الشارع المغاربي – الأرشيف‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬حسني‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬إلى‭ ‬الهادي‭ ‬جلاب: تراث‭ ‬وثروة‭ ‬لا‭ ‬تقدّر‭ ‬بثمن

الأرشيف‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬حسني‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬إلى‭ ‬الهادي‭ ‬جلاب: تراث‭ ‬وثروة‭ ‬لا‭ ‬تقدّر‭ ‬بثمن

قسم الأخبار

23 أبريل، 2022

الشارع المغاربي-منير الفلاح: قد تبدو الكتابة أو حتّى مجرّد الحديث عن الأرشيف الوطني الآن نوعا من التّرف، قياسا بما يجري على السّاحة الوطنيّة من تغيّرات يوميّا… لكن وبمجرّد تصفّح بعض منشورات “الأرشيف الوطني التّونسي”، يتّضح للمتصفِّح راهنيّة ما جاء بمنشورات “وِحدة البحث” وعلى سبيل الذّكر لا الحصر ما يتعلّق بإلغاء الرقّ والعبوديّة وعهد الأمان إلى غير ذلك من النّصوص المُهيكِلة للدّولة التّونسيّة والتّفاعل الدّولي مع تلك النّصوص التي صدرت أواسط القرن التاسع عشر .

والأرشيف الوطني التّونسي، تأسّس سنة 1874، بداية تحت مُسمّى “خزانة مكاتيب الدّولة” ثمّ “الخزينة العامّة للحكومة التّونسيّة” ليستقرّ تحت تسمية “الأرشيف الوطني التّونسي” في سياق الإصلاحات التي عرفتها الدّولة في النصف الثاني من القرن التّاسع عشر زمن خير الدّين التّونسي حيث تمّ نقل وثائق الدّولة من قصر باردو ومن سائر المصالح ولدى كبار المسؤولين إلى الوزارة الكبرى بالقصبة. وقد أمكن آنذاك ضبط وحِفظ آلاف الوثائق من التّلف وتمّ تبويبها وتنظيمها وكان أول من أوكِلت اليه مهمّة رئاسة خزينة مكاتيب الدّولة الشّيخ محمّد الطيّب بوسن.

في الحقيقة، مسألة الحفاظ على الموروث الثّقافي والتّاريخي والدّيني تعود إلى ما بات يُعرفُ ب”مكتبة أشور بانيبال” التي استطاعت حفظ ذاكرة بلاد الرّافدين من شمالها إلى جنوبها.

بالنّسبة للبلاد التّونسيّة وبعد الشّيخ الطيّب بوسن شغل نفس المنصب (من 1887 إلى 1923) محمّد القروي وتمّ تحت إدارته تكوين السّلسلة التّاريخيّة ومجموعة الدّفاتر الجبائيّة…

  تداولت على إدارة الأرشيف أسماء بارزة كحسن حسني عبد الوهاب في الرّبع الأوّل من القرن 20 والدكتور عبد الجليل التّميمي، بداية السّبعينات والمرحوم المنصف الفخفاخ (من1988 إلى 2006) ومنذ 2011 إلى الآن الدكتور الهادي الجلاب.

مع ترؤس الدكتور الهادي جلاب (زميل الدراسة الجامعية ورفيق درب  حركة نوادي السينما) للأرشيف الوطني التّونسي، وربّما لأنه ليس مؤرّخا وباحثا أكاديميّا فحسب وإنما أيضا من أشدّ المؤمنين بدور المجتمع المدني والفاعلين فيه وهو المناضل بالإتحاد العام للطّلبة بكليّة الآداب (سبعينات القرن الماضي) وبنوادي السّينما (نادي سينما قْابس ثم نادي سينما تونس) ويشترك في هذه الصّفات مع المرحوم الصّديق المنصف الفخفاخ المناضل النقابي (نقابة الأساتذة في السبعينات) والناشط السابق في حركة نوادي السينما (نادي سينما صفاقس وتونس) تواترت منشورات وحدة البحث بالأرشيف الوطني لتشمل “حقوق الإنسان في تونس” من خلال وثائق الأرشيف الوطني التّونسي (1846-1956) و”البلديّات في تونس” من خلال أرصدة الأرشيف.

 تواتر المنشورات في مثل هذه المواضيع تحديدا ونقل ما هو معلوم لدى الأوساط الأكاديميّة لعموم القرّاء وبالتّالي تمت تغذية النّقاش العام بالمعطيات التّاريخيّة المُوثَّقة .

فنشر كلّ ما يتعلّق بـ”عهد الأمان” مثلا والسّاحة الوطنيّة تشهد نقاشا حادًّا أحيانا حول الدّستور وما يتوجّب أن يحتوي عليه من أبواب وفصول وكذلك الأمر بالنّسبة لتاريخ البلديّات وتنظيمها بالبلاد التّونسيّة.

إضافة لهذه المنشورات، يمكن التوقّف عند مساهمة الدّكتور الهادي جلاب في التّعريف بالمدوّنة القانونيّة التي تنظّم الحقل السّينمائي التّونسي في مقال كان لمجلّة “شاشات تونسيّة” شرف نشره في أحد أعدادها.

وقدّم الدكتور جلاب، المدير العام للأرشيف الوطني، بالقول “حظي الإنتاج السّمعي البصري والسّينمائي بمجموعة من النّصوص القانونيّة والتّرتيبيّة لتأطير مراحل الإنتاج والتّوزيع والإستغلال والحفظ وتنقسم المدوّنة القانونيّة إلى نصوص عامّة ونصوص خصوصيّة بإرتباط بقطاع السّينما والثّقافة .”

ومن أهمّ ما تعرّض له الدّكتور جلاب في مقاله ما يهمّ تراث الشركة التونسية للإنتاج والتوزيع السينمائي SATPEC بعد أن تمّ التّفويت فيها وتصفيتها وتحدّث عن  محضر تسليم خزينة الأفلام التّابعة لهذه الشّركة لوزارة  الثقافة. هذا الجرد يثبت وجود حوالي 1150 بَكرة وشريطا تمثّل تراثا سينمائيّا وسمعيّا بصريّا هامّا لا نعرف مصيره، حُرمت منه الجهات المعنيّة باستغلاله…

خلاصة القول، للأرشيف الوطني أهميّة لا في حِفظ الذّاكرة الوطنيّة بسائر المجالات فحسب ووضعه تحت تصرّف الأكادميّين بل وأيضا تحت أنظار كلّ المتدخّلين في الشّأن العام والمنشورات كتلك التي تتعلّق بحقوق الإنسان والتّنظيم البلدي وما جاءت عليه من تبسيط دون تسطيح وثراء من حيث إدراج عدد من الوثائق يُمكن أن تُشكّل مصدرا هامّا حتّى للمنظومة التّكوينيّة في المدارس على إختلاف مستوياتها وتثري تكوين النّاشئة.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 19 أفريل 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING