الشارع المغاربي: عبّر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ومجلس نواب الشعب اليوم الثلاثاء 8 جوان 2021 عن عدم رضاه عن مخرجات عمل هيئة الحقيقة والكرامة وتجربة العدالة الانتقالية في تونس واصفا اياها بالمتواضعة.
واكد الغنوشي أنه “لم يكن موافقاً على المنهج الذي اعتمد في إطار العدالة الانتقالية” معتبرا ان ” الدوائر المتخصّصة في العدالة الانتقالية “لا تحترم قواعد المحاكمة العادلة” لافتا الى أنه عارض كثيراً من الإجراءات ومنها قانون المصادرة”.
وقال الغنوشي في حوار أدلى به لمجلة “المفكرة القانونية“:” في تقديري، مخرجات تجربة العدالة الانتقالية وعمل هيئة الحقيقة والكرامة في تونس متواضعة وهذا أقلّ ما يمكن أن يقال فيها فلا الضحايا تمّ إنصافهم ولا المنسوب اليهم الانتهاك تمّت محاسبتهم… كل ما تحقّق في الواقع هو نوع من إعادة كتابة التاريخ من خلال الاستماع إلى الضحايا وإقرار حقّهم في التعويض بموجب مقرّرات جبر ضرر لم تنفّذ”.
واضاف “هذا العمل وإن كان ناقصاً فإنّه هامّ… اليوم الضحايا يرتحلون عن هذه الحياة حاملين حسراتهم وتاركين وراءهم أولاداً وأحفاداً محطّمين اجتماعياً. فمعظم أبناء المساجين حرموا من حق الدراسة في ظروف عادية تمكّنهم من النجاح وبعضهم يعيش، جرّاء ما تعرّض له من ضغط حتّى الآن، ظروفاً صعبة مادياً ومعنوياً. .. تقرير هيئة الحقيقة والكرامة كتبه ضحايا ينتمون لاتجاهات سياسية مختلفة ويحقّ لأيّ كان أن يرفضه أو يبدي رأياً مخالفاً له… احترام الحقّ في الاختلاف وفي التعدّد لم يكن ممكناً قبلاً وقد تحقّق الآن وهذا جيّد وربّما كان من المهمّ هنا أن نتبيّن أنّ عمل الهيئة تمّ في فترة حكم أحد رجالات النظام القديم أي الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي كان يعارض عملها. وهذا دليل على أنّه لم يكن خطاباً سلطوياً بقدر ما كان تعبيراً عن رأي الضحايا والحقيقة كما عاشوها”.
وتابع”لم أكن موافقاً على المنهج الذي اعتمد في إطار العدالة الانتقالية… كان تصوّري يقوم على أربعة أمور: أوّلاً، أنّه يجب الاكتفاء بالكشف عن الحقيقة حتى لا تتكرّر المآسي من خلال البحث عمّا حصل وكيف حصل ذلك؛ وثانياً، دعوة المنسوب لهم الانتهاكات الجسيمة للاعتذار؛ وثالثاً، حثّ الضحايا على العفو؛ ورابعاً، أن تتولّى الدولة إعادة الاعتبار للضحايا مادياً ومعنوياً لكونها مسؤولة عمّا لحقهم بهم من ضرر. كما كنت ولا زلت أعتقد أنّ أسلوب العقاب الذي انتهج حتّى الآن لم يحقّق شيئاً سوى جرّ الضحايا من محكمة إلى أخرى. لم يستفدْ الضحايا من ذلك. والأخطر من كلّ هذا أنّ الدوائر المتخصّصة في العدالة الانتقالية لا تحترم قواعد المحاكمة العادلة لعدم قابلية أحكامها للاستئناف ولكون من يُتّهمون أمامها حوكموا لأجل الفعلة نفسها أكثر من مرة”.
واعتبر الغنوشي انه” كان من المفترض”معالجة الملفات بطريقة أفضل تنتهي بتجاوز ما يطرح من استحقاقات” مضيفا ” لن تستفيد الضحية بشيء من موت شرطي في السجن… العدالة الانتقالية بتونس انطلقت في ظلّ مناخ سياسي معيّن مساند لها. وقبل نهاية عهدتها، تغيّر المزاج العامّ فصارت خارج السياق وبدتْ كأنّها تحاول أن تحاكم الحاكمين. مثال على ذلك، أنّ الرئيس الباجي قائد السبسي المنتخب ديمقراطياً أصبح متّهما فيها. وهو ما طرح السؤال “من يحاكم من؟”. ولولا انسحابنا من السلطة في سنة 2013، لكنّا ربّما نحن من يُحاكم الآن. هذه المحاكمات زائدة وغير مجدية لأنها لم تكشف الحقيقة ولم تنصف الضحايا”.
