الشارع المغاربي: في أكتوبر 2016 فتح معهد تونس للترجمة أبوابه لاستقبال فوج من الراغبين في التكون في الترجمة ليحقق حلما راود المهتمين بمجال الترجمة بإرساء نواة لمؤسسة تكوّن المترجمين الممتازين في مجالي الترجمة التحريرية والترجمة الفورية. وقد انطلق المشروع بطموحات كبيرة لوزارة إشراف داعمة وممولة وجامعة تونسية ضامنة لجودة التكوين على المستوى الوطني وجامعة فرنسية تضمن من خلال المدرسة العليا للمترجمين والنَقَلَة بباريس قيمة المتخرجين على المستوى العالمي.
حلم ولكن…
وانطلق التكوين فعلا بعد أن أجري اختبار دخول عسير لاختيار المترشحين القادرين على مواصلة الدراسة في هذا الاختصاص الصعب. وأسفرت مناظرة الدخول عن قبول ثمانية طلبة فقط أربعة منهم هم الأوائل في المناظرة من بين أفضل الناجحين في الماجستير بمختلف الجامعات التونسية وأربعة من أفضل الملتزمين بدفع معلوم التسجيل الذي قدر بثماني ألاف دينار في السنة وجميعهم بدؤوا الدراسة في هذا التكوين الذي يضمن للمتمكنين منه دخلا محترما وكفاءة عالية. وقد أشرفت على التكوين منذ البداية نخبة من أكبر أساتذة الترجمة في الجامعة التونسية أذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر عبد الفتاح براهم والبشير قربوج ووضع له برنامج وقعت بلورته بالاشتراك بين جامعة تونس وجامعة باريس ومعهد تونس للترجمة والمدرسة العليا للمترجمين والنَقَلة بباريس. إلاّ أنّ الطلبة والأساتذة وجامعة تونس وجامعة باريس فوجئوا جميعا بالسيد المدير العام الجديد لمعهد تونس للترجمة يعلن في 3 ماي 2017 عن تعليق المشروع لأنه يعتبره غير قانوني.
بداية الكابوس
أمام هذا الوضع اضطر طلبة التكوين إلى كتابة عريضة إلى السيد المدير العام بتاريخ 4 ماي 2017 يطالبون فيها السيد المدير بتفسير لما يحدث وبعدم تعليق التكوين. وعندها وعدهم المدير العام بأنه سيسعى إلى تسوية وضعيتهم والقيام بما يتعين لمواصلة التكوين وفي الأثناء تواصل التكوين بضغط من مجلس المؤسسة الذي طالب السيد المدير العام بإعداد الملاحق القانونية اللازمة التي تحدّثت عنها الاتفاقية الممضاة مع جامعة تونس 1 ومع ذلك امتنع السيد المدير العام عن تسليم الطلبة أية وثيقة تثبت مزاولتهم للتكوين مقابل ما دفعوا من أموال ودون أن يمكن الأساتذة من أجورهم مقابل ما أمّنوا من دروس طيلة سداسيين ودون أن يعلن عن نتائج السنة الأولى ودون أن يسلم للناجحين شهائد نجاح عما اجتازوا من امتحانات في آخر السداسي الثاني. وأرسل عريضة الطلبة إلى وزارة التعليم العالي مطالبا إياها بالإجابة عن سؤال مغلوط يتعلّق بـ “تسوية الوضعيّة القانونية للمتكوّنين المرسّمين بالسنة الأولى من الماجستير المهني في الترجمة»(مثلما ورد في المراسلة الصادرة عن الإدارة العامة للتجديد الجامعي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتاريخ 10 أكتوبر 2017 والمرفقة بمراسلة الإدارة العامة للشؤون القانونية والنزاعات بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي الموجهة إلى السيد مدير المركز الوطني للترجمة بتاريخ 24 أكتوبر 2017)
المغالطة
