضافة‭ ‬ٍالى‭ ‬غياب‭ ‬سياسة‭ ‬تعليمية‭ ‬واضحة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬التجاذبات‭ ‬السياسية‭ ‬والٍايديولوجية‭ ‬التي‭ ‬يريد‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬توظيف‭ ‬المدرسة‭ ‬التونسية‭ . ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ولد‭ ‬عند‭ ‬الأطفال‭ ‬عزوفا‭ ‬عن‭ ‬الدرس‭ ‬وقطع‭ ‬صلتهم‭ ‬به‭   ‬بالٍانقطاع‭ ‬المبكر‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الٍابتدائية‭ ‬بسبب‭ ‬التعثر‭ ‬الدراسي‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬الفشل‭ ‬الدراسي‭ ‬وتدني‭ ‬الطموح‭ ‬الدراسي‭ ‬وعدم‭ ‬وضوح‭ ‬المستقبل‭  ‬ٍاضافة‭ ‬ٍالى‭ ‬الٍامكانيات‭ ‬المادية‭ ‬حيث‭ ‬باتت‭ ‬المدرسة‭ ‬العمومية‭  ‬تتكلف‭ ‬غاليا‭ ‬على‭ ‬العائلات‭ ‬محدودة‭ ‬الدخل‭  ‬نظرا‭ ‬لتكلفة‭ ‬الأدوات‭ ‬والدروس‭ ‬الخصوصية‭ !‬

وهكذا‭ ‬تعود‭ ‬الأسباب‭ ‬الحقيقية‭ ‬لٍارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬الأمية‭ ‬ٍالى‭ ‬عوامل‭ ‬كثيرة‭  ‬لعل‭ ‬أهمها‭ ‬غياب‭ ‬الٍارادة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬هذه‭ ‬الآفة‭ ‬الخطيرة‭ ‬على‭ ‬مجتمعنا‭ ‬وعدم‭ ‬توافق‭ ‬برامج‭ ‬التعليم‭ ‬مع‭ ‬سوق‭ ‬الشغل‭ ‬وفشل‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬و‭ ‬ٍارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬الفقر‭ ‬والبطالة‭ ‬وتدهور‭ ‬المقدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للتونسي‭. ‬

وبالتالي‭ ‬ان‭ ‬تواصل‭ ‬عدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬بهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬أو‭ ‬اهمالها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجهات‭  ‬الرسمية‭ ‬في‭ ‬الدولة‭  ‬سوف‭ ‬تشكل‭ ‬خطرا‭ ‬كبيرا‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭  ‬وخطورة‭ ‬ٍارتفاعها‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬خطورة‭ ‬عن‭ ‬الٍارهاب‭ ‬وما‭ ‬يفعله‭ ‬بالمنطقة‭ ‬العربية‭ !‬

فالأمية‭ ‬أساس‭ ‬كل‭ ‬المشكلات‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬مسيرة‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭  ‬وبالتالي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬حاضنة‭ ‬دافئة‭ ‬للتطرف‭ ‬والٍارهاب‭ . ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسرربما‭ ‬لتفشي‭ ‬ظاهرة‭ ‬الفكر‭ ‬المتشدد‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬شبابنا‭ ! ‬لذا‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬محاربة‭ ‬هذه‭ ‬الآفة‭  ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬وكافة‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬مسؤولياتها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تحدي‭ ‬محو‭ ‬الأمية‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬عبر‭ ‬الأمنيات‭  ‬بل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضع‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬شاملة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الٍانسان‭ ‬هو‭ ‬القيمة‭ ‬العليا‭ ‬ضمن‭ ‬مسيرة‭ ‬المجتمع‭  ‬هدفها‭ ‬معالجة‭ ‬القضايا‭ ‬الٍاجتماعية‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬مقاومة‭ ‬الفقر‭ ‬والبطالة‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬التهميش‭ ‬والٍاسراع‭ ‬باٍصلاح‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬التسرب‭ ‬المدرسي‭ ‬والتشجيع‭ ‬على‭ ‬التكوين‭ ‬المهني‭  ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬تعزيز‭ ‬وتفعيل‭ ‬برنامج‭ ‬تعلم‭ ‬الكبار‭  ‬و‭ ‬ٍالا‭ ‬قطعا‭ ‬سيفوتنا‭ ‬الركب‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬نقلق‭ ‬بشأن‭ ‬الأمية‭ ‬التكنولوجية‭ ‬والمعلوماتية‭ ‬لا‭ ‬أمية‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة.

  • نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 22 اوت 2023

اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING