الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: شهد الدينار تراجعا قياسيا مقابل الدولار بنسبة 16.78 بالمائة وذلك وفقا لآخر المعطيات المحينة حول تطور المؤشرات النقدية المالية الصادرة اليوم الثلاثاء 18 اوت 2022 بالموقع الرسمي للبنك المركزي التونسي، لتقدر قيمة الورقة الخضراء بنحو 3.31 دنانير. وابرزت بيانات مؤسسة الاصدار انخفاض مستوى احتياطي النقد الاجنبي بحساب ايام التوريد الى 105 ايام بما يعادل 23126.3 مليون دينار.
ويرجع انحسار قيمة العملة الوطنية امام الدولار الى عدة اسباب هيكلية اهمها تواصل عجز القطاع الخارجي والافاق السلبية لنمو الاقتصاد التونسي إضافة الى ما تشهد السياسة النقدية في الولايات المتحدة واوروبا من تطورات سيما على مستوى تشديدها واتخاذ قرارات بالترفيع في نسب الفائدة. ولكن السلط النقدية في تونس تسعى منذ مدة في إطار تطبيق “الإصلاحات” المقدمة لصندوق النقد الى تحرير سعر صرف العملة الوطنية وهي مناورة ترمي فنيا الى ما يعرف بـ “تعويمها”.
وكان صندوق النقد الدولي قد أكد في أكتوبر 2018 لدى مراجعته الثالثة لتقدم البرنامج التمويلي السابق لتونس ان سعر الصرف في تونس أصبح عائما – وهو ما تنكره باستمرار السلط التونسية – مما أدى إلى ارتفاع سعر صرف الدولار والاورو وجل العملات المرجعية مقابل الدينار بشكل تجاوز بكثير نصف قيمته خلال السنوات القريبة الفارطة.
ويعني تعويم الدينار التونسي تحريره بشكل كامل بما يحول دون تدخل البنك المركزي في تحديد سعر الصرف حيث يتم ضخّ الدينار التونسي تلقائيا في سوق الصرف من خلال آلية العرض والطلب التي تحدّد سعر صرفه مقابل العملات الأجنبيّة.
وتعتبر سياسة التعويم الموجه للدينار التونسي التي يتبعها حاليا البنك المركزي مرحلة أولى إلى حين بلوغ مرحلة التعويم الحرّ المعمول به بصفة عامة في الاقتصادات الهشة لعدد كبير من دول الشرق الأوسط وجنوب شرق اسيا وامريكا اللاتينية بما يؤدي عادة وحسب التجارب المقارنة الى انهيار العملة المحلية وتواتر عمليات افلاس البنوك وارتفاع التضخم الى مستويات كبرى إضافة الى فقدان السيولة والتوسع الكبير للمعاملات المالية في السوق السوداء.
يذكر ان البنك المركزي يشيد باستمرار بنجاح سياسته النقدية التي ترتكز بالأساس على تحريك نسبة الفائدة (15 مرة منذ 2011) في تجاوز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد رغم التوسع المتواصل للتضخم وتقدير وصول عجز ميزان المدفوعات الى 10 بالمائة من الناتج المحلي مع نهاية العام الحالي فضلا عن تفشي ظاهرة التدفقات المالية غير المشروعة وتهريب الأموال الى الخارج.
ومن المرجح ان يستمر صندوق النقد الدولي في ممارسة ضغوطه على البنك المركزي لتخفيض قيمة الدينار مما سيزيد في إنهاك توازنات المالية العمومية وعجز الميزان التجاري بسبب ارتفاع اسعار المنتجات الموردة، واهمها المواد الأولية والادوية وغيرها من المنتجات الحيوية علاوة على ازدياد فوائد القروض الخارجية واولها قروض الصندوق نفسه مما يرفع من درجة المخاطر الاقتصادية والاجتماعية.