لم يكن الطلبة يعرفون أن مراسلة السيد المدير العام تحتوي على مغالطة كبرى فقد كان يعرف جيّدا أنّ الاتفاقية المبرمة بين المعهد وجامعة تونس لا تتحدّث عن ماجستير مهني وإنما وضع هذا السؤال المغلوط ليحصل على إجابة مغلوطة بعدم قانونية التكوين في معهد تونس للترجمة. وإذا كان الطلبة قد أثبتوا في عريضتهم أنهم مسجلون في السنة الأولى من شهادة الماجستير المهني فقد كان من واجب السيد المدير ألاّ يقبل عريضة تتحدّث عن شهادة لا تتطابق مع الدبلوم المثبت في شهادة الترسيم المسلمة من المعهد والتي تنصّ على أن هؤلاء الطلبة مسجلون بـ «السنة التحضيريّة من الديبلوم العالي للمترجمين والمترجمين الفوريين »إلاّ أنّ السيد المدير العام لم يكتف بقبول هذه العريضة على صيغتها الخاطئة التي تنصّ على أنّ هؤلاء الطلبة مسجلون في السنة أولى من الماجستير المهني، بل تجاوز ذلك ليرسلها إلى وزارة التعليم العالي والحال أنّه يعلم جيّدا أنّ هذه الوزارة غير معنيّة بالنظر في شهادة تأهيل مهنية. وأنّ هذه الشهادة قانونية بمقتضى المستندات القانونية التالية:
• أمر الإحداث عدد 401 لسنة 2006 والمؤرخ في 3 فيفري 2006 الذي ينصّ على أن من مهام معهد تونس للترجمة «رفع مستوى التكوين في اللغات… وتكوين المترجمين ورسكلتهم في مختلف اختصاصات الترجمة»
• عقد الأهداف الممضى بين المركز الوطني للترجمة ووزارة الثقافة بين سنتي 2007 – 2011 الذي يتضمّن إحداث مدرسة تونس للترجمة
• الاتفاقيّة المبرمة بين المركز الوطني للترجمة وجامعة تونس في 20 فيفري 2015 والتي تنص في فصلها الأوّل على أنّ موضوعها يتعلّق « بإبرام شراكة في إحداث ديبلوم تأهيلي لممارسة مهنة الترجمة التحريريّة والفورية.. »
الإجرام في حق الطلبة والمؤسسة
وحينما وافاه رد وزارة التعليم العالي في مراسلة الإدارة العامة للشؤون القانونية والنزاعات بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي عدد 21287/إ.غ الموجهة إلى السيد مدير المركز الوطني للترجمة بتاريخ 24 أكتوبر 2017 بأنّه ليس من مشمولات المعهد إسناد شهادة ماجستير مهني في الترجمة وأنه ينبغي «التأكيد ضمن الاتفاقيّة على أنّ الشهادة التي يسندها المعهد بالشراكة مع الجامعة هي شهادة تكوين تأهيلي في الترجمة» لم يكلف نفسه التأكّد من أنّ ما طلبته وزارة التعليم العالي متوفّر فعلا في الاتفاقية المبرمة بين معهد تونس للترجمة وجامعة تونس «وأنّ الشهادة التي يسندها المعهد بالشراكة مع الجامعة« هي شهادة ديبلوم تأهيلي لممارسة مهنة الترجمة التحريريّة والفورية » وعليه فإنّ الشهادة المسندة في معهد تونس للترجمة قانونيّة «عملا بأحكام الفصل الفصل 2 من الأمر عدد 401 لسنة 2006 المؤرّخ في 3 فيفري 2006 » كما تصرّح بذلك المراسلة المذكورة الموجهة إلى السيد مدير عام معهد تونس للترجمة من وزارة التعليم العالي. ولكنّ السيد المدير العام لم يعمل بما أوصت به المراسلة المذكورة بل واصل عمله على تحطيم مشروع التكوين والتفريط في كل ما أنجز به من برامج تطلبت الكثير من الجهد والمال لتحقيقها والتخلي عن المقر الذي يؤوي هذا المشروع والذي بدونه ينتفي شرط أساسي من شروط التعاقد مع جامعة تونس وتسريح طلبته وإلقاء أثاثه في قبو بمقر جديد لا قاعات للتكوين فيه بكل ما ينجرّ عن ذلك من خسائر للمعهد وللطلبة الذين دفعوا أموالهم وللأساتذة الذين عملوا ولم يقع تأجيرهم إلى الآن والتفريط في مساعدات مالية هامة استطاعت المدرسة العليا للمترجمين والنَقَلَة بباريس رصدها للمعهد في إعانات من الاتحاد الأوروبي.
والأسئلة التي تبقى معلقة بلا إجابة هي:
هل تحيل المدير العام على الجميع بتوجيه مراسلة تحتوي على سؤال مغلوط إلى وزارة التعليم العالي ليحصل به على جواب مغلوط يوقف به مشروعا لم تكن له الكفاءة الكافية لمواصلته؟
ما مصير الطلبة الذين دفعوا مالهم ولم ينالوا شيئا والأساتذة الذين درسوا سنة كاملة دون أجر؟
من سيحاسب السيد المدير العام عن تحطيم مشروع تفوق كلفته المليار من المليمات بلا وجه حق قانوني؟