وواصل ” موقفي مبدئي وكان منذ البداية وأكّدَته تالياً الوقائع التي كشفت صحّته. لقد عبّرت عن موقفي هذا بوضوح من البداية. أذكّركم هنا بأنّي ولمّا كان مسؤولو النظام السابق موقوفين، استقبلت أسرهم في منزلي. كما استقبلت بعد الإفراج عنهم عدداً منهم. أنا لا يعجبني التشفّي والانتقام. ولمّا فتحت منزلي لتلك اللقاءات التي كانت معلنة، بيّنت رفضي لكلّ أشكال التشفّي واجترار الأحقاد… عارضت كثيراً من الإجراءات ومنها قانون المصادرة. كان من الممكن التعاطي مع قضايا الفساد الماليّ بأسلوب آخر، منه ترك الأموال لأصحابها وتحميلهم مسؤولية دفع تعويضات عمّا سبق من خطأ منهم. مصادرة شركات ومؤسسات كانت سابقاً تنتج وتشغّل لم تنتفع منه المجموعة الوطنية وتحوّل إلى ملف فساد كبير ودليل فشل في الإدارة”.
وبخصوص الاتّهامات الموجهة لحركة النهضة بالتدخّل في القضاء قال الغنوشي :”قبل الثورة، كان دور القضاء يقتصر على التصديق على عمليات التصفية السياسية. وفي سجوننا ومنافينا، لم نكن نرى عدالة القضاء إلّا في أمثلة قليلة أهمّها القاضي المرحوم مختار اليحياوي. بعد الثورة وعلاوة على الإصلاحات المؤسّساتية الهامّة التي عرفها القضاء، يجب أن ننتبه إلى أنّ ضعف الحكومات منع ما كان يمكن أن يكون من إعادة إنتاج سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء. وبذلك، إن كان من فضل لعدم الاستقرار السياسي، فهو أنّه قاد إلى تعزيز استقلالية القضاء. ونحن مع هذه الاستقلالية ونرفض أي مسّ بها. وما يتمّ الحديث عنه من اتّهامات ليس إلّا من قبيل المناكفات السياسية التي يجب أن نتجاوزها. يجب أن نتصالح في ما بيننا ونقبل ببعضنا ولن يتحقق هذا إلّا بقراءة نقدية للمواقف والتاريخ”.
وأضاف “نحن مع قراءة موضوعية ومنصفة للتاريخ تكون مؤسّسة وتقطع مع الثنائيات السائدة والتي تقسم المجتمع إلى وطنيين وخونة وديمقراطيين وخوانجية”
وعن امكانية طرح مشروع “المصالحة الشاملة ” كبديل للعدالة الانتقالية قال الغنوشي :”في العمل على العدالة الانتقالية كثيرٌ من الإيجابيات والمكاسب التي يجب أن نحافظ عليها وندافع عنها، ومنها ما تمّ الكشف عنه من حقائق وما تمّ إقراره من حقوق للضحايا في موازاة ذلك. إلّا أنّنا نرى في المقابل أنّ ما كشف عنه من حقائق يبقى محدوداً ونحن بحاجةٍ لمصالحة تضمن طيّ صفحة الماضي. وعليه، المطلوب اليوم المصالحة الشاملة والتي تقوم في نظري على ثلاث ركائز هي: أوّلاً كشف الحقيقة وثانياً إنصاف الضحايا وثالثاً العفو. حالياً، هناك مختصّون ن في القانون ومهتمّون بملف العدالة الانتقالية يعملون على بلورة هذه الأفكار ويتدارسونها. وسنتقدّم بها كمبادرة متى تمّت صياغتها وحصل توافق حولها”.
وختم الغنوشي الحوار بالتأكيد على أنّه “لن تكون في هذه المبادرة قطيعة مع ما سبق” وعلى انه “سيكون فيها حتماً إصلاح وتطوير وتكامل بين المشاريع، بما يخدم هذه القضية العادلة وينهي ما كان من سير في طريق لا يخلّف إلا الضغائن”.