الشارع المغاربي – بالأرقام: خسائر المؤسسات العمومية تُمثل 91% من ميزانية الدولة والقانون يفرض إشهار إفلاس جُلّها

بالأرقام: خسائر المؤسسات العمومية تُمثل 91% من ميزانية الدولة والقانون يفرض إشهار إفلاس جُلّها

قسم الأخبار

11 فبراير، 2021

الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: يتواصل الجدل منذ مدة حول قضية أثيرت في سياق تأويل تاكيد رئيس الحكومة هشام المشيشي حديثا بخصوص التوجه نحو إحداث وكالة وطنية للإشراف على المؤسسات العمومية التي تجابه صعوبات مالية على أن الامر يتعلق بمساع من الحكومة للتفويت في “الدرر” المكنونة للاقتصاد الوطني واحالة العاملين فيها على البطالة بما يزيد في انتشار الفقر ويحرم البلاد من مرافق حيوية. واحتدم الجدل بعد أن افاد وزير المالية يوم الثلاثاء الفارط علي الكعلي بأنه من الوارد التفويت في بعض حصص الدولة بعدد من المنشاَت العمومية الرابحة سيما البنوك العمومية.

وانتقد الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري في هذا السياق ما اعتبره مساع من الحكومة للتفويت في المؤسسات العمومية لتمويل الميزانية، ورفضها في نفس الوقت القيام بالإصلاح الجبائي ومقاومة التهرب الضريبي ومكافحة الفساد لتعبئة الموارد معتبرا أن الحكومة تبحث عن أولويات بعيدة بينما هي أخفقت، حسب تقديره، في تحقيق متطلبات المرحلة الآنية في مقاومة فيروس كورونا معربا، في هذا الصدد، عن رفض الاتحاد لجوء الحكومة للحل السهل المتعلق بالتفويت في بعض المؤسسات العمومية مشيرا كذلك إلى أنه ليس من حق الحكومة أو أي مسؤول اتخاذ قرار التفويت في المؤسسات العمومية، مؤكدا أنها مؤسسات استراتيجية ويمكن أن تكون رافعة للاقتصاد التونسي في ظل غياب الاستثمار الخارجي عبر إصلاحها وإنقاذها.

من جانبه صرح رئيس لجنة المالية والتخطيط والتنمية بمجلس نواب الشعب، هيكل المكي، أن تونس لا تستطيع خلق الثروة وانها مكبّلة ببيروقراطية “بشعة”، وان حكام البلاد يبشرون بحلول على حساب الشعب وعلى حساب ممتلكاته مشددا على ان ذلك غير ممكن . وأكد هيكل المكي أن المؤسسات العمومية ليست ملك هذه الحكومة وانه ليس لهذه الاخيرة حق التصرف فيها بالبيع، مشيرا إلى أن هناك إمكانية لإصلاحها وإمكانية إيجاد حوكمة جديدة فيها وتطهيرها.

على مستوى اخر، تبرز حسابات وزارة المالية بوضوح ان 31 مؤسسة عمومية يمكن اعتبارها الأهم من بين 110 ناشطة في البلاد بحكم انها توفر 85% من تعاملاتها الاقتصادية فقدت بالكامل قيمتها المحاسبية مما يقتضي تعليق ما هي مدرجة منها بالبورصة وإعلان افلاس جلها وذلك وفق مقتضيات قانون الإجراءات الجماعية عدد 36 لسنة 2016 الذي يضبط سبل إنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية وكذلك مسارات تفليسها أو بالأحرى اشهار افلاسها على معنى الفصل 413 من المجلة التجارية الذي يستند الى مفهوم التوقف عن الدفع والفصل 434 من ذات المجلة المتصل بوضعية المؤسسات غير القادرة على الإيفاء بخلاص الديون التي حل أجلها بما هو موجود لديها من سيولة.

ويعتبر تقييم الوضعية المالية والمحاسبية للمؤسسات العمومية غاية في الصعوبة والتعقيد فنيا اذ ان معظمها لا ينشر قائماته المالية وتقارير مراقبي حساباتها منذ سنوات طوال تكون مطابقة للمعايير المحاسبية الوطنية رغم انه يُحمل عليها واجب الإفصاح المالي بحكم ان العديد منها يقوم بتعبئة أموال المدخرين والمستثمرين بما يشكل مخالفة على هذا الصعيد لأحكام القانون117 لسنة 1994 المحدث والمنظم لهيئة السوق المالية.

وبالرجوع للأرقام الرسمية لآخر تقرير أصدرته وزارة المالية في جوان الفارط حول المؤسسات العمومية والتي يتجنب الجميع تقريبا الخوض فيها، فإن خسائر هذه المؤسسات لسنة 2018 (-4755 مليون دينار) وذلك قبل تفشي الجائحة الصحية وتداعياتها الكارثية تفوق أموالها الذاتية التي لا تتجاوز 4486 مليون دينار – دون اعتبار دعم الدولة الذي يقدر بزهاء 4418 مليون دينار – مما يعني ان القيمة المحاسبية لـ “جواهر” الاقتصاد الوطني تساوي 4687 – مليون دينار وذلك وفق ما ينص عليه المعيار الثامن من معايير المحاسبة التونسية التي يضبطها القانون عدد 112 لسنة 1996 المحدد للميزات النوعية المطلوبة في المعلومة المالية للمؤسسات الاقتصادية في تونس.  

وإذا أضيفت قيمة التكاليف المباشرة وغير المباشرة ومديونية المؤسسات العمومية للحسابات السابقة، فان اجمالي العبء المالي لهذه المنشاَت يقدر محاسبيا بـ 39391 مليون دينار بما يعادل 91.8% من ميزانية الدولة التونسية.

يذكر كذلك أن أسعار أسهم المؤسسات العمومية تراوحت يوم أمس الأربعاء عند اغلاق التعاملات في بورصة تونس بين 0.64 و8 دنانير وهو ما يؤكد فقدان قيمتها لا فقط على المستوى المحاسبي بل وكذلك على الصعيد السوقي.

وعموما، يبدو أن لرفض عدة أطراف إعلان إفلاس جل المؤسسات العمومية والتمسك بها “مبرراته”. فهذه المؤسسات هي في الواقع مصدر “رزق” يقتات منه كثيرون بدءا بالمزودين والدائنين الماليين مرورا بمسديي الخدمات وصولا الى الأُجراء المستقوين منذ سنوات بنقاباتهم “العتيدة”. كما ان اعلان افلاس المؤسسات العمومية وهي الغارقة أصلا في الافلاس حتى النخاع يشكل الى حد بعيد مناورة جد خطيرة قد تعصف بالقطاع المالي والبورصة التونسية وفروع نشاط اقتصادية عدة في سياق ارتدادات أزمة نظمية عارمة.